تقارير

من الذي يدير حرب حميدتي و البرهان علي السودانيين و السودان د. عبدالعزيز هاشم داؤود

طرح الأستاذ فتحي الضو في مقدمة كتابه “الطاعون: إختراق دولة جهاز الأمن و الخابرات في السودان” تساؤلاً حول من يحكم السودان! و ألحقه بشقٍ آخر من السؤال، و هو كيف يحكم السودان! كما أبان الكاتب أهمية هذا التساؤل و أنه بات الأكثر حضوراً علي مدي أكثر من ست عقود زمنية. و لكن الكاتب لم يقدم ردوداً مقنعة علي مثل هذه الأسئلة الجوهرية، و إنما اختزل الإجابة في ستة أشخاص إفترض أنهم يحكمون السودان (علي الأقل في زمن صدور الكتاب 2018 ) و أسماهم بالمنظومة السداسية وهم: عمر البشير، طه الحسين، عبد الغفار الشريف، محمد عطا، محمد حمدان دقلو”حميدتي”، و بكري حسن صالح .
بالمقابل، فإن الدكتور حيدر إبراهيم علي و في كتابه “الأمنوقراطية و تجدد الإستبداد في السودان” قد قدَّم بجلاء و وضوح الإجابة الشافية علي السؤال، و هو أن الحاكم الفعلي للسودان، و منذ ما قبل مفاصلة الإسلاميين، هو جهاز الأمن، و ذلك في إطار ما أسماه هو “بالأمنوقراطية”. و يُفسِّر الدكتور حيدر مفهوم الأمنوقراطية بأنه الوضع الذي يصبح فيه جهاز الأمن هو عملياً التنظيم الحاكم في الدولة بديلاً عن التنظيم السياسي. “ففي الحالات التي يصل فيها جهاز الأمن هذه الدرجة، يمكن أن يطلق عليه هذا المصطلح؛ فهو ليس مجرد جزء من البناء، بل هو البناء نفسه ثم يقوم بوظائف داخله .
و استدل الدكتور حيدر في كتابه بحادثة اعتقال كارلوس عام 1994، و بكتابات الإسلاميين أمثال التيجاني عبدالقادر، عبدالوهاب الأفندي، و المحبوب عبدالسلام، و الذين أكدوا أنه و منذ ذلك الوقت فقد سادت الأمنوقراطية، بدليل أن المجموعة القيادية التي أوردها رئيس الجهاز، باعتبار أنها تداولت ملف كارلوس، لم تكن تتضمن الأمين العام و لا الأمناء الذين أجازهم مجلس شوري الحركة الإسلامية. و حتي أن الترابي كان قد أكَّد عدم علمه بوجود كارلوس في السودان، رغم ادعائه بالإمساك بكل خيوط النظام في تلك الفترة . و تابع الدكتور حيدر كتابات هؤلاء الإسلاميين الذين وضحوا بالتفصيل كيف استطاع الإخوان المسلمون بناء تشكيلات و تنظيمات أمنية متداخلة و متشابكة كانت هي النواة الأولي و الأساسية لجهاز الأمن المعروف الآن. و يري الأفندي أنه بمبرر السرية لتأمين السلطة الإسلامية الناشئة توجَّب عدم كشف تفاصيل البرنامج و العمل الذي يدور للكثير من الأعضاء. و أضاف أن هذا يعني أيضاَ ضرورة وجود تنظيم داخل التنظيم يكون هو المطَّلع علي الأجندة الأمنية في السياسة و تنفيذها.
و قد صار هذا السوبر-تنظيم يتمتع بنفوذ واسع داخل الحركة الإسلامية و يتخذ بنية فوقية يصعب علي عامة الأعضاء مراقبة تصرفاتها، ناهيك عن إزاحتها عن موقعها القيادي . و قد مثَّلت مفاصلة الإسلاميين، و إقصاء الترابي و مجموعته عام 1999 نقلة نوعية في تسيُّد ظاهرة الأمنوقراطية في السودان، إذ انفرد السوبر-تنظيم بمقاليد الأمور و خاصة بسبب انقسام و بالتالي غياب تنظيم الحركة الإسلامية في تلك الظروف الإستثنائية التي لم تحتمل التأخُّر في اتخاذ و تنفيذ القرارات. و أشار الأفندي في هذا الصدد إلي أن الحركة كلها كانت قد باركت هذا الإنفراد بالنفوذ؛ إذ اجتمع مجلس الشوري و فوَّض القيادة الأمنية العليا بالتصرُّف بما تراه مناسباً في تلك الظروف .
و بالطبع فإن ظاهرة الأمنوقراطية قد تمددت و استحكمت في السودان مع مرور السنوات و العقود الثلاث الأخيرة، التي تمكَّن فيها جهاز الأمن من اختراق الأحزاب السياسية و الأجسام المطلبية الأخري و تقويضها و تحويل جزء كبير من كوادرها لعملاء و غوَّاصات لجهاز الأمن؛ أي أنه استطاع تخريب التكوينات و البنيات السياسية ليملأ هو الفراغ، و يتسيَّد المشهد، و لتخلو له حرية الحركة و اتخاذ القرارات في كافة مجالات الحكم في السودان.
تمكَّن جهاز الأمن أيضاً من بناء صرح أمني متكامل من الأجهزة و هيئات العمليات؛ و استطاع كذلك إنشاء إمبراطورية مالية ضخمة من شركات و مؤسسات استثمارية و تغلغل في مفاصل الجيش و الإستخبارات العسكرية، وكذلك في مفاصل الدعم السريع. كما استطاع تكوين كادر مؤهل تأهيلاً كبيراً و علي أعلي المستويات العالمية في جمع و تحليل المعلومات، الأمن السيبراني، علم النفس الجماهيري، تكنولوجيا المعلومات، الوسائط الإجتماعية و كوادر الجهاد الإكتروني و تصميم ونشر الشائعات و الفبركات و التضليل، و في كل العلوم الأمنية الحديثة.
و يحتفظ الجهاز و قيادته بعلاقة عضوية مع الأكاديمية العليا للدراسات الاستراتيجية والأمنية. و قد قام الجهاز أيضاً بتجنيد جيوش من المخبرين تمكَّنه من جمع المعلومات الأمنية و الإجتماعية و الإقتصادية و كل أنواع المعلومات الأخري في العاصمة و ولايات و مدن السودان المختلفة و القري و الفرقان، إلي أقصي منطقة في السودان و تجميع المعلومات عن و تحديد بؤر النزاعات، و كيف يمكنه أن يُشعل فتائل النزاعات و الحروب بين مختلف المجموعات السكانية و الإثنية، أو استغلال و حشد هذه المجموعات لأغراضه، حين يتم الإحتياج لذلك. و تجسيداً للأمنوقراطية في أسمي تجلياتها تمدد جهاز الأمن في كافة مناحي الحياة في السودان: في مجال الرياضة و قيادات الأندية الرياضية، و مجالس إداراتها (خد عندك الكاردينال و أب جيبين، كمثال و ليس حصراً)، مجال الفنون و الغناء، إذ تم تجنيد الفنانين (خد عندك علي مهدي، فرفور، ندي القلعة، و راشد دياب كمثال و ليس حصراً)، و حاصر أو دمّر كل من له شعبية بينهم مثل الحوت محمود عبد العزيز و أبوعركي البخيت، في الإعلام و الراديو و التلفزيون و الصحف (خد عندك ضياء الدين بلال، الطاهر ساتي، عمار شيلا، رشان أوشي، عائشة الماجدي، مامون عثمان، عبدالباقي الظافر، و كل الخبراء الإصطراجيين، كمثال و ليس حصراً)، مصمماً و منقحاً لكل المحتويات الإعلامية، و فارضاً الرقابة القبلية علي الصحف. كذلك اخترق جهاز الأمن الإدارات الأهلية و أخضعها لسلطته (خد عندك مبادرة الطيب الجد و كل من اصطف خلفها). حرفياً لقد تغلغل هذا الجهاز في كل مناحي الحياة في السودان.
و لا يخفي علي أحد تصدِّي جهاز الأمن للمظاهرات و الإضرابات و كافة أشكال الإحتجاجات ضد نظام الإنقاذ بعنفٍ غير مسبوق، و إشرافه علي بيوت الأشباح و تعذيب المعتقلين فيها. ما يثير الإهتمام في هذا الصدد، و ما يثير حفيظتنا كذلك أنه و بعد بث عشرات الحلقات من برنامج “بيوت الأشباح” في التلفزيون القومي و الذي تم فيه سرد قصص و ذكريات التعذيب الوحشي و ارتكابه لفظائع يشيب لها الولدان في هذه البيوت سيئة السمعة مِن قِبَل الأشخاص الذين تم تعذيبهم بشكل مباشر، لم يكلِّف جهاز الأمن نفسه بالإعتذار عمّا صدر من منسوبيه و ما ألحقه من أضرار بهؤلاء الضحايا و أُسرهم. و هذه المسألة ذات دلالة كبيرة و قوية علي أن هذا الجهاز ما يزال سادراً في غيه و أنه ما يزال يضمر الحقد علي الوطن و شعبه.
وقد تم سرد ما سبق أعلاه لتبيان هيمنة هذا الجهاز و منظوماته الأمنية علي كل مفاصل الحكم في السودان. و لتأكيد إستقلالية الجهاز عن حزب المؤتمر الوطني الحاكم، و مثلما استوجبه مفهوم الأمنوقراطية، فتكفي فقط مطالعة حديث صلاح قوش و هو يهاجم الحزب الحاكم و يقول أن الهجمة علي الجهاز )في ذلك الوقت، أبريل 2018(، تأتي من المؤتمر الوطني و نعته بالفساد و التكتلات و أن الحزب الحاكم بدل أن يواجه أزمته، أصبح يهاجم الجهاز، واضعاً الجهاز في مقدمة الفاعلين السياسيين، و واصفاً المؤتمر الوطني بأنه قد تلاشي (الرابط:https://www.youtube.com/watch?v=BW1q_F5eQcY ).
من المهم هنا الإشارة إلي أن المحللين السياسيين، و المشتغلين بالسياسة، و حتي المواطن العادي إنما يلقون اللوم إما علي الجيش (القوات المسلحة) أو الجنجويد (الدعم السريع)، دون أن يتذكر أو ينتبه أحد لأن المؤسسة و التنظيم و العقل المفكِّر و المُخطِط لتصفية ثورة ديسمبر العظيمة، إنما هو جهاز الأمن هذا، و الذي يختبئ خلف الجيش و الدعم السريع و يستخدمهما في خططه الشريرة حمايةً لهذه المنظومة الشيطانية اللعينة و بقايا الفئة الإنقاذية.
و منذ سقوط البشير في 11/أبريل/2019 كان جهاز الأمن يُمثِّل رأس الحربة في وضع الخُطط و تنفيذ العمليات التي تهدف لإفشال الثورة و تصفيتها. تولي جهاز الأمن التدقيق في عملية الإختيار لكل المناصب المهمة، سواء عضوية مجلس السيادة أو مجلس الوزراء أو وكلاء الوزارات. لقد كان الإختيار مُهَندَساً (engineered) بشكل دقيق. فإن كنا لا نعلم من الذي أتي بالتعايشي، الطريفي، صديق تاور، و رجاء نيكولا ليصبحوا أعضاء في مجلس السيادة، و أيضاً الكثير من الأسماء التي اعتلت المناصب كوزراء، و وكلاء وزارات، إضافةً لمعظم المناصب العليا في الدولة و القضاء، إلخ، بعد ثورة ديسمبر، فاسألوا جهاز الأمن؛ و علينا أن نعلم أنه إن لم تتم الموافقة علي الأسماء و إجازتها من قِبَل جهاز الأمن، فلن تنال تلك المناصب، إلَّا ما ندر؛ و هؤلاء قد تمَّت إقالتهم بعد الغضب الكيزاني عليهم، أمثال د. أكرم علي التوم، د. عمر القرَّاي، د. محمد الأمين التوم، حامد سليمان حامد، إلخ. تولي الجهاز كذلك مسألة التنسيق بين الأجهزة الأمنية كالشرطة، الدعم السريع الإحتياطي المركزي، الأمن الشعبي، و كتائب الظل في عملية فض الإعتصام في 3/يونيو/2019 وكذلك في التصدِّي للإحتجاجات و إفشال المواكب و قتل المتظاهرين. كذلك أشعل جهاز الأمن الفِتَن بين المجموعات السكانية المختلفة في جنوب النيل الأزرق، دارفور، كردفان، و مناطق أخري كثيرة، و أوعز للناظر تِرٍك بإغلاق الميناء من أجل خلق الأزمات لتعطيل قطار الثورة؛
بدليل أنه قد تمَّ إنهاء الإقفال في نفس يوم إنقلاب البرهان علي الحكومة المدنية في 25/أكتوبر/2021. كذلك سياسياً كان الجهاز يقود محاولات خلق حاضنة سياسية للإنقلاب بتجميع الحركات المسلحة، الإدارات الأهلية، و بواقي الفلول؛ و لكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل و العقم، و لم تستطع خلق قوي قادرة علي دعم الإنقلاب، بينما استمرَّت جذوة الثورة في الشارع متقدة، بكل أشكالها من مواكب، وقفات احتجاجية، إضرابات، إعتصامات، إلخ. و لمّا تأكَّد فشل الإنقلاب و عجزه الكامل، حتي عن تكوين حكومة بعد أكثر من عام، إزدادت الضغوط الدولية لخلق عملية سياسية و للخروج بالبلاد من حالة الجمود و من أجل فتح كوة في الطريق المسدود. و بتزايد الضغوط الداخلية و الخارجية، برز موضوع الحرب كخيار لقطع الطريق علي أي عملية يمكن أن تضع السودان في مسارٍ صحيح.

و يجب كذلك التأكيد هنا علي أن هذه الحرب العبثية اللعينة الواقعة الآن ما هي إلا محاولة من محاولات جهاز الأمن لوأد هذه الثورة العظيمة. و هي بالتأكيد لم تحصل بشكل مفاجئ، و إنما هي خطة كاملة تم وضعها بالتفصيل و التخطيط لها وتحديدها كأحد الخيارات التي تلجأ لها الثورة المضادة بقيادة جهاز الأمن حينما يستعصي عليهم الأمر، و منها الإجهاز علي الثورة بضربة لازب و محاولة إنهاء المواكب للأبد، و تأديب السودانيين ليرعووا و ليتمنوا مرة أخري عودة نظام البشير، و كآنه عهد الأمن و الأمان. إنه الجهاز المتآمر و الذي يضع الخيارات و القرارات أمام القيادات العسكرية لتنفيذها. و حين ندلف إلي الداخل لنري مَنْ يستوطن عُش الدبابير هذا، نجد أنه يأوي غُلاة الكيزان في أعلي إداراته. و بالطبع يعرف الكثير من الناس نافع علي نافع، صلاح قوش، قطبي المهدي، و محمّد عطا. و لكن القليلين فقط يعرفون أحمد مُفضَّل مدير الجهاز الحالي و الذي تم تكليفه برئاسة الجهاز في نوفمبر 2021، أي بعد انقلاب البرهان مباشرةً،خلفاً لجمال عبد المجيد. و حسب موقع Sudanakhbar.com فإن مفضَّل قد كان منضوياً لتنظيم الأخوان المسلمين، و منذ صغره. و كان قد درس التجارة بجامعة الزقازيق بمصر و تخرّج فيها عام 1985. إلتحف مفضّل بعدها لفترة قصيرة بالوكالة الإسلامية، ثم منطمة الدعوة الإسلامية بمدينة نيالا مسقط رأسه. كما عمل مبعوثاَ لدي منطمة الدعوة الإسلامية في يوغندا و تنزانيا. بعدها التحق مفضّل بجهاز الأمن و المخابرات في منتصف التسعينات، حيث تقلّد فيه مسؤلية عدد من الإدارات، منها المخابرات الخارجية، و الأمن الإقتصادي. و قبل سقوط البشير بقليل، و في مارس 2018، تم تعيينه والياً لولاية جنوب كردفان. و في نوفمبر 2019 كان البرهان قد عينه نائباً لمدير جهاز الأمن خلفاً لعوض الكريم القرشي. و ينوب عن مفضل اللواء الركن هشام حسين إبراهيم، كنائب لمدير جهاز المخابرات العامة .و كل هذا الأسماء التي تسنّمت مواقع قيادية في الجهاز لهم من غلاة الإسلاميين. و هناك الكثيرين من القيادات الغير معروفة من عتاة الإسلاميين في جهاز الأمن نورد منها بعض الأسماء: الفريق د. عبدالرحمن كفيل، فريق د. إبراهيم سوركتي، اللواء الركن محمد المرتضي، اللواء د. عصام مرزوق، اللواء (م) ياسر الطيب، اللواء د. عادل حسن، العميد د. يس عثمان أحمد، العميد معتز الطيب، العميد د. محمد الماحي، العقيد عمر عصام، العقيد نهى فاروق. و مثل هؤلاء الإسلاميون الأمنيون، و الذين يديرون دفة الأمور في هذا البلد المأزوم، كُثُر في جُحْر الأفاعي هذا. و يظل جهاز الأمن قلعة الإسلاميين الحصينة، التي لم يمسسها ضر، و منذ قيام ثورة ديسمبر العظيمة و حتي الأن. ظلّت قلعة جهاز الأمن سليمة(intact) ، كاملة الدسم، تواصل تآمرها و مخططاتها الجهنمية ضد الشعب و ثورته دون أن يطالها أي تغيير، اللهم إلا في إسم الجهاز و تغييرات في قيادته العليا و بهدف ضمان إستمراريته و المحافظة علي أن يكون فاعلاً و محققاً لأهدافه الشيطانية. و حتي في ورشة الإصلاحات الأمنية التي نظمتها قوي الحرية و التغيير – المجلس المركزي و التي كثر اللغط فيها حول دمج الدعم السريع في الجيش، لم يتم التطرُّق لجهاز الأمن إلا في عموميات خجولة، تؤكد في أحسن الأحوال عدم جُرأة، إن لم يكن تواطُأً، من قوي الحرية و التغيير، لوضع بنود محددة لفتح صندوق الباندورا هذا و استعداله في عملية إصلاح حقيقية يتحول العمل الأمني فيها إلي خدمة الدولة و المجتمع و الفرد في السودان.
و يبدو أن هذا الجهاز الجهنمي حينما استشعر قرب انهيار الجيش في هذه الحرب اللعينة أراد أن يقلب الطاولة علي الجميع. و إشارةً لما تم ذكره سلفاً، بأن هذه الحرب إنما هي نتاج لتخطيط دقيق كأحد الخيارات التي يجب الذهاب إليها في طريق القضاء علي ثورة ديسمبر الماجدة، فإنه من الواضح أن الإسلاميين لم يأتونا بآخرهم بعد. فبعد دعوتهم لمعاشيي القوات المسلحة و كل القادرين علي حمل السلاح بالإنضمام للجيش في معركته العبثية، و بمبررات حماية الأملاك و الأعراض، إنهم إنما يسعون لأن تتسع دائرة الحرب لتصير حرباً أهلية شاملة، لا تبقي و لا تذر، و في إتجاه تقطيع أوصال السودان و تفتيته. و لذلك يجب ألّا ينجر المعاشيون و غيرهم لتلك الدعوات. الأخطر من ذلك هو إعلان بعض القبائل دعمها لطرف ضد آخر.
و هذا المدخل القَبلي هو الأسهل و الذي يبحث عنه جهاز الأمن لتوسيع دائرة الحرب لتصير حرباً أهلية؛ لذلك يتوجب علي شباب و مستنيري القبائل أن يلجموا قادتهم عن المضي في هذه الوجهة. و تحديدا شباب قبيلتي التُرجُم و الهَمَج الذين أعلن أعيانهما وقوفهم مع قوات الدعم السريع، عليهم نصح قادة قبيلتيهم بسحب هذا التأييد و التمسُّك “بلا للحرب” بكل حيادية. علي السودانيين في هذا الظرف الإستثنائي مواصلة تآزرهم و تعاونهم لإسناد بعضهم البعض سواءً في العاصمة أو في الأقاليم، ليعاضدوا بعضهم و ليدرأوا عنهم ظواهر الحروب السالبة. أيضاً سيكون هناك دوراً مهماً جداً للسودانيين بالخارج في تنظيم المواكب بشمال أمريكا، أوربا، و أستراليا لجعل قضية الحرب في السودان حاضرة عند الرأي العام في تلك البلدان، إضافةً للضغط عن طريق ما يكونوه من لوبيات من أجل وقف الحرب.
كذلك يمكنهم إنشاء صناديق مالية لدعم العالقين و المحتاجين داخل السودان أو في الدول المجاورة التي لجأ لها السودانيون. و لكن يبقي الدور الأساسي علي عاتق الشباب و لجان المقاومة داخل السودان و برغم إنهاك الحرب لهم و تشتتهم بسببها. فقط عليهم أن يستدعوا مسألةً واحدة، و هي أن هذه الحرب قد تم تصميمها و إشعالها من أجل الإجهاز علي مواكبهم و علي هذه الثورة المجيدة؛ و لذا عليهم، في مهمة ستكون خارقة للعادة، إستجماع قواهم و إعادة تنظيم أنفسهم، بالتركيز علي أماكن تواجدهم في الغالب الأعم في الأقاليم، و الإستعداد لحشد مواكبهم المهيبة في الأقاليم، و ربما أيضاً في العاصمة، بمجرد توقف الحرب. عليهم رفع شعارات محاسبة كل المتورطين في إشعال هذه الحرب، إستبعاد الجيش و أية قوي عسكرية أخري – دعم سريع أو غيره – من ممارسة العمل السياسي في السودان. فإن نجحوا في إنجاز ذلك فليعلموا أن المارد قد خرج من القمقم، و أن طائر الفينيق قد نهض وحلّق عالياً تاركاَ رماده خلفه.
و تلخيصاً لما تريد هذه المقالة أن تُدلي به هو أن جهاز الأمن هذا لهو حالياً آفة السودان؛ و أنه إن تمت تسويات من قِبل المجتمع الدولي، و بغض النظر عمَّا تكون عليه العملية السياسية: إتفاق إطاري أو غيره، فإن أبقت التسوية علي جهاز الأمن دون تصفيته و دون نكش ما بداخله لنعرف من هو مع الثورة و من هو الذي يعمل مع جهاز الأمن ضدها، فأعلموا أنه علي السودان الذي نعرفه السلام!
المراجع
فتحي الضو: الطاعون: إختراق دولة جهاز الأمن و الخابرات في السودان؛ القاهرة؛ مكتبة جزيرة الورد؛ الطبعة الأولي؛ 2018.
حيدر إبراهيم علي: الأمنوقراطية و تجدد الإستبداد في السودان؛ مركز الدراسات السودانية؛ القاهرة؛ الحضارة للنشر؛ الطبعة الثالثة 2012.
عبدالوهاب الأفندي: الثورة و الإصلاح السياسي في السودان؛ لندن؛ منتدي ابن رشد؛ 1995.
المحبوب عبدالسلام: الحركة الإسلامية السودانية. دائرة الضوء – خيوط الظلام؛ القاهرة؛ دار مدارك؛ 2010.
التيجاني عبدالقادر: نزاع الإسلاميين في السودان؛ مقالات في النقد و الإصلاح ؛ بدون ناشر؛ بدون تاريخ.
عادل الباز: أيّام كارلوس في الخرطوم؛ حكاية لم تروَ؛ الإسكندرية؛ دار العين للنشر؛ الطبعة الثانية؛ 2015.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى