اشتباكات - حروب

معارك شرسة في الخرطوم وغارات جوية على الجزيرة وكردفان والنيل الأبيض

جمال عبد القادر البدوي – اندبندنت عربية
أكملت الحرب السودانية بين الجيش وقوات “الدعم السريع”، اليوم الإثنين شهرها التاسع من القتال والقصف والموت والدم والدموع والمآسي منذ اندلاعها بالخرطوم منتصف أبريل (نيسان) الماضي، وتمددها في دارفور وكردفان غرب السودان ثم إلى وسط البلاد.

وأودت هذه الحرب بحياة نحو 10 آلاف شخص، وأغرقت البلاد في سيل من الدمار والأزمات الإنسانية، وأنتجت أكبر مأساة في العالم بنزوح 7 ملايين نسمة، وتهدد بدفع البلاد نحو حرب أهلية طاحنة، من دون أن يلوح في الأفق أي حل يوقفها بعد فشل كل المساعي المحلية والإقليمية والدولية.

قصف ومواجهات

وتواصلت العمليات العسكرية والمواجهات بين الجيش وقوات “الدعم السريع” في معظم جبهات القتال بمدن العاصمة السودانية الثلاث (الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري)، وتبادل الطرفان القصف المدفعي العنيف، وأطلقت “الدعم السريع” قذائف مدفعية باتجاه قيادة الجيش وسط الخرطوم، ورد الجيش بالمدفعية الثقيلة من داخل القيادة مستهدفاً تجمعات ومنصات “الدعم السريع” في جنوب الخرطوم والأحياء الشرقية منها وفي منطقة شرق النيل بالخرطوم بحري.

ودوت انفجارات عنيفة وسط الخرطوم نتيجة القصف المتبادل بين الجانبين في محيط القيادة العامة للجيش، وشوهدت أعمدة الدخان تتصاعد بكثافة من محيط السوق العربية وسط الخرطوم.

غارات جوية

وشن الطيران الحربي غارات جوية على مواقع “الدعم السريع” في جنوب الحزام. وفي جنوب الخرطوم قصفت مدفعية الجيش مواقع عدة لهذه القوات في محيط سلاح المدرعات وأحياء الصحافة وجبرة.

وأوضح شهود أن الطائرات المسيرة التابعة للجيش قصفت تمركزات هذه القوات في منطقة شرق النيل وأحياء الصفا وبري والمنشية وأركويت شرق الخرطوم، فيما تابعت مدفعية “الدعم السريع” قصفها الصاروخي على القيادة العامة للجيش وسط الخرطوم وسلاح الإشارة بالخرطوم بحري.

اشتباكات ومطاردات

وتتواصل المواجهات كذلك في مناطق عدة بأم درمان القديمة، وتحتدم الاشتباكات العنيفة، بصورة خاصة داخل أحياء العمدة وود نوباوي ومحيط السوق الشعبية والمنطقة الصناعية. وكشفت مصادر عسكرية عن تصدى الفرقة الثالثة – مشاة بمدينة شندي، لمجموعة من “الدعم السريع” بمنطقة النقعة والمصورات بولاية نهر النيل شمال البلاد، مؤكدة تدمير المجموعة بالكامل. وأوضحت مصادر ميدانية أن اشتباكات محدودة دارت بين الجانبين بولاية الجزيرة بمنطقة المدينة غرب مدينة ود مدني، كما تمكنت قوة من العمل الخاص من تنفيذ كمين ناجح لقوات من “الدعم السريع” بمنطقة المناقل شرق قرية بورتبيل وكبري ودربيعة. وأضافت المصادر أن الطيران شن غارات جوية عنيفة على معسكر عيسى بشارة بمدينة القطينة بولاية النيل الأبيض.

ترحيب بالمبادرات

في الأثناء، أكد مجلس السيادة الانتقالي، في اجتماعه برئاسة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، ترحيب الحكومة وتعاطيها الإيجابي مع كل المبادرات بخاصة الجهود الإقليمية توصلاً إلى سلام شامل في السودان. وناقش الاجتماع تداعيات قمة منظمة “إيغاد” في العاصمة الأوغندية كمبالا في الـ18 من يناير (كانون الثاني) الجاري، ورؤية السودان حول انعقادها، منوهاً بأن ليس هناك ما يستوجب عقد قمة لمناقشة أمر السودان قبل تنفيذ المخرجات السابقة. ولفت المجلس إلى أن ما يدور في البلاد شأن داخلي ينبغي أن تتم معالجته بواسطة السودانيين بعيداً من التدخلات الخارجية، مشدداً على أهمية تنفيذ مخرجات قمة “إيغاد” الأخيرة بجيبوتي.

وكان مجلس السيادة الانتقالي قرر رفض المشاركة في القمة الطارئة التي دعت إليها “إيغاد” بأوغندا لبحث الأزمة بحجة عدم التزام تنفيذ مخرجات القمة الأخيرة في جيبوتي وإلغاء لقاء رئيس مجلس السيادة وقائد “الدعم السريع” محمد حمدان دقلو، من دون تبرير لذلك.

واستعرض اجتماع مجلس السيادة الانتقالي الأوضاع الأمنية والاقتصادية الراهنة وجهود الحكومة في تأمين الغذاء والدواء للمواطنين في ظل الظروف التي تمر بها البلاد، مشيداً بالتفاف المواطنين ودعمهم القوات المسلحة.

التزام البرهان

وفي وقت سابق، أبلغ البرهان المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة رمطان لعمامرة التزامه التحول الديمقراطي والفترة الانتقالية التي تنتهي بالانتخابات العامة، ومخرجات منبر جدة ومبادرات دول الجوار ومنظمة “إيغاد”. وأطلع رئيس مجلس السيادة الانتقالي المبعوث الأممي، خلال استقباله له بمدينة بورتسودان، على الانتهاكات والفظائع التي قامت بها “الدعم السريع” ضد الدولة ومؤسساتها والبنى التحتية وممتلكات المواطنين وتهجيرهم وإذلالهم.

وأكد العمامرة من جهته أنه سيعمل جاهداً مع كل الأطراف من أجل بلورة الدور الإيجابي للأمم المتحدة بهدف الوصول إلى حل للأزمة السودانية.

تفاؤل أممي

أعرب المبعوث الأممي عن تفاؤله بإمكان تحقيق السلام والاستقرار وإنهاء الحرب وعودة الحياة إلى طبيعتها بتضافر جهود السودانيين. أضاف في تصريح صحافي، أنه أراد أن تنطلق مهمته رسمياً من أرض السودان، مشيراً إلى أن لقاءاته مع رئيس المجلس ومشاوراته مع عدد من المسؤولين وشرائح المجتمع المدني أسهمت كثيراً في اطلاعه على حقائق الأوضاع وتطلعاته إلى مستقبل أفضل، وكذلك وجهة النظر الرسمية حول عدد من المبادرات الرامية إلى حلحلة الأوضاع وإطلاق عملية سلام تؤدي إلى الحل السلمي الذي يسمح للشعب السوداني في استعادة الحياة الكريمة في ظل دولة مستقلة ذات سيادة تؤدي دورها في القارة الأفريقية والعالم العربي والساحة الدولية.

أسباب وتقصير

على الصعيد ذاته، التقى المبعوث الأممي حركات دارفور ممثلة في “العدل والمساواة” بقيادة جبريل إبراهيم وحركة “تحرير السودان” برئاسة مني أركو مناوي لمناقشة أوضاع البلاد.

وأوضح مناوي أنهم قدموا شرحاً حول مسببات الحرب لافتين إلى تقصير الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في التعاطي مع أزمة البلاد، بخاصة في ما يتعلق بالانتهاكات ضد المدنيين في مختلف مناطق السودان. وحذر مناوي من خطورة الانحياز إلى أحد أطراف الصراع وزيادة حدة الاضطرابات.

شكوك

وأشار القيادي بـ”الحرية والتغيير” ياسر عرمان إلى أن ظلالاً من الشك صاحبت زيارة الممثل الخاص للأمين للأمم المتحدة رمطان لعمامرة إلى بورتسودان في إمكان أن تؤدي إلى توجه متوازن، “بخاصة الاجتماعات الواسعة التي عقدها هناك مع شبكة من القائمين على أمر الحرب”. أضاف عرمان في منشور على منصة “إكس”، “إن لم يكن حذراً، فإن تلك الاجتماعات ستقوده إلى الدعوة إلى مكافأة الفلول على الحرب”.

وفي السياق، قال السفير حيدر بدوي “بعدم مشاركته في قمة إيغاد، يكون البرهان وحاضنته من أنصار الحرب قد خسرا آخر فرصة لاكتساب غطاء سياسي ودبلوماسي، مما يزيد من احتمالات هزيمته السياسية والدبلوماسية ويضعف موقفه التفاوضي بشكل كامل”. واعتبر بدوي “أن صدقية قائد الجيش ظلت، طوال الفترة الماضية، في تآكل مستمر، وألقت بظلالها على تأكيداته والتزاماته بخصوص التحول الديمقراطي التي قطعها أمام المبعوث الأممي، بعدما ظل ينقض عهوده ويهدر الفرص منذ شراكته في السلطة مع الحرية والتغيير، وصولاً إلى كارثة الحرب الراهنة”. وتابع “لقد خسر قائد الجيش كثيراً من ثقة المجتمعين الإقليمي والدولي، في حين ظل خطاب (الدعم السريع) في شأن التزامه التحول الديمقراطي ثابتاً وواضحاً منذ بداية الحرب، وسواء صدق التزامه أو لم يصدق فقد حقق مكاسب دبلوماسية خلال جولات قائده الأفريقية الأخيرة “.

تحالف جديد

وسط هذه الأجواء، أعلنت أحزاب “الأمة القومي” و”الشيوعي السوداني” و”البعث العربي الاشتراكي الأصل” الاتفاق على العمل معاً للوقف الفوري للحرب وتأمين وحدة السودان شعباً وأرضاً وسلامة أراضيه واستقلاله. ودانت الأحزاب، في بيان مشترك، الانتهاكات والجرائم ضد المدنيين من قبل قوات “الدعم السريع”، والقصف العشوائي المدفعي والجوي على منازل المواطنين من قبل الجيش، والاعتقالات المتكررة للمواطنين والناشطين السياسيين ولجان المقاومة من قبل طرفي الحرب. وشدد البيان على ضرورة العمل الإنساني في ظل خطر المجاعة الذي يهدد السودان وفق تقارير منظمات ووكالات الأمم المتحدة.

“معاً ضد الاغتصاب”

إلى ذلك، أعلنت حملة “معاً ضد الاغتصاب والعنف الجنسي”، عن تدشين انطلاقتها، اليوم الإثنين، بمؤتمر صحافي افتراضي لتسليط الضوء على واقع قضية الاغتصاب والعنف الجنسي، وعلى حاجات الناجيات، ومناقشة التحديات القانونية والدستورية المتعلقة بحقوق الإنسان في السودان وذات الصلة بالعنف الجنسي والاغتصاب.

وتسعى الحملة إلى توفير حماية فعالة وعاجلة للنساء في السودان، مع التركيز على منع الانتهاكات الجنسية في فترة الحرب الحالية وتحسين الظروف الاجتماعية والقانونية للنساء المتضررات، إلى جانب توفير الدعم وتحديد مناطق آمنة للناجيات، بما في ذلك الدعم الطبي والنفسي والقانوني وتوفير المعلومات للكوادر الطبية والاجتماعية والقانونية، وتعزيز قدرات المنظمات المحلية في مكافحة الانتهاكات الجنسية، كما تستهدف الحملة إنشاء آليات فعالة لرصد وتوثيق حالات الانتهاكات الجنسية لدعم التحقيق والمساءلة والمطالبة بإجراء تحقيق دولي مستقل لتحديد ومحاسبة الأطراف المتورطة في حالات الاغتصاب والخطف والعبودية الجنسية خلال هذه الحرب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى