العرب اللندنية : مذكرة حمدوك وضعت الأمم المتحدة في مطب
القوى المدنية في السودان تحرج الأمم المتحدة: دعوة البرهان إشارة مشجعة على الانقلابات
خطاب حمدوك للأمم المتحدة يكشف ازدواجية يعاني منها المجتمع الدولي، والذي تساوي غالبية دوله بين البرهان وحميدتي في التعامل مع الحرب.
الخرطوم- أحدثت مذكرة وجهها رئيس الحكومة السودانية السابق عبدالله حمدوك إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش اعتراضا على مشاركة قائد الجيش السوداني في أعمال الدورة الـ78 للجمعية العامة، ردود فعل كبيرة، جاء معظمها مؤيدا لمضمونها السياسي المباشر، ما يؤكد أن القوى المدنية لا تزال حيّة ويمكنها أن تلعب دورا لتقويض الهامش الذي يتحرك فيه قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان.
وتعاملت بعض الدوائر السياسية السودانية مع المذكرة على أنها إشارة لنشاط جديد للقوى المدنية يحرك المياه الراكدة، ويوظف الشرعية الثورية التي اكتسبها حمدوك، والتي عصف بها البرهان دون أن يردعه أحد، إلى أن جاءت الحرب بين قوات الجيش والدعم السريع لترفع الغطاء عن الكثير من المسكوت عنه سياسيا الفترة الماضية.
بينما تعاملت دوائر أخرى معها على أنها محاولة من حمدوك للعودة إلى صدارة المشهد السياسي، وطرحه كخيار توافقي يمكن اللجوء إليه الفترة المقبلة، بعد أن أغلقت الكثير من الأبواب والنوافذ أمام المبادرات المطروحة لوقف الحرب في السودان والعودة إلى عملية سياسية تضع الأمور في نصابها الصحيح.
وأكد قائد الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) أكثر من مرة أن البرهان يشارك في مؤامرة نسجها فلول النظام السابق للاستيلاء على السلطة ومنع عودة الحكومة المدنية، وأن الحرب فُرضت على الدعم السريع ولم تكن خيارا أبدا.
وقامت قوى وأحزاب مدنية الفترة الماضية بالتحرك في مسارات متباينة لأجل التوافق حول رؤية تساعد على وقف الحرب، وتعيد قادتهم إلى الواجهة بعد أن جرفت الحرب العملية السياسية أمامها، وباتت العودة إليها تحتاج إلى جهود ومواءمات وفيرة.
وكشف خطاب حمدوك للأمم المتحدة ازدواجية يعاني منها المجتمع الدولي، والذي تساوي غالبية دوله بين البرهان وحميدتي في التعامل مع الحرب الدائرة الآن، بينما منحت الأول الفرصة للإطلال عبر المنبر الأممي وتوزيع الاتهامات يمينا ويسارا.
معز حضرة: دعوة الأمم المتحدة يمكن التعامل معها كنوع من الخداع
ويعزز تحرك بعض القوى المدنية باتجاه أكبر منظمة دولية موقف حميدتي، لأن المحتوى الذي حوته مذكرة حمدوك يتوافق مع السياق العام لمعظم المنطلقات التي يعتمد عليها قائد الدعم السريع، وفي مقدمتها أهمية تنحّي الجيش عن السلطة وتسليمها لحكومة مدنية لم يتورع المجتمع الدولي عن المطالبة بها نظريا.
ونشر حمدوك المذكرة عبر صفحته على فيسبوك، معتبرا مشاركة البرهان “ترسل إشارات خطيرة ومشجعة على الانقلابات العسكرية التي راجت مؤخرا في أفريقيا”.
وقال حمدوك في مذكرته إن توجيه الدعوة لقائد الانقلاب في الخامس والعشرين من أكتوبر 2021، يتعارض مع رغبة السودانيين في الديمقراطية والسلام والعدالة، فالمشاركة تسهم في إطالة الحرب، وتتناقض مع مواقف المؤسسات الدولية والإقليمية الرافضة للانقلاب الذي قوّض الحكومة الانتقالية وأوقف عملية التحول الديمقراطي بالسودان.
ومن الموقعين على المذكرة، بجانب حمدوك، عضوا مجلس السيادة السابقان محمد الفكي سليمان ومحمد الحسن التعايشي، وأحد عشر وزيرا، ومستشارا في الحكومة.
وفسّر عضو مجلس السيادة السابق محمد الفكي سليمان أن المذكرة تقرأ في اتجاه تشجيع البرهان للمضي في طريق السلام، متوقعا أن ترد الأمم المتحدة عليها، لأن خطابه في الأمم المتحدة لم يكن بقدر تطلعات السودانيين الراغبين في الاستقرار.
وأوضح القيادي في تحالف الحرية والتغيير معز حضرة في تصريحات لـ”العرب” أن توجيه مذكرة لمنظمة الأمم المتحدة جاء عقب التأكد من تناقضاتها، إذ اعتبرت ما حدث في أكتوبر 2021 انقلابًا على السلطة المدنية، وبالتالي فدعوة البرهان للدورة الـ78 للجمعية العامة ليست له مبررات منطقية، بل يشكل تواطؤاً مكشوفًا لتعاملها بمعايير مختلفة.
ورفضت الأمم المتحدة استقبال قادة أو ممثلين عن كل من النيجر ومالي بسبب حدوث انقلاب فيهما على السلطة، بينما سمحت للبرهان وممثل عن بوركينا فاسو بحضور الدورة الأخيرة، وقد شهد بلداهما أيضا انقلابين عسكريين.
محمد حمدان دقلو: البرهان يشارك في مؤامرة نسجها فلول النظام السابق للاستيلاء على السلطة
وأشار معز حضرة إلى أن دعوة الأمم المتحدة غير موفقة ويمكن التعامل معها كنوع من الخداع، وأن الدعوة لم تكن لشخص بعينه لكن لدولة السودان، وكان من المقرر أن يُلقي الخطاب نائب رئيس مجلس السيادة الحالي مالك عقار، وفي اللحظات الأخيرة قرر البرهان أن يكون ممثلاً للبلاد.
ويحاول قائد الجيش تثبيت دوره في السلطة السودانية من خلال وجوده قسرا على رأس مجلس السيادة الذي انحلّ بعد الانقلاب والعصف بالوثيقة الدستورية، وقام بجولات خارجية لنيل دعم مادي ومعنوي يمكّنه من حسم الحرب لصالحه.
وحلّ قائد الجيش مجلسي السيادة والوزراء وجمّد بنودا في الوثيقة الدستورية الحاكمة للفترة الانتقالية واعتقل مؤقتا رئيس الوزراء وأعضاء بمجلس السيادة ووزراء في السلطة التنفيذية، ما أدى لقيام الاتحاد الأفريقي بتعليق عضوية السودان، وجمدت واشنطن والبنك الدولي مساعدات له، اشترط استئنافها تسليم السلطة للقوى المدنية.
وأدى انقلاب البرهان إلى حدوث انهيار دستوري في البلاد، ترتب عليه وجود حكومة أمر واقع، انهارت مع اندلاع الحرب في منتصف أبريل الماضي، والتي كانت نتيجة مباشرة للانقلاب على الحكومة المدنية.
وشدد معز حضرة في تصريحات لـ”العرب” على أن حمدوك يمثل الشرعية الثورية وجاء إلى منصبه كرئيس للوزراء بتوافق القوى الثورية التي أطاحت بنظام الرئيس السابق عمر البشير، والثورة هي من اختارته كرئيس وزراء شرعي للبلاد قبل أن يتم الانقلاب عليه.
وألمح قريبون من البرهان إلى إمكانية تشكيل حكومة تسيير أعمال تتخذ من بورتسودان مقرا لها بعد خروجه من الخرطوم، وهو ما رد عليه حميدتي بالتلويح بتشكيل حكومة موازية في العاصمة وأدى لكبح قائد الجيش للإقدام على تلك الخطوة.