تقارير

فلول البشير تبحث عن إنقاذ بتصعيد الدعوات لحمل السلاح في السودان

خطط لنشر السلاح تشارك فيها أجهزة أمنية مخترَقة من الحركة الإسلامية.

الخرطوم – تجددت دعوات حمل السلاح في السودان من جانب مجموعات محسوبة على فلول نظام الرئيس السابق عمر البشير مؤخرا، في محاولة لإيجاد حبل إنقاذ يسهم في تحقيق هدف رئيسي لهذه العناصر ألا وهو إطالة أمد الحرب وتحويلها إلى صراع عرقي يصعب خلاله الحديث عن عملية سياسية تقود إلى إقصائهم من المشهد بشكل كامل.
وانتشرت الدعوات في مناطق خاضعة لسيطرة الجيش السوداني في ولايات النيل الأبيض ونهر النيل وإقليم شرق السودان عبر مجموعات تسمي نفسها “المقاومة الشعبية المسلحة”، ونظم مجلس نظارات البجا في الشرق لقاءات مع الإدارات الأهلية بهدف التنسيق للانخراط في ما أسموه “القتال إلى جانب السوداني وتقديم الدعم له”.
وأطلق ناظر عموم قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك، وهو أبرز الموالين لفلول نظام البشير، دعوة طالب فيها أهالي شرق السودان بحمل السلاح، وقال خلال مؤتمر أهلي إن “أهل شرق السودان جاهزون للدفاع عن الوطن”.
ولدى فلول البشير تجارب سابقة دعت فيها إلى حمل السلاح أثناء الحرب التي اندلعت في إقليم دارفور قبل عشرين عاما وراح ضحيتها أكثر من 300 ألف قتيل وتسببت في نزوح أكثر من 2.5 مليون شخص. وردد حاكم إقليم دارفور مني آركو مناوي المطلب نفسه؛ إذ دعا أهالي الإقليم إلى حمل السلاح في مايو الماضي.
وتتماشى الدعوات الحالية التي تدعمها الحركة الإسلامية وعناصر حزب المؤتمر الوطني المنحل مع مساعي إطالة أمد الحرب وتبديد جهود الحل السياسي، بعد أن انسحبت عناصر الجيش بشكل مريب من ولاية الجزيرة وفقدت السيطرة على العديد من الولايات منذ اندلاع الحرب خلال منتصف أبريل الماضي، في ظل مخاوف من أن تصل قوات الدعم السريع إلى إقليم شرق السودان الذي يتواجد فيه قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان.
صديق أبوفواز: دعوات حمل السلاح خطيرة وترتبط هذه المرة بنزاعات قبلية وعنصرية
وإنْ لم تُلاق دعوات الجيش في السابق -والتي نادى فيها بحمل السلاح في مواجهة قوات الدعم السريع- تجاوبًا فإن تكرارها الآن قد يجد صدى لدى مواطنين يتخوفون من تأثير الحرب على الأوضاع الأمنية المحيطة بهم بعد أن شهدت عدة ولايات انتقل إليها القتال عمليات سلب ونهب واسعة، وهناك اقتناع لدى الكثير من المواطنين بأهمية الدفاع عن أنفسهم، وما يساعدهم على ذلك انتشار السلاح بشكل كبير في البكثير من الولايات وتزايد ملامح الانفلات الأمني وعدم قدرة الجيش على الدفاع عنهم.
ووجه وزير الدفاع السوداني المكلف الفريق ركن ياسين إبراهيم ياسين في مايو الماضي نداء إلى “معاشيي (متقاعدي) القوات المسلحة من ضباط وضباط صف وجنود وكل القادرين على حمل السلاح” دعاهم فيه إلى “التوجه إلى أقرب قيادة عسكرية لتسليحهم”، وفي ذلك الحين واجه الجيش السوداني انتقادات من المواطنين أنفسهم واعتبروا الدعوة توجها نحو توسيع دائرة الحرب والتهرب من وقفها.
وقال عضو المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير أحمد خليل إن “دعوات حمل السلاح خطيرة وتدخل في إطار تصعيد الحرب بين المواطنين وقوات الدعم السريع، في حين أن القوات المسلحة فشلت في حماية الناس، رغم أن 80 في المئة من إيرادات الدولة تذهب إلى الجيش وحظي في العقود الماضية بامتيازات عديدة”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “أي دعوة إلى حمل السلاح تصدر من مجموعات غير معروفة الهوية فهي تتبع تنظيم الإخوان، وهؤلاء لديهم خطط سابقة جرى الإطلاع عليها في حفل الإفطار الذي نظموه في شهر رمضان الماضي قبل اندلاع الحرب وتضمنت السعي لحكم البلاد بكافة السبل الممكنة أو حرقها، وهو ما يتم تنفيذه الآن”، مشيرا إلى وجود فارق بين اتجاه المواطنين إلى حمل السلاح وترخيصه للدفاع عن أنفسهم وبين العمل المسلح المنظم على الأرض والذي تسعى إليه فلول البشير.
وتفيد إحصائية رسمية صدرت عام 2018 بأن هناك خمسة ملايين قطعة سلاح بحوزة المدنيين في مختلف المناطق، وتؤكد مجموعة الأبحاث “سمول أرمز سرفاي” أن 6.6 في المئة من السودانيين يملكون سلاحا ناريا، غير أن البعض من الخبراء العسكريين يقدرون الأرقام بأضعاف المعلن في ظل حالة الانفلات التي تعانيها الحدود السودانية.
وأكد أحمد خليل أن “دعوات الحصول على السلاح في هذا التوقيت ممنهجة وتشترك فيها أجهزة مخترقة من قبل فلول نظام البشير، فقد صاحبتها عمليات اعتقال واسعة تستهدف بها أجهزة الاستخبارات كل من يرفض الدعوات أو ينادي بوقف الحرب”، مشددا على أن حملات الاعتقال تشتد في ولايات سنار ودنقلا، وهناك تضييق على مساعي استقبال النازحين والتخفيف عنهم، ما يشي بتفاقم الوضع الإنساني والأمني.
وطالب والي ولاية نهر النيل المكلف محمد البدوي عبدالماجد الأهالي بالتعبئة والاستنفار في مؤتمر جماهيري الخميس، ما يعبر عن رغبة في تحفيز المواطنين وجرهم نحو الانخراط في اشتباكات تندلع في الولاية، معربا عن أنه يدعم قرار حكومة الولاية واللجنة الأمنية الذي يقضي بتسليح كل قادر علي حمل السلاح لأن “العدو” يستهدف المواطن وممتلكاته في المقام الأول.
◙ الدعوات لحمل السلاح التي تدعمها الحركة الإسلامية تتماشى مع مساعي إطالة أمد الحرب وتبديد جهود الحل السياسي
وذكر رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي الوحدوي صديق أبوفواز أن “دعوات حمل السلاح خطيرة وترتبط هذه المرة بنزاعات قبلية وعنصرية وثمة استقطاب حاد في المجتمع السوداني منذ اندلاع الحرب، ما ساهم في ظهور المزيد من النعرات القبلية”، مضيفا أن “السودانيين عليهم تجنب الدخول في حرب أهلية لها آثارها الكارثية”
وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن استمرار الدعوات يمهد للدخول في حرب قبلية ضروس، وأن وجود قدر من العنصرية في المجتمع يساعد على ذلك، ما يتطلب ضبطا للأوضاع كي لا تصل إلى حد الفوضى، وهو أمر لن يحدث إلا من خلال عملية سياسية مستدامة ودستور دائم يتوافق عليه الجميع ويمنح كل ذي حق حقه.
ورفض فواز تصوير الحركة الإسلامية في السودان على أنها الطرف الأقوى والقادر على تحديد مصير السودان، فعناصرها في النهاية أقلية ومن الصعب أن تكون لديهم تأثيرات قوية في المشهد الراهن ويفتقرون إلى القاعدة الاجتماعية مقارنة بالجيش أو قوات الدعم السريع، وتعتمد فلول البشير على الأموال التي تحصلت عليها بطرق مختلفة وتستخدمها بشكل سيء.
وتستهدف دعوات حمل السلاح وضع العراقيل أمام أي سلطة مستقبلية، وستكون كيفيةُ جمع السلاح من أيدي المواطنين وإعادة أصحاب السوابق والمجرمين إلى السجون بعد أن جرى إطلاق سراحهم أحدَ أبرز التحديات التي ستواجهها الحكومة الجديدة.
وتبرر مجموعات محسوبة على الحركة الإسلامية حمل السلاح بزعم وجود دعوات مماثلة من جانب قوات الدعم السريع للمواطنين في الأماكن التي تسيطر عليها، ما يجعل هناك حاجة إلى التوافق بشأن أي تحرك سياسي لتجنب إطلاق صيحات تخدم فلول النظام السابق ويتضرر منها المدنيون قبل غيرهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى