الأعمدة

ثلاثة أحبة و محب رابع .

كتب الروائي /محمد سالم مهدي.
سأكتب في هذا المجال عن ناس أحببتهم فشكلوا عالمي الروحي في العلاقات الانسانية بحق..لا أعرف لماذا الأن بالذات؛ربما لأن هذه هي المهارة الوحيدة التي أعرفها في محاربة هذا الواقع الجنوني الذي يجري في بلدنا و يحفز فينا دون أن نشعر مشاعر السوء و الخراب؛أقول ربما لأني لو عرفت بالضبط لما كتبت.
1-حبيبي و معلمي الروائي الراحل عيسى الحلو..لقد رحل جسد عيسى في عمر يناهز ال82 عاما لكنه حمل دائما روح طفل شفافة و عقل غارق بكله في الجماليات الفنية و لطائف المعاني.صاحب روايات كثيرة أهمها روايتي نسيان ما لم يحدث؛الورد و كوابيس الليل.
ألتقيت بالحبيب الراحل في السابعة عشر من عمري كان عندي اضطرابات فكرية و أسئلة تنحر داخلي كالسكين؛لا أود القول أن عيسى قد ساعدني في مواجهة تلك الأسئلة لكنه أعطاني المفاتيح بكل تأكيد و أنا في الأبواب لا زلت أفتح كلما فتحت واحدا بان آخر أكبر.
كنت أتحدث معه عن الكتابة و الفكر و البنى الثقافية و أشياء كثيرة أخرى تغيب عني حينا ثم تعود..عيسى هو الشيخ الوحيد الذي لا يعطيك نصيحة أبدا مهما ألححت لكنه يحاورك حتى تجد الجواب بجهدك الخاص.التقينا و هو شيخ و أنا شاب مراهق لكن ما أحسست و ما جعلني أشعر أبدا أن ثمة فارق عمر بيننا و إنما عقل يحاور عقل فكل فكرة تشق آفاق الفضاء للكشف عن فضاءات أرحب. و عيسى لا يتحدث إلا من منطلق جمالي و هو حينما يفعل ذلك يجعلك تشعر بالجمال و الحب و الحرية و الحقيقة و كل معاني الإنسانية العميقة و لا يحب التعبير عن حبه بكلام لكن كل حركة تجعلك تشعر أنه يحبك؛بل يحب كل ما في هذا الوجود..الأفكار عنده دائما متفجرة و يقظة و تنتظر حاصدوها في وسائد من غيم. و لا أعرف لماذا أكتب هذا الأن و لكن ثمة صوت يدفعني دفعا لأعبر عن حبي لهذه الروح الخالدة التي ما غاب عنا سوى جسدها و قبل أيام فقط تمكنت من البكاء على من فقدناه و كسبناه للأبد و ما غابت عنا ذكراه.و هنا أتذكر بيت عاشق آخر من عشاق الوجود و محرضي الناس على الحياة و هو الشاعر Anas Mustafa في بيته الشعري
كأنك أجلت الخسارات كلها لتأتي ناحلا هكذا
فاتك النور حبيبي
و أنا حتى الأن لا يساورني شك في أن عيسى لا يزال حي في عقول أحبابه و قرائه و في الأثر اللطيف الذي خطه في كتاب الجماليات السرابي هذا الذي أجترحه اليونايون و كتب كل من أستطاع ممن مر بالعالم من المأخوذين بهذا المنحى حرفه. و هو كتاب باق إلى الأبد و هو واحد في أصله و لو تشكلت معانيه. لم يكن رحيل جسده سوى إيذانا ببداية طبقة أخرى من وجوده.
2-مجاهد التوم..خدن الروح؛يمكن أن تلاقي أناس كثر في الحياة؛لكنك تلاقي مجاهد مرة واحدة فقط.و لأن مجاهد حضورا في عالم الأجساد هذا فإني أكتفي من القول بهذا القليل لأن ذكر تفاصيل الحب تعمي عن حقيقة الحب..و كشف ما بطن من حدائق قد يشوش الجنايني و ينسيه عن سقي الحدائق. مجاهد عنده روح جلال الدين الرومي الذي دعته في عصر بعيد بالسنوات قريب بالمعاني و النفحات إلى قوله الشهير (مهما كنت أو تكن؛تعال)
3-صديق محمد أحمد؛الدرويش الذي باع الدنيا و كسب الوجود بما فيه..هو كاتب روائي أحيانا؛أحيانا صحفي و أحيانا موزع بلح في الطرقات و مرة عاشق لمدح كتابات كل من عرفهم.عنده ايمان أن كل سوداني أو سودانية يكتبان يستحقان التشجيع و كثير ما أختلفت معه اختلاف أحبة في هذا المنحى لأن ثمة كتابات هي ضد فكرة الكتابة أصلا.رافقت صديق زمنا طويلا لكن قل ما شعرت أنني ألتقي بكاتب لأن قدرته الهائلة على الأنس في كل ما يجري في الحياة حوله أو في داخله تنسيك كل ما تعرفه عنه و ترى أمامك شخص متجرد من كل ما يجري في هذا الوجود في ذات لحظة اندماجه بكامله فيه.و لن أكتب أكثر لأن ذكر الفضائل قد يعمي من فضل عن عن ما فيه من بقية الجمائل.صديق هو الصوفي الوحيد الذي حول الحياة إلى نكتة ساخرة حينا و داعية للتفكير فيها حينا آخر.
4-يظهر في الصورة الرابعة انسان يحاول أن يفهم أشياء كلما فقد بريق أشياء..مصاب بلوثة الحياة تقريبا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى