تمدد معارك السودان إلى جبهات جديدة..ما وراء الهجوم؟
تجددت على نحو متزامن مع توسع رقعة حرب السودان الجغرافية المعارك والاشتباكات بين الجيش وقوات “الدعم السريع” على أكثر من ثلاث جبهات قتالية في كل من الفاشر بدارفور غرباً وعلى التخوم الشرقية لمدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة وسط البلاد، فضلاً عن اجتياح مدينة وحامية الأضية بغرب كردفان، واشتعال معظم محاور المواجهات داخل العاصمة الخرطوم.
معارك الجسر
في جبهة الوسط بولاية الجزيرة تواصلت لليوم الثاني على التوالي المعارك والاشتباكات الشرسة بين الجانبين قرب جسر حنتوب البوابة الشمالية الشرقية لمدينة ود مدني، تحت قصف جوي عنيف من قبل الجيش للقوات المهاجمة.
وأفاد مواطنون بسماعهم أزيز الطائرات المقاتلة ودوي الانفجارات والأسلحة الثقيلة من داخل منازلهم، كما رصد شهود عيان وصول تعزيزات عسكرية من القوات المسلحة إلى المدينة من حاميات جنوب وغرب وشرق المدينة.
خارج المدينة
ونفت مصادر ميدانية دخول القوات المعادية إلى المدينة، مشيرة إلى تطبيق حزمة من الإجراءات الاحترازية عقب إعلان حظر التجوال وصدور أمر طوارئ بضبط حركة المركبات ومنع استخدام الدراجات النارية.
وأشارت المصادر إلى أن الجيش أخلى عدداً من المباني والمقار داخل السوق وفي المناطق الشرقية للمدينة، بما فيها مستشفى القلب القريب من الاشتباكات، لافتة إلى نصب الجيش نقاط ارتكاز بأسلحة ثقيلة عند كوبري حنتوب وأخرى متقدمة تحسباً لوصول تعزيزات للعدو من تلك الجهة.
تزايد النزوح
أصابت حدة المعارك المواطنين بمزيد من الهلع والرعب، مما أدى إلى موجات جديدة من النزوح في اتجاه ولايتي سنار والقضارف، حيث رصدت كثافة مرورية كبيرة على الطريق القومي الرابط بينها في أفواج من المركبات الصغيرة والشاحنات والحافلات السفرية.
بحسب مواطنين، فإن قوات “الدعم السريع” قصفت المدينة بالمدفعية من موقعها بالأحياء الشرقية مما تسبب في سقوط الدانات في حي الأندلس، الذي يضم عدداً من المستشفيات والمنشآت الخدمية وجامعة الجزيرة مجمع النشيشيبة.
ودعت لجان المقاومة بمدينة ود مدني إلى الحذر والحيطة وعدم الخروج إلى الشوارع التي تشهد اشتباكات حفاظاً على سلامة أرواحهم، وطالبت بعدم الالتفات للإشاعات والأخبار الكثيرة غير الصحيحة المتداولة.
وكانت معارك ضارية دارت بين الطرفين في قرية أم عليلة (15 كيلومتراً شمال شرقي مدينة ود مدني) وهي مقر مستودعات النفط الرئيسة بولاية الجزيرة.
وقال الشهود إن الجيش أغلق مداخل ومخارج مدينة ود مدني بما فيها جسر حنتوب، مع تحليق متواصل للطيران الحربي، لافتين إلى توغل قوات “الدعم السريع” في ضواحي وأرياف مدن تمبول ورفاعة شرق الولاية، ونصبه نقاط ارتكاز بمنطقة أبو حراز على الضفة الأخرى من النيل الأزرق.
تعطيل إنساني
إنسانياً تسببت الاشتباكات في تعليق جميع أعمال البعثات الميدانية الإنسانية بولاية الجزيرة إلى أجل غير مسمى، وفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا”، إذ يقدر عدد المنظمات الإنسانية العاملة بولاية الجزيرة 57 منظمة ووكالة أممية ودولية وغير حكومية.
وتعتبر مدينة ود مدني أقرب العواصم الولائية إلى الخرطوم بمسافة 186 كيلومتراً، عاصمة اقتصادية بموقعها الجغرافي المميز، إذ تضم مشروع الجزيرة أكبر المشاريع الزراعية المروية في أفريقيا، فضلاً عن كونها باتت بعد اندلاع الحرب منتصف أبريل (نيسان) الماضي، أكبر الملاذات الآمنة للفارين من جحيم القتال في الخرطوم، كما تحولت إلى مركز رئيس للقوافل الإنسانية والمخزون الدوائي القومي.
ما وراء الهجوم
في السياق يرى الباحث الأمني ضوالبيت دسوقي أن “الدعم السريع” كان يهدف من هجومه على عاصمة ولاية الجزيرة الاستيلاء عليها كشريان اقتصادي رابط بين معظم ولايات البلاد ومركز تجاري محوري يضم أكبر ميناء جاف للصادرات، تمهيداً لعزلها وخنق مدن الشرق في القضارف وبورتسودان من ثم قطع الإمداد الغذائي عن معظم الولايات ووقف تدفق الصادرات إلى الميناء الرئيس وتجفيف إيرادات الدولة.
ولم يستبعد دسوقي أن تكون قوات “الدعم السريع” تخطط للتمدد شرقاً عبر سهل البطانة حيث جبال الفاو الاستراتيجية ثم نشر قواتها جنوباً في اتجاه شرق ولاية سنار، تمهيداً لبسط سيطرتها على الحدود الشرقية بغرض تأمين وتسهيل وصول الإمدادات العسكرية عبرها، بخاصة بعد ظهور بعض الإشكالات على الحدود الغربية.
لفت دسوقي إلى أن الاشتباكات في ولاية الجزيرة تضيف بعداً أكثر مأسوية إلى ما يقارب مليوني نازح فروا من نيران المعارك بالخرطوم بعد نهب ممتلكاتهم واحتلال منازلهم، بإجبارهم على نزوح جديد أكثر صعوبة، في ظل تعذر سبل الحركة والنقل في أقل من عام واحد.
تدمير وتطمين
وقال الناطق الرسمي باسم الجيش السوداني نبيل عبدالله إن الجيش دمر القوات التي تسللت إلى شرق الجزيرة، وأبعدها قبل التوغل داخل ود مدني، كما أغلق جسر حنتوب لإجراءات تأمينية.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل أوضح بيان لقوات “الدعم السريع” أنها لا تستهدف المدنيين في مدينة ود مدني الاستراتيجية، بل دك معاقل فلول النظام البائد التي تمثل أهدافاً مشروعة لها.
شرقاً أصدر والي القضارف المكلف، محمد عبدالرحمن، قراراً بحظر التجوال داخل مدينة القضارف من السادسة مساء إلى السادسة صباحاً بالتوقيت المحلي (16:00 إلى 04:00 بتوقيت غرينتش) اعتباراً من أمس السبت الـ16 من ديسمبر (كانون الأول) الجاري.
معارك بالعاصمة
على جبهة العاصمة تواصل القصف المدفعي العنيف المتبادل في محيط القيادة العامة للجيش وسط الخرطوم وفي محيط سلاح المدرعات جنوب الخرطوم، وحول سلاح الإشارة وسط الخرطوم بحري، حيث تصاعدت سحب وأعمدة الدخان، بينما استهدف الجيش مواقع قوات “الدعم السريع” بالمدفعية والمسيرات بمناطق عدة في شرق النيل.
بحسب مواطنين، دوت أصوات القصف المدفعي والانفجارات في أحياء المنشية وبري، وشنت الطائرات المقاتلة والمسيرات التابعة للجيش غارات جوية كثيفة، استهدفت مواقع “الدعم السريع” في كل من أحياء بري والمنشية شرق الخرطوم وجنوب الحزام وجبرة وأبو آدم والأزهري جنوب العاصمة.
وأبلغ مواطنون من وسط وشمال مدينة أم درمان عن سقوط مقذوفات مدفعية عدة في حي الثورة بمحلية كرري، مما تسبب في فرار مزيد من الأسر لمنازلها هرباً من القصف العشوائي بواسطة “الدعم السريع”.
انفجار الوضع بالفاشر
في جبهة الغرب انفجرت الأوضاع بمدينة الفاشر عاصمة إقليم دارفور، واندلعت معارك ضارية بين الجيش و”الدعم السريع” بدأت في المدخل الشمالي للمدينة في ظل توتر أمني بالغ، واستقطاب حاد للمناصرين من الجانبين استعداداً لقتال أطول محتمل.
امتدت المعارك بحسب مصادر محلية إلى معسكر أبو شوك المكتظ بالنازحين وضحايا الحروب داخل المدينة، وأدت إلى مقتل اثنين من النازحين وإصابة سبعة آخرين.
وفي غرب كردفان اجتاحت قوة كبيرة من “الدعم السريع” أمس السبت مدينة الأضية زكريا وتمكنت من الدخول إلى الحامية العسكرية بالمنطقة بعد انسحاب قوة الجيش، كما قامت بعمليات نهب وسلب للسوق وديوان الزكاة، وفق قيادات أهلية بالمنطقة.
جنائي وأخلاقي
سياسياً حمل تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير، القوات المشاركة في القتال من الطرفين والمجموعات المرتبطة بهما، المسؤولية الأخلاقية والسياسية والجنائية تجاه أي تصرفات تنتهك أرواح أو سلامة أو ممتلكات المدنيين، مؤكدة رفضها وإدانتها أي صورة من صور تلك الانتهاكات مؤسسية كانت أو بسلوك فردي.
وعبر التحالف عن حزنه وقلقه تجاه تمدد الحرب في مناطق جديدة بمدن عدة بدارفور وكردفان والجزيرة واستمرارها في الخرطوم، وتزايد استهداف المدنيين بالقصف المدفعي والجوي في مناطق سكنية عدة في نيالا والخرطوم ومناطق أخرى.
على الصعيد نفسه، حملت هيئة “محامو الطوارئ” قوات “الدعم السريع” مسؤولية توسيع رقعة الحرب ونقلها إلى مناطق يحتمي فيها ملايين النازحين، ولا توجد بها حاميات عسكرية أو مواقع للجيش.
تحذير أميركي
دولياً أعربت الولايات المتحدة الأميركية عن بالغ قلقها من التقارير المتواترة في شأن هجمات قوات “الدعم السريع” على مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، التي أصبحت ملجأ لآلاف من الهاربين من الحرب.
وحضت المندوبة الدائمة للولايات المتحدة الأميركية بالأمم المتحدة، ليندا توماس قوات “الدعم السريع” على الامتناع عن الهجوم عليها، داعية جميع الأطراف إلى التزام حماية المدنيين بأي ثمن، محذرة من أن مرتكبي الإرهاب سيواجهون العواقب.
وأعرب بيان صادر عن عضو لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي، السيناتور كريس كونس، عن انزعاجه من هجوم قوات “الدعم السريع” على ولاية الجزيرة، مطالباً الطرفين بالتزام تعهداتهما في قمة “إيغاد” الطارئة الأخيرة في جيبوتي.
ترحيب ومطالبة
من جانبها رحبت وزارة الخارجية السودانية بإدانة المندوبة الدائمة للولايات المتحدة بالأمم المتحدة هجوم الميليشيات على ضواحي ود مدني، وتأكيدها خضوع مرتكبي الأعمال الإرهابية للحساب، وكذلك بموقف السيناتور كريس كون، الذي دان فيه الهجوم.
وجددت خارجية السودان، في بيانها، مطالبتها المجتمع الدولي بتصنيف “الدعم السريع” جماعة إرهابية، وتجريم تقديم أي شكل من المساعدة أو الدعم لها، من أي جهة واعتبارها شريكة لها في المسؤولية عن الأعمال الإرهابية والجرائم ضد الإنسانية، والتطهير العرقي التي تتمادى في ارتكابها.
وشدد البيان، على مسؤولية مجلس الأمن الدولي الخاصة بالقيام بدوره للتصدي لإرهاب الميليشيات، في ظل شبهة عدم الاتساق الأخلاقي للمجلس كون أحد أعضائه غير الدائمين شريكاً في العدوان على السودان، مشيراً إلى أن هجوم الميليشيات على ولاية الجزيرة المستضيفة لأعداد كبيرة من النازحين يمثل جريمة ضد الإنسانية وامتداداً لفظائعها وجرائمها في الخرطوم وولايات دارفور وكردفان.
تصعيد تشادي
في تصعيد دبلوماسي أبلغت وزارة الشؤون الخارجية في تشاد سفارة السودان لدى بانجمينا قرار الحكومة التشادية اعتبار أربعة دبلوماسيين أشخاصاً غير مرغوب فيهم، مطالبة بمغادرتهم البلاد خلال 72 ساعة.
وشمل قرار الإبعاد الذي أصدرته الحكومة التشادية كلاً من المستشار الأول والملحق العسكري، وكذلك القنصل السوداني لدى بانجمينا والقنصل المقيم في أبشي، وذلك رداً على تصريحات الجنرال ياسر العطا، مساعد القائد العام، التي اتهم فيها تشاد بالتدخل في الصراع السوداني، وتكرار الاتهامات ذاتها بشكل مفاجئ من قبل وزير الخارجية السوداني
إندبدندنت اللندنية