الأعمدة

وداعا محمد الامين يا جميل يا رائع : بقلم: أمير شاهين

محمد وردى في مقابلة تلفزيونية : محمد الأمين بلا شك موسيقار عظيم "

بقلم: أمير شاهين
من المؤكد ان رحيل الاستاذ الموسيقار محمد الأمين واسمه بالكامل محمد الأمين حمد النيل الطاهر الازيرق ويلقب بالباشكاتب كان اخر عمالقة فن الغناء والموسيقى في السودان وهذا يعنى ان الموسيقى السودانية قد ترملت الان واتشحت بالسواد! وكما قال الشاعر اسحاق الحلنقى قبل 7 سنوات وهو فى قمة احباطه من حالة الجفاف والتصحر والركود فى الساحة الفنية ” بصراحة عايزين (100) سنة عشان نجيب فنانين زي “وردي” والكابلي” و” ود الأمين ”
يعتبر الكثير من النقاد بان وردى والكابلي ومحمد الامين عليهم جميعا الرحمة كانوا بمثابة الاهرامات الثلاثة فى الموسيقى السودانية ومع كامل الاحترام والتقدير لرواد الجيل الاول من الفنانين الا ان هؤلاء الثلاثة شكلوا حالة ابداعية استثنائية بما قدموه من ابداع باهر وباذخ ومن الصعب تكراره فقد حلقوا بالغناء السوداني الى افاق وسماوات رحبة وعالية ودفعوا بمسيرته الى ان اوصلوها الى قمم سامقة. فاذا كان الكابلى هو اديب الفنانين وشاعرهم باحتفائه الكبير بالكلمة ووردي امبراطور الالحان وبديع الغناء فان محمد الامين كان هو بلا جدال موسيقار الفنانين بملكته العالية و موهبته فى الغناء في السلم السباعي وتفرده في عزف العود بما يضعه في قائمة اساطين العزف على هذه الالة في العالم العربي مثل فريد الاطرش و السنباطي و منير بشير و نصير شمة العراقى ! كما ان الفنان الراحل كان يمتلك أجمل الاصوات واقواها وهو ما يعرفه الموسيقيين بالصوت الجهير والعميق Bass voice وهي طبقة صوتية نادرة الوجود والسودانيين بصورة عامة يفضلون المغنيين الذين اصواتهم في طبقة التينور الحادة او الصادحة Tenor والباريتون Baritone اصوات الرجال العميقة والتي هي في المنتصف بين التينور الصادح و الباص الجهير وعندنا في السودان كان المطربين عبد التواب عبد الله وعبد العزيز داوود ومحمد الامين خير مثال لأصوات الباص او الجهيرة.
ولأن لاش يأتي من فراغ , فالحالة الابداعية و الموهبة الكبيرة لدى الفنان الراحل محمد الامين تعود لولادته و نشأته فى مدينة ود مدنى هذه المدينة والتي يحتضنها بحب وحنان النيل الازرق اجمل انهار العالم قاطبة تتنفس شعر وغناء و تتغذى موسيقى وفنون وكأن النيل الازرق يسقيها مع الماء ابداع و امتاع , فاذا كانت ام درمان هى مصنع الابداع فى السودان فان ومدنى كانت بلا شك منبع هذا الجمال, فهي الى جانب محمد الأمين قد انجبت الكاشف رائد فن الغناء السوداني المعاصر و ابوعركى البخيت الرمضانين ( رمضان حسن ورمضان زايد) وعبدالعزيز المبارك وعصام محمد نور . ومن الشعراء الباذخ فضل الله محمد وبدوي بانقا وكباشي حسونه ، ومدني النخلي , اما الشاعر على المساح فقد كانت شاعريته معجزة و عبقرتيه متفردة , فهذا الشاعر والذى نظم اجمل و ابدع الاشعار كان اميا تماما لا يعرف القراءة و الكتابة و لم يدخل المدرسة حتى ان بعض الناس قد شك فى انه صاحب هذه الاشعار فقد كان يحمل معه دائما فى جيبه ورقة وقلم حتى اذا ما جاءه الالهام او شيطان الشعر كما يقولون كان يستوقف اقرب الناس اليه و يناوله الورقة و القلم ويقول له اكتب ما امليه عليك وذلك حتى لا ينسى شيئا مما يجول فى ذهنه من الاشعار و يتجلى ابداع المساح فى قصيدته الخالدة والتي تغنى بها الكاشف والكثير من المطربين “الشاغلين فؤادي ” . . وكانت أولى دروس محمد الأمين في الموسيقى تلقاها في منزل الاسرة وهو مازال طفلا من خاله الأستاذ بلة الازيرق وبعدها في المدرسة كان من حسن حظه بان معلمه السر محمد فضل كان عاشقا للموسيقى ويجيد العزف على العود ولما رأى بذرة الابداع وحب الموسيقى في تلميذه محمد الأمين تعهده بالرعاية وعلمه العزف على العود وشجعه في السير في هذا الطريق، ألم اقل لكم ان مدينة ود مدني قلب الجزيرة الخضراء مدينة الابداع والمبدعين؟ وبعدها كانت النقلة الكبرى في حياته الموسيقية عندما التقى بالموسيقار المشهور محمد ادم المنصوري خلال التحاقه بموسيقى بوليس النيل الأزرق والتي اتاحت له معرفة قراءة النوتة الموسيقية والتعرف على اساسيات علم التوزيع الموسيقى وخصائص الات النفخ النحاسية مثل الترومبيت (الطرمبة) والساكسفون والتر مبون وخلافهم
في العاصمة التي وصل اليها محمد الأمين مع رفيقه وابن مدينته ابوعركى البخيت في منتصف الستينيات من القرن الماضي انطلق محمد الأمين وكانت ضربة البداية القوية والتي اقتحم بها الإذاعة واذان المستمعين هي اغنية ” انا وحبيبي (يا حاسدين غرامنا يا قاصدين خصامنا) من كلمات الشاعر محمد على جبارة وحينها أدرك الجميع بان هناك نجم في طريقه الى التوهج وموهبة سوف تفرض نفسها عاجلا! وليس اجلا إذا ما واصل على نفس المنوال
ونواصل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى