تقارير

لماذا فشل الجيش في حسم المعركه مع قوات الدعم السريع حتي الان د. احمد عثمان عمر

سؤال مؤرق ، ناتج عن وضع محزن قائم على عجز الجيش والقوات النظامية التي تستأثر بأكثر من ثلاثة أرباع ميزانية الدولة ، عن القيام بواجباتها في حسم تفلّت مليشيا الجنجويد وبسط الأمن. فالقاعدة العامة لأي تنظير عسكري يعلمه القارئ المدني العادي، يقول بتفوق الجيش على المليشيا. فهو يملك سلاح طيران و مدرعات ومدفعية وإجمالاً قوة نيران أكبر من المليشيا ، ومن المفروض أن جنوده افضل تدريباً وتسليحاً من المليشيا بإعتبار أن لديه صناعات عسكرية قيل لشعبنا أنّها الأفضل أفريقياً ، وأن لديه ضباط تم تأهيلهم تأهيلاً عسكرياً عالياً في أرقى الكليّات العسكرية. وبالرغم من كل ذلك مازالت المليشيا مسيطرة على الارض في عاصمة البلاد، وترتكب في المجازر وتقوم بتطهير عرقي في دارفور ، وتقتحم المدن دون رادع. ولا يمكن بالطبع تفسير ذلك بصعوبة حرب المدن، لأن مثل هذه الحرب تستدعي سيطرة متبادلة على المناطق، وكر وفر وتبادل للمواقع ، لا سيطرة مطلقة للمليشيا على المدينة وعلى بعض معسكرات الجيش نفسه. وهذا يحتم البحث عن الأسباب الحقيقية لهذا الفشل ، والتي نرى أنها تتلخص فيما يلي:
١- انتقال قيادة الجيش وجنرالاته من وضعهم كعسكريين محترفين من أبناء الطبقة الوسطى ، إلى أعضاء كاملي العضوية في نادي الرأسمالية الطفيلية ، وإندماجهم مع فئاتها المختلفة، منذ أن إقتحم الجيش مجال النشاط الاقتصادي، واصبح لاعباً رئيسياً في إعادة توزيع الإنتاج وتجارة الصادر والوارد و القطاع الخدمي ، وتوسع في نشاطه الإقتصادي حتى ابتلع مع الاجهزة الامنية ٨٢٪ من إقتصاد البلاد. فالجنرالات المستوعبين في إدارة هذا الإقتصاد الواسع ، ليس لديهم الوقت في التفرغ لواجبهم الرئيسي المتمثل في العمل العسكري اللازم للقيام بواجباتهم الدستورية.
٢- نشأ عن التحول الطبقي للجنرالات وإهتمامهم بحماية مصالحهم المكتسبة نتيجة لهذا الوضع، تحولهم من خدمة الوطن والمواطن، إلى خدمة الفئة الاجتماعية التي ينتمون إليها، والانتماء إليها آيدولوجياً ووظيفياً ، مما جعلهم يقبلون بالإنتماء أو الخضوع للحركة الاسلامية ، ومشاركتها في أدلجة الجيش وإفقاده عقيدته العسكرية الوطنية ، مع الإخلال بالتراتبية العسكرية والإخلال بقواعد الضبط والربط.
٣- ما تقدم ادى الى تجريف المؤسسة العسكرية ، عبر اعدام خيرة ضباطها ، وفصل وتشريد اكثرهم او محاكمة البعض بدعاوى الانقلابات العسكرية الحقيقية والمفتعلة ، وترفيع اصحاب الولاء للحركة الاسلامية على حساب اصحاب الكفاءة، وحصر الدخول للكلية الحربية على من تزكيهم الحركة المذكورة فقط، مما أقعد بالمؤسسة العسكرية وأفقدها القدرة على القيام بواجباتها الدستورية ، وإقحمها في العمل السياسي من باب التحوّل إلى ذراع عسكرية للرأسمال الطفيلي وحركته الاسلامية ، بدلاً من أن تكون قوات شعب مسلحة.
٤- إنشغال الجنرالات بالنشاط الإقتصادي والنشاط السياسي الداعم للحركة الإسلامية و المنفّذ لمشاريعها المدمّرة للبلاد ، أقعدهم عن الإهتمام بالتسليح و التدريب و الضبط والربط ، بل سمح بتمرير عمليات الفساد بكافة أشكالها ، ومنع الاهتمام حتى بالاحتياجات الضرورية من لبس وتشوين وتموين وإحتياجات الجنود، الذين تم إفقارهم افقاراً جعل العزوف عن الجندية أمراً إشتكى منه وزير دفاع الانقاذ أمام برلمانها المخجوج ، بالرغم من أنه عزى الامر الى ذهاب الشباب لتعدين الذهب ، بدلاً من ذكر السبب الحقيقي.
٥- انتقال الجنرالات لشريحة الرأسمالية الطفيلية وإرتباطهم بها ، لم يقتصر على تحويلهم الجيش لجناح عسكري لها، بل امتد لقبول مشاريع تلك الشريحة العسكرية ، والرضا بخلق مليشيا عقائدية لتحارب بجانبه سميت قوات الدفاع الشعبي ، ومن ثم الرضا بتأسيس مليشيا الجنجويد ومشاركتها جرائمها في دارفور بمستوى جعل قائده الاعلى مطلوب لمحكمة الجنايات الدولية وهارب من العدالة.
٦- تطور الرضا عن مليشيا الجنجويد ، إلى إستخدامها كأداة لإعاقة التحوّل الديمقراطي والانتقال من دولة التمكين لدولة كل المواطنين ، حيث فرضها الجنرالات على التيار التسووي ( قحت) ، وألزمهم بشرعنتها دستورياً وإشراكها في السلطة ، وخلق وظيفة دستورية وهمية لقائدها ، هذا بعد توظيفها مع كتائب الحركة الاسلامية في الجيش والامن وكتائب الظل، لإرتكاب مجزرة فض اعتصام القيادة ، وإشراكها قبل ذلك في تنفيذ انقلاب القصر، ولاحقاً في تنفيذ إنقلاب اكتوبر ٢٠٢١م.
٧- في سياق الثقة العمياء في المليشيا الأداة ، سمح الجنرالات للمليشيا بالنمو السرطاني ، وبالتوسع في نشاطها الاقتصادي، والارتباط بعلاقات دولية خارج نطاق الدولة وسلطة الحكومة، مع دول اقليمية واخرى عظمى عبر مليشيا معلومة ، وبخلق علاقات مباشرة مع الموساد ، وقاموا بتسليمها معسكرات استراتيجية محيطة بالعاصمة القومية احاطة السوار بالمعصم ، وكلفوّها بحماية المواقع السيادية والحيوية ، التي اعلنت الاستيلاء عليها في بداية الحرب وهي كانت مقيمة فيها أصلاً.
٨- سكت الجنرالات عن توسّع المليشيا في التجنيد ، وفي تجنيس غير السودانيين وضمهم لقواتها ، وفي التسليح من الخارج مباشرةً ودون رقابة القوات المسلحة ، وفي عمل شبكة إتصالاتها الخاصة، وفي جلب أجهزة التنصّت، وفي عمل إستخباراتها الخاصّة، وفتح سجونها السرية وبيوت اشباحها، معتبرين ذلك نصير لهم في حربهم على الشعب السوداني.
٩- عادى الجنرالات المختطفين لقيادة الجيش الشعب السوداني بوقوفهم ضد ثورته ، ومعاداتهم لرغبته في تفكيك دولة التمكين، فقاموا بإنقلاب القصر لقطع الطريق أمام الثورة ، وإرتكبوا مجزرة فض إعتصام القيادة العامة ، وإنقلبوا حتى على المدنيين الذين إرتضوا أن يكونوا واجهة لسلطتهم في اكتوبر ٢٠٢١م ، وقتلوا بعد الانقلاب أكثر من مائة وعشرين شهيداً ، وأعادوا الفلول إلى مفاصل الدولة بعد إعادة الممتلكات المستردة منهم بواسطة لجنة إزالة التمكين ، وتمادوا في المعاداة بإشعال الحرب الراهنة لإستباق إنتصار المليشيا عليهم سلمياً عبر التحالف مع دول إقليمية بواجهة تسووية مدنية.
١٠- عززوا كل ذلك بإدارة للحرب تقوم على القصف الجوي والمدفعي، وتدمير الأسواق والمرافق العامة والبيوت وتقتل المواطنين، مع تركهم للمواطنين تحت رحمة المليشيا المجرمة ، عرضة للقتل والنهب والإغتصاب والطرد من منازلهم وإحتلالها من قبل الجنجويد، ومن ثم مطالبة المواطنين بالمشاركة في حربهم وهم الذين أقحموا نفسهم في سلطة المواطنين بغير حق ومن ثم طردوا حتى من رضي أن يعمل كواجهة لهم من السلطة.
١١- ثم زادوا الأمر حشفاً وسوء كيل بإطلاق منسوبي الحركة الاسلامية للدفاع عن حربهم الراهنة ، ووصم كل من لا يؤيدهم بإطلاق ، بالخيانة وانعدام الوطنية، وتهديد كل القوى السياسية المعارضة والرافضة لدولة التمكين، بالسحل والقتل والطرد من الساحة السياسية ، والتمهيد لعودة كاملة لدولة الانقاذ سيئة الذكر ، وظاهرهم الجنرالات في الخطابات التخوينية ، وكلّفوهم بالتفاوض بإسمهم في مفاوضات جدة ، بمستوى جعل الحرب فعلياً هي حرب الحركة الاسلامية ضد المليشيا التي صنعتها ، وحرب كرامة هذه الحركة لا حرب كرامة الشعب السوداني.
مؤدى ما تقدم كان الفشل الراهن للجيش المختطف في الإنتصار على المليشيا المجرمة ، وعزلة الجنرالات واحجام الشارع عن الانخراط في حربهم أو دعمهم ، بالرغم من حلم المواطن بإنتصار الجيش التاريخي الذي كان في مخيلته وهو غير موجود في ارض الواقع الآن.
فالشعب يعلم ان حرب كرامته حرب سلمية ، تمكنه من كنس الطرفين المتحاربين (مليشيا الجنجويد، والجيش المختطف من قبل الحركة الاسلامية) معاً من ساحة العمل السياسي ، وإعادة هيكلة الجيش ليصبح قواتاً مسلحة للشعب بالفعل، وحل الجنجويد لا إدماجهم في الجيش.
وقوموا الى ثورتكم يرحمكم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى