تقارير

*كتب حمور زياده : نحن لم نولد أمس.. وأنتم لم تهبطوا من السماء

جراءة أقرب للوقاحة تتعامل بها الحركة الإسلامية مع الشعب السوداني، كأنما تفترض فيه الغباء، أو غياب الذاكرة.
بشكل ما تبدو أحاديث منسوبي الحركة الإسلامية السودانية كأنها تتعامل مع شعب من الأطفال. ولدوا ظهر أمس، وليس لهم ذاكرة أو تاريخ لما حدث طوال ثلاثين سنة بائسة!
الحركة الإسلامية التي وصلت إلى السلطة فجر يوم الجمعة 30 يونيو 1989 على ظهر الدبابات، مقوضة نظاماً ديموقراطياً أقامه السودانيون بعد ثورة شعبية، تتحدث عن الديموقراطية والحريات كأنها ما استماتت في الفتك بها طوال مدة حكمها!
يريدوننا أن ننسى كيف ارتكبوا جريمة الانقلاب العسكري، بتبرير طفولي، وهو “كل الأحزاب السودانية تورطت من قبل في انقلابات”، كأنما هذه حجة مقنعة!
لقد عشنا سنوات ما سمّوها “ثورة الإنقاذ الوطني” في عسف وبطش ومازلنا نعاني من أثارها. في شهورها الأولى كانت “ثورتهم الانقلابية” تفصل موظفي الدولة بكشوفات مطولة بتهمة واحدة، أنهم لا ينتمون للحركة الإسلامية. وتم إحلال كوادرهم مكان مئات الموظفين والقضاة وضباط الجيش والشرطة، بلا خجل ولا حياء ولا محاولات تكييف قانوني.
كان الاعتقال هو أبسط شيء يمكن أن يحدث لك، سواء كنت معارضاً سياسياً أو مواطناً جرؤ على قول كلمة رفض في مكان عام، حتى في المدارس والجامعات، كانت كوادرهم الطلابية تتمخطر بالدراجات البخارية الخالية من اللوحات، وتبطش بالطلاب بحماية ومعاونة جهاز الأمن. بلغ من هوان الدولة أن جهاز الأمن والمخابرات كان يعتقل طلاب المدارس بوشايات زملائهم المنتمين للحركة الإسلامية.
وفي الجامعات كان أمثال أنس عمر، الذي أصبح لواءً في ظروف غامضة، كوادر إرهاب وتخويف وقمع لزملائهم.
في سنواتهم المظلمة امتلأت المعتقلات بأبناء الشعب. وكان التعذيب ممارسة يومية موثقة. واستُشهد داخل هذه المعتقلات العشرات، دون أن تطرف عين إسلامي يحاول اليوم أن يدعي الديموقراطية أو الدفاع عن سيادة البلاد!
تحفظ الذاكرة الشعبية تماماً سنوات الاستبداد والبطش التي أذاقتنا لها الحركة الإسلامية. القتل، والتعذيب، والتشريد، والفصل التعسفي، والمحسوبية. لا أظن أن هناك بيتا سودانيا لم يمر بتجربة فصل عائله للصالح العام بين أعوام 1989م إلى 1993م. لا أحسب أن هناك أسرة سودانية لم يكن لديها معتقل في تلك السنوات العجاف، خرج من محبسه يتكئ على الحائط ليسير بعض خطوات بسبب التعذيب.
لا أشك أن هناك أسرة لم تمر بمحسوبية ترقية إسلامي مكان عائلها في وظيفته.
وبالتأكيد ليس هناك طالب مدرسي لم يُحشد عنوة في الباصات المستأجرة ليحضر خطابات عمر البشير في الساحة الخضراء، وهو يرى زملاء فصله من أبناء الحركة الإسلامية ينظمون الحشود كقادة فخورين ومنتفخين بالسلطة.
يظنون أننا نسينا سنوات مطاردة الشباب في الشوارع للدفع بهم إلى الجنوب ليحاربوا حربهم الجهادية! كانت عربات “الكشة” تلتقط الشباب من الشوارع، والأحياء، والمواصلات. كان الخروج لمشوار مخاطرة قد لا ترجع منها إلا بعد عام أو اثنين.
مازلنا نذكر سنوات المسغبة التي كانت فيها لجان الأحياء الشعبية التي يسيطر عليها الإسلاميون توزع الخبز والسكر والشاي والعدس بكرت التموين، كانت تلك سنوات الانتقام والابتزاز. أعرف رئيس لجنة شعبية من قدامى الإسلاميين منع التموين عن أسرة اعتُقل أحد أبنائها. في تلك السنوات كان منع التموين يعني الجوع التام؛ فلم يكن هناك مصدر لأساسيات الطعام إلا ما توفره اللجان الشعبية بالكاد.
كان لكل فرد في اليوم 3 أرغفة من الخبز، يوزعونها علينا بكل صلف. واليوم يحدثوننا عن معاش الناس والجوع والغلاء! وما ذلك إلا “فضلة خيرهم”، وبقية عبثهم باقتصاد البلاد، وبحروبهم الحمقاء التي خاضوها ضد العالم.
تبرعوا بأموالنا للجماعات الإرهابية، واستضافوها في بلادنا ودربوها، أرسلوها لتفجير السفارات، ولاغتيال الرؤساء. وحتى هؤلاء خانوهم. حمل تقرير رسمي للكونجرس الأمريكي للتحقيق في هجمات سبتمبر فصلاً ضخماً تحت عنوان “بن لادن ينتقل إلى السودان”. وتعقب بدقة استثمارات الإرهابي الشهير في السودان وتعاون الأجهزة الأمنية معه، بل واحتيالها عليه أيضاً. فبحسب التقرير حاول “ضابط عسكري كان عضواً في الحكومة” بيع يورانيوم لأسامة بن لادن بمبلغ 1.5 مليون دولار. لكن بعد فحص المادة ظهر أن العسكري كان محتالاً وقدم مادة مزيفة للقاعدة.
أسامة بن لادن الذي دعاه د.حسن الترابي لـ “استخدام السودان كقاعدة لعمليات القاعدة في جميع أنحاء العالم وللإعداد لها” بحسب نص التقرير.
يظنون أننا نسينا، أو ربما يحسبون أننا أطفال لم نكن ولدنا عندما انتهكوا كل قانون وفضيلة وخلق. يتظاهرون أنهم هبطوا علينا من السماء فجأة، بلا تاريخ وبلا جرائم.
قتلوا، وعذبوا، وسرقوا. واليوم يحسبون أننا لم نكن هناك، شهوداً على كل ذلك.
إننا لا ننسى، ولن نسمح لكم أن تتناسوا أو تتظاهروا بأنكم غير ما أنتم عليه. ومثلما مازالت النازية بعد مرور حوالي 80 عاماً على سقوطها سبة وجريمة، فسنحرص أن يكون مستقبلكم مثلها. فليس جوبلز بأكبر جرماً من يونس محمود. ولا هملر بأسوأ من نافع علي نافع.
لن يمسح التاريخ خطاياكم ولو صرختم بالديموقراطية ألف ألف عام. إنه وعد.
سنظل نذكر ما فعلتم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى