رؤى متجددة // أبشر رفاي : على خلفية إنعقاد الدورة ٧٨ للأمم المتحدة إستراحة حول دولة المقر ( 2 )
وجدت إستراحة الأمس التي تناولنا من خلالها جملة من المناسبات وفوائد السفر والمواقف الطريفة التي صاحبت أول زيارة لنا للولايات المتحدة الأمريكية في العام ٢٠٠٩ وجدت كمية من التعليقات الطريفة من قبل السادة القراء الكرام بالداخل والخارج والتي من أطرفها برأينا القارئ الذي علق بالقول ( يا رفاي باقي ليك الأمريكان ديل فهموا رأي مثلك الشعبي ( إم ضنبا مقطوع ربها بحاحي ليها ) .
توقفنا في أستراحة الأمس حول رحيق الأزمنة والأمكنة بالولايات المتحدة الأمريكية التي حملت الرقم ( ١ ) توقفنا عند نقطة الشبه مع أوباما وبصورة أدق مع والده حسين أوباما الأمريكي من أصل كيني سوداني بالأصح حسب رأي عمنا من جبال النوبة المقيم بأمريكا لمدة تجاوزت نصف القرن .
في مطار جون كندي الدولي الذي وصلناه في تمام الساعة الخامسة مساء رحلة متواصلة من تركيا إستانبول أخذنا تاكسي إلى منهاتن قلب نيويورك في الطريق ( دردشنا) مع سائق التاكسي الذي أخبرنا بأنه من أمريكا الجنوبية بالرغم من أننا كنا نعتقد من ملامحه العامة بأنه من أفريقيا سألناه هل حصل زرت أفريقيا قال لا ولا أوروبا حتى ، قلنا له ما السبب رد ضاحكا بأنه بخاف من السفر على الطائرات ومن لحظتها تيقنت بأن عمك قد أتى من المكسيك كداري ، مالوا ومال ركوب الطيارات ( مثله الأعلى في ذلك ( باب الريح سدو وإستريح ) .
في صباح اليوم التالي ذهبنا إلى مقر الأمم المتحدة مقر الأمين العام والجمعية العامة ومجلس الأمن الدولي بغرض التسجيل والحصول على بطاقات المشاركة ، بعد التسجيل وحمل البطاقة وثائق جدول الأعمال حاولت المرور على ثلاث محطات سريعة قائمة شرف الأمناء العامين المتعاقبين الذين من ابرزهم في تاريخ المنظمة النمساوي كورت فولتهايم ، ثم مكتبة الأمم المتحدة أثناء التجوال لا حظت كمية من جماجم البشر موضوعة في شكل معرض عند المدخل وهي كما إتضح لنا بأنها خاصة بجماجم الإبادة الجماعية التي إرتكتب بالشقيقة دولة رواندا إبان الحرب الأهلية الطاحنة في منتصف التسعينيات بين التوتسي والهوتو ، ولحسن الصدف إثناء تواجدي بالمعرض البشري الحزين فإذا بي أقابل الرئيس الرواندي بول كيقامي وجها لوجه وهو الرئيس الذي حزم وحسم بحكمة بالغة موضوع الصراع الدموي لصالح الشعب الرواندي ودولة رواندا من خلال سياسات وخطط وبرامج مخاطبة الحقيقة والمصالحة رواندا التي يشار إليها اليوم بالبنان في مجالات السلام الإجتماعي والسياسي والنهضة والتنمية المستدامة .
وفي عصر اليوم التالي قمنا بزيارة للبعثة السودانية الدائمة بنيويورك هناك وجدنا أجمل حفاوة وحسن إستقبال من المندوب الدائم وقتها دكتور عبد المحمود عبد الحليم وطاقمه وهو المندوب الذي عرف بصولاته وجولاته ومساجلاته التاريخية مع مدعي محكمة الجنايات الدولية لويس أوكامبو التي بلغت النعوت المتبادلة بينهما أمش يا بتاع (جمهورية الموز ) السفير عبد المحمود عبد الحليم مندوب السودان الدائم في تلك الفترة مر بظروف ومجابدات دولية تشبه لحد كبير الظروف التي يمر بها اليوم المندوب الدائم الحالي السفير الحارث إدريس ونائبه معاوية التوم وأعضاء البعثة ، فبمثلما وقف السفير عبد الحليم عبد المحمود لأوكامبو في ( مرحال العيش كما يقولون ) وقف اليوم أيضا السفير الحارث إدريس للسيد لفولكر بيرتس في مرحال العيش لم يرتاح من خنقته إلا ( بأم دلدوم المانعة التي سددتها على ظهره الخارجية السودانية بتصنيفه شخصية غير موثوق ومرغوب بها وكذلك ( قرطعته زلال إستقالته ، الطريف في الأمر أذكر حينما وصلنا مقر بعثتنا الدائمة وكان ذلك في تمام الساعة الثالثة بعد الظهر بتوقيت أمريكا وجدنا أعضاء البعثة متحلقين حول الفضائية السودانية وعلى ما أذكر كان من ضمن البرامج مناسبة إفتتاح كبري البشير الرابط بين شندي والمتمة ، سألتهم الحاصل الشنو فتيقنوا بأنني ما جايب خبر لموضوع فروق الوقت فالساعة ثلاثة في أمريكا تقابل عندنا في السودان الساعة العاشرة مساء مواعيد النشرة الرئيسية زمان .
في اليوم الثالث ذهبنا في أماسي نيويورك الجميلة إلى ساحة التايمز كوير وهي متنزه رهيب بحجم محلية كاملة حيث كنا ننافس بعضنا البعض في الأناقة ، فجأة وقفت أمامي مجموعة من الشباب الأمريكي من الجنسين وهم في حالة درامية جميلة تحاكي دراميات على مهدي وعمسيب وموسي الأمير وسمية عبد اللطيف والطيب شعراوي والفادني ونادية بابكر وجمال محمد سعيد وهند وإخلاص نورالدين ومحمد عبد الله ومحمد موسى وغيرهم من قناديل إضاءة القلوب فقام أحدهم بطريقة دراماتيكية بتقليب ربطة عنقي فلم يصدر مني أي رد فعل سالب نحوه عكس كما كان يتوقعه على مايبدو ، فأعتذر لي على تصرفه قلت له هذا شئ طبيعي جدا ، نحن هنا نعد أنفسنا جزء لا يتجزأ من المكون السياحي لمنتزه التايمز كوير فمن حقك أن تبدي إعجابك بمايعجب فضحوا جميعا ، وهنا سألني أحدهم على طول من أين أنت قلت له من أفريقيا وفي أفريقيا من السودان فطلبوا أخذ صورة تذكارية قلنا لهم لا مانع .
في واشنطون دي سي أخذنا جولة سياحية واسعة حول الكونغرس ومجلس الشيوخ والمحكمة العليا وحول مقار الوزارات السيادية ومعرض ناسا ومعاينة صخور القمر ورحلة أبولو ١٩٦٩ ثم مرورا من على البعد بالنتاجون في طريقنا إلى ولاية فرجينيا حيث إقامة لنا السفارة السودانية دعوة غداء بالمطعم الصيني ، وهنا تحضرني طرفة قلت لأعضاء السفارة التي كانت تضم طاقم مميز من العيار الثقيل السفراء منهم معاوية عثمان وخالد موسى وغيرهم قلتهم لهم تحروا معنا حكاية الحلال ( والكدروك ) وإلا سنكتفي بالخضار والحلويات فقط فطلب مني السفير خالد موسى بأن اذهب بمفردي للبوفيه المفتوح ومن ثم يقوم هو بفحصه مشكلتنا في ثقافتنا السودانية لا نكترث لقراءة الإعلانات واللوحات ودباجات الأصناف ، اخذت بمايكفني من البوفيه المفتوح فإذا بالمفاجأة بأن قال لى السفير خالد موسى كل الأصناف دي ( عمك ) داخل فيها فعندها إكتفيت بالدجاج والخضار ، وإن شاء الله في كل بلد تلقى ليك بنت وولد .
في صبيحة اليوم التالي لتواجدنا بالعاصمة واشنطون ذهبنا لتناول وجبة الأفطار في أحد بوفيه فنادقها الرائعة وهناك لاحظنا أكثر من ملاحظة اهمها بأن الأمريكان من أصول أفريقية بعضهم يتضايق من الأفارقة القادمين من قبل ولتوهم من أفريقيا خاصة الشرائح الإجتماعية العاملة في الوظائف العمالية البسيطة المتواضعة وسط المجتمع الأمريكي وعلى مايبدو من ناحية إجتماعية ونفسية المسألة لها صلة بالصراعات الإجتماعية المحلية القديمة التي تجاوزها الأمريكان من أصول أفريقيا فصارت الكتوف متلاحقة بل تفاوتت مع الأمريكان البيض والملونيبن فلا يعقل برأيهم المبطن بأن يأتي أبناء وبنات جلدتهم من أفريقيا للتو لإرجاع الأمور للخلف ، ولقد شكت لنا أحد العاملات بالبوفيه وهي من دولة غانا من تلك النظرات والمعاملات الأستفزازية الصادرة من بني وبنات جلدتهم الأمريكان من أصول أفريقيا ( نعم فلا غرابة وقرابة في ذلك إنه الإنسان وتنوع المزاج البشري ) قبل مغادرة البوفيه حاولنا تقديم ( بكشيش) لتلك العاملة ولكننا كنا في حالة حرج كيف يقدم البقشيش في مجتمع العم سام فإذا بالمفاجاة قد لا حظنا دباجة لا تقل فخامة عن اللوحة التي يكتب عليها اسم السيد المدير ، كتب عليها بلغة إنجليزية رصينة (البقشيش مرحبا به ) فعلق أحد الزملاء ( أها دي الدبلوماسية الشعبية الجد التي سمعتم بها ) .
خاتمة القراءة ذهبنا إلى مول ضخم شمال واشنطون دي سي وبالتزامن مع دخولنا أخبرنا أحد المرافقين بأن ناس F .B .I دخلوا برفقتنا كمتسوقين فقلنا لبعضنا فعلا ( المابعرفك مابعزك ) فقترحت للزملاء بأن نرد لهؤلاء بأدوات القوة الدبلوماسية الشعبية الناعمة حتى يفهم من نحن ومن أين أتينا وماهو موروثنا الأصيل وليس الدخيل و ذلك الذي شوهته حثالتنا وآخرين من دونهم ، إقترحنا كل واحد منا يشتري هدية رمزية فقط ثم نطلب عند الكاشير طلب خارج توقعات زهنيته المبرمجة ببيئة البيع والشراء والرقابة والتأمين ، نطلب منه محضر تدوين الإنطباعات حتي نكون جزء من عمليات الترقية والتطوير المستمر لمستقبل هذا المول وهذا يعرف في الفكر الإجتماعي المتقدم العلاج بالصدمة الحضارية ضد جنون وجنوح الحضارات ، في خاتمة طرائف التجوال داخل ذلك المول ونحن نتخير في قسم الجاكتات وسط كمية من الباعة فإذا بفتاة سمراء أبونوسية اللون كانت تقف خلفي مباشرة قامت بأختيار جاكت جميل لتقول لي هذا يناسبك قلت لها كيف عرفتك ذلك قالت لي أنا جارتك فكيف لا أعرف مزاجك ومقاسك ، قلت لها جارتي كيف ونحن ضيوف في أمريكا ، قالت جارتك من أثيوبيا قلت لها فعلا جارة بالحق والحقيقة ونعم الجار والجارة في الزمن الوفي ، فكان نظمي من حليب كلماتي .
سمرة ملكة زمانا زمنا زمانا ، أكتب ليها بالأثيوبي كده كده بإسلوبي ، اكتب ليها بالتقري رسالتي تصل بدري ، اكتب ليها بالأرومو عزيز الناس في قومو ، أكتب ليها بالأمهرة عشان الرسالة تصلا ، أكتب ليها بالعربي رسالة رصينة خالص من شعر المتنبي ، سمرة قامت بكانا طريقها فرشتو واسع من مروج البطانة ، سمرة فوق الطيارة طاقمها أثيوبي أصلي عالي عالي المهارة ، سمرة بحيرة تانا عيون النيل ساقيانا ، أثيوبيا دولة جذابة صداقة عريقة خالص من زمن الصحابة .
وكل