الأخبار

اندبدبندنت البريطانية : جولات البرهان والبحث عن الحلول

لحراك السياسي الذي نتج من خروج الفريق أول عبدالفتاح البرهان من القيادة العامة قبل أكثر من أسبوع، بدا واضحاً أنه تم إطلاقه وفق ترتيبات إقليمية ودولية في الكواليس، بدليل ما شهدناه بعد ذلك من زيارته إلى مصر، ثم إلى دولة جنوب السودان، ثم زيارته الأخيرة إلى دولة قطر.

فالترتيبات التي أدت إلى خروج البرهان على الأرجح تتصل بإرادة لإنهاء الحرب التي دخلت شهرها الخامس دون أن يحسمها أحد من الطرفين إلى صالحه (ولن يحسمها) إلى جانب التداعيات الخطرة لآثار الحرب في المدنيين وفق تقديرات مفزعة لتقارير الأمم المتحدة.

 لقد كان في توقيت إعلان الرؤية السياسية لقوات “الدعم السريع” التي شرحت موقفها السياسي ورؤيتها للحل، تزامناً مع زيارة البرهان إلى القاهرة، ما يشي بأن ثمة اتجاه للحراك السياسي كرد فعل واضح على تداعيات خروج البرهان، ثم جاءت زيارة وفد قوى الحرية والتغيير هذا الأسبوع إلى الدوحة ولقائه رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية، إلى جانب الندوة التي أقامها أحد المراكز السياسية في الدوحة واستضاف فيها الوفد لشرح رؤيته السياسية، كل تلك التفاعلات شكلت اختراقاً موعوداً بمزيد في اتجاه البحث عن حلول سياسية للحرب.

نتصور أن ثمة علاقة بين زيارة وفد قوى الحرية والتغيير المركزي إلى الدوحة وبين زيارة البرهان إلى العاصمة القطرية، علاقة ربما تتصل بترتيبات قد تؤدي إلى انفراج ما في ظل هذا الحراك السياسي، لا سيما أن التواصل بين الفريق أول عبدالفتاح البرهان وبين قوى الحرية والتغيير المركزي لم ينقطع، إلى جانب تواصل الفريق محمد حمدان حميدتي أيضاً مع وفد قوى الحرية والتغيير، الأمر الذي نرجح معه أن في حراك وفد قوى الحرية والتغيير ما يعكس التقاء مناسباً لرغبة الطرفين المتحاربين في الاتجاه إلى وقف الحرب.

على الميدان العسكري ربما تبدو حدة المعارك الجارية بين الطرفين في كل من الخرطوم ودارفور دالة على وشك الجلوس إلى مائدة التفاوض، على رغم خطاب الرسائل المزدوجة الذي يبديه البرهان بين مناسبة وأخرى، في الوقت الذي نرى فيه خطاب حميدتي الذي تم نشره أخيراً، يعكس نبرة حادة مع أن في تضاعيف الخطاب ما يلمح فيه مؤشرات تدل على القبول بإنهاء الحرب.

في خطابات البرهان يتحدث الرجل كلاماً ذا طبيعة مزدوجة وفقاً لسياقات المكان، إذ يختلف المكان الذي يخاطب فيه الجنود، مثلاً، عن الأماكن السياسية التي يرسل فيها رسائل واضحة تعكس رغبته في إنهاء الحرب.

إن طريقة قائد الجيش البرهان في محاولاته الدائمة للتبرؤ من أي وجود لعناصر أخرى تقف إلى جانبه في هذه الحرب في كل تصريحاته الإعلامية سواءً في خارج السودان أو داخله، ربما تكشف لنا عما هو أكثر تعقيداً من محاولات النفي المتكرر، فهي طريقة ترسل رسائل عديدة في الداخل والخارج، وقد لا نعدو الحقيقة إذا قلنا إن الرجل يخضع لضغوط

داخلية كبيرة يتجاذبه فيها أكثر من طرف، الأمر الذي يضعه أمام تناقضات واضحة، نخشى معها القول، إن الرجل لا يبدو حتى الآن حازماً في أخذ قرار أخير نحو إنهاء الحرب، إلا في حال توافرت ضمانات إقليمية ودولية وازنة وراجحة.

وهذا ما يحاول البرهان الحصول عليه، لأن أوضاع الحرب اليوم بعد مضي أربعة أشهر عليها تنحو إلى خيارات أخرى قد تكف فيها المعارك عن كونها عنفاً سياسياً بين طرفين عسكريين، إلى مناخ حرب أهلية، وهو مناخ متى ما استحكم وانتشر نتيجة لشحن خطاب الكراهية الذي نراه في السوشيال ميديا فإن عواقب الحرب الأهلية ستكون وخيمة على السودان برمته.

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن أبرز أخطار سيناريو الحرب الأهلية (لا سمح الله) أنها بمرور الزمن ستجعل كلاً من الجيش و”الدعم السريع” طرفين هامشيين في الحرب بدخول عناصر أخرى تفرزها ديناميات الحرب الأهلية التي لها منطق آخر وخطر، ولعل البرهان قد استشعر طرفاً من ذلك حين ذكر أن الحرب الجارية اليوم تهدد بتفتيت السودان.

وفي هذا السياق يمكننا أن نقرأ الدعوة التي أطلقها أخيراً الناظر ترك، ناظر قبائل الهدندوه بشرق السودان، لوقف الحرب حين وصفها بأنها “لعينة”، بوصفها نبرة تعكس إرادة للتغيير في الموقف من الحرب في الرأي العام باتجاه رافض لها إذا عرفنا مثلاً أن ناظر الهدندوه هذا كان في بداية الحرب من أهم الذين وقفوا في معسكر الحرب إلى جانب الجيش.

لقد بدا اليوم واضحاً أن دعاة استمرار الحرب (على رغم المعادلة الصفرية في نتائجها) لا يخلو الأمر من كونهم مريدين لاستمرارها تحت أي ظرف كان، بهدف صناعة الفوضى، ونتصور أن ترجمة ذلك الاختلاف بين المؤيدين والرافضين لها قد تنعكس في أوساط الجيش باتجاه ربما يفرز انقسامات في صفوفه على خلفية الموقف من الحرب، وهي ترجمة ربما تمثلت في تحرك عسكري محتمل إذا بلغت الضغوط وتناقضات المصالح درجة حادة في المؤسسة العسكرية، بخاصة أن البرهان بات مدركاً أن الضغوط الدولية والإقليمية على طرفي القتال هي التي ستؤدي إلى نهاية الحرب، لا سيما بعد شروع وزارة الخزانة الأميركية في تنفيذ القرار الرئاسي الذي أصدره الرئيس جو بايدن، القاضي بجملة من العقوبات على

قائد ثاني قوات “الدعم السريع” عبدالرحيم دقلو، في ظل التوجه الاستراتيجي للولايات المتحدة بضرورة إيقاف الحرب ومنع الطرفين من الخوض فيها حتى النهاية.

 ولعل من الأهمية بمكان معرفة أن القرار الأميركي الرئاسي الذي أصدره بايدن يشمل في مظلته بنوداً تتعلق بانقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021 الأمر الذي يشير إلى إمكانية صدور قرار عقوبات أخرى يشمل قادة في الجيش، كما صرح بذلك الصحافي السوداني عثمان ميرغني.

وفي هذا الإطار يمكننا قراءة القرار الذي أصدره البرهان بحل قوات “الدعم السريع”، على رغم إعلان ذلك منذ بداية الحرب، لكن الصيغة الرسمية التي صحبت هذا القرار تعكس أنه قرار يتصل بما بعد الحرب وليس بما قبلها، أي بحيث يسهل إمكانية دمج “الدعم السريع” بالجيش في واقع ما بعد الحرب وبالصيغة التي يقررها اتفاق وقف المعارك في السودان عبر الجهود الإقليمية والدولية.

عودة البرهان من دولة قطر بعد زيارة استغرقت يوماً ربما تؤشر إلى دور قطري يضاف إلى الجهود الإقليمية والدولية الساعية لإنهاء الحرب. لقد شهدنا ذلك في أثر الزيارة التي قام بها البرهان إلى مصر، والتي كان واضحاً أنها زيارة تأتي في ظل الأدوار التي تتطلبها الجهود الإقليمية والدولية لإنهاء الحرب الدائرة اليوم في السودان، لهذا شهدنا زيارته إلى جنوب السودان بعد عودته من مصر، ووفقاً لذلك التأويل نتصور أن هناك محطات خارجية مقبلة للبرهان وعلى رأس هذه المحطات، السعودية والإمارات، وبعدها إلى عواصم دول “الإيغاد” في أوغندا وكينيا.

وفيما تعد خطوة الجيش يوم أمس بتسليم 200 أسير من أسرى “الدعم السريع” للصليب الأحمر الدولي في الاتجاه الصحيح، لا سيما أنها أطلقت من قبل أسرى بطرفها، فإن الملامح التي تؤشر إلى اتجاه الحرب نحو نهاية محتملة، تبدو واضحة مع استصحاب طبيعة التعقيدات التي أصبحت تنطوي عليها ملابسات هذه الحرب والتفاعلات التي تسهم في حراك دينامياتها باتجاهي النهاية، أو الحرب الأهلية.

لكل ذلك تبدو الأيام المقبلة أياماً حاسمة في مصائر الحرب، ويحتاج السودان بشدة إلى تعاون المجتمع الإقليمي والدولي في الإسهام نحو إيقافها.

فما يبدو واضحاً اليوم أن الانسدادات الداخلية لهذه الحرب تنبئ بأخطر السيناريوهات في ما لو ترك السودان وحيداً، لا سيما أن هناك دولاً في الإقليم أصبحت تدرك خطورة استمرار الحرب في السودان حال تحولها إلى حرب أهلية شاملة، ففضلاً عن العمق الأمني والاستراتيجي الحساس لمصر ومخاطر الحرب الأهلية الشاملة عليها، هناك خمس دول أفريقية في الجوار السوداني شهدت حروباً أهلية طاحنة هي، ليبيا وتشاد  وجنوب السودان وأفريقيا الوسطى وإثيوبيا ومن مصلحة هذه الدول جميعاً عدم استمرار هذه الحرب المدمرة في السودان، ولعل هذا ما أدركه البرهان في جولاته الخارجية التي شملت دولتين في الجوار، ونتوقع أن تشمل زياراته الخارجية دولاً أخرى في ال

المصدر : اندبدبندنت البريطانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى