الأعمدة

بين السلميه والهبوط الناعم.. وسيادة العقل العاطفي


كتب : د. مجدي اسحق

إنتشر بين الأسافير مقطعا قصيرا للسيد صديق الصادق المهدي يؤكد أنه يدعم الهبوط الناعم إستنادا على أنه يؤيد التغيير السلمي ويرفض التغيير العنيف المسلح(الهبوط الخشن). نجد أن معظم ردود الأفعال كانت تصب في أنه دليل إدانة وإعتراف والبعض أضاف إليها بعض حروف التقدير لشجاعته في الوضوح والإعتراف والتي كانت لاتخفي مشاعرها السالبه وسط هذا الإحتفاء.
هذا التصريح وانعكاساته يعكس لنا سيادة جرثومة العقل العاطفي التي ظل علم النفس السياسي يحاربها لما لها من تأثير سالب على الوعي ومسار التغيير.
جرثومة العقل العاطفي هي آفة العقل المنطقي الموضوعي الذي نحلم بتأسيسه. العقل العاطفي مأزوم لا يقودنا للهدف لأن هاجسه تفريغ شحنة العواطف وليس الوصول للحقيقه.. جامد لا يستصحب المتغيرات.. يبدأ بالنتائج ثم يبحث عن التبرير ولا يفكك العوامل المؤثره ويتجاهل المنطق والأسباب الموضوعيه.. وخير مثالا عندما تقرر مقاطعة صديقك لعدم حضوره لتعزيتك في فقد عزيز.. حيث هو قرار يبدأ بالنتائج هدفه التفريغ عن الغضب.. يبحث عن أسباب لتبرير القرار ولا يبحث عن أسباب غيابه.. ولا يقبل أي عوامل منطقيه قد تفسر موقفه. إن العقل العاطفي أزمته يؤمن إن موقفك هو الحقيقه مادام قد صرحت به وليس رأيا يحتمل الخطأ والصواب وأن الحقيقة قد تكون مع الآخر.
نجد أن السيد صديق وقع فريسة جرثومة العقل العاطفي عندما ظن أن عدم إمتلاكه جيشا في معركة التغيير يعني صواب منهج الهبوط الناعم…. ووقعنا نحنا قوى الثوره أيضا فريسة لجرثومة العقل العاطفي تفريغا لغضبنا بأن الهبوط الناعم يعني الخيانة والإستسلام للعسكر.
إن العقل المنطقي يطالبنا بالسيطره على جراثيم العقل العاطفي بالسيطره على عواطفنا المنفلته والنظر للواقع بموضوعية يحكمها المنطق وقوانين التغيير.
إبتدا يجب ضبط المفاهيم حتى نرسم إطار الحوار والإختلاف. الهبوط الناعم كمصطلح يستعمل على مستويين أحدهم مقصود به الوسائل ويعني التغيير السلمي الذي لايصطصحب العسكر أو العنف.. والمستوى الآخر يستعمله كنتيجه تعني التنازل للعسكر والموافقه على مشاركتهم السلطه.
نجد أن هذا الخلط قد جعل الحوار مأزوما يبدأ بالتراشق والهجوم وينتهي بالتمترس في المواقع والجمود.
هذا الخلط وعدم ضبط المصطلحات فتح الباب لجرثومة العقل العاطفي لتقودنا في دوامة عدم التقدم والدوران حول مكاننا حيث نجد دائرتين لا تلتقيان.
دائرة تحاصرها مشاعر الضعف بمقدراتنا في التغيير فترى أن الهبوط الناعم هو الطريق الوحيد ووسيلتنا المتاحه للتغيير وهو سيقودنا لنتيجة واحده ليس أمامنا سوى القبول بها وهي التنازل والقبول بدور للعسكر.
الدائره الثانيه يحكمها الغضب ترى أن الهبوط الناعم يعني القبول بدور للعسكر وهذا يعني الإنتهازيه وخيانه أحلام الجماهير.
إن العقل المنطقي يعري جراثيم المشاعر المتفلته في الدائرتين ويعكس خطل رؤيتهم بتأكيد الآتي..
أولا
إن النضال السلمي ليس خيار العاجز فرضته علينا الظروف بل خيارا واعيا يستند على العلم والواقع والتجربه.
ثانيا
إن النضال السلمي لا يعني أنه أقل قدرة في تحقيق التحولات الجذريه و علينا فتح أبواب التنازلات.
ثالثا
من يؤمن بأن التنازل ومشاركة العسكر ضرورة مرحلية تحكمها قراءة الواقع لاتعني بالضرورة إنتهازية وخيانه وقبولا بالظلم وتجاهلا للقصاص.
إستنادا على هذه المرتكزات يجب ان نترك للعقل المنطقي أن يقودنا في دروب التغيير ونفارق واقع الترهل والجمود في خطوات معلومة وثابته
الخطوه الأولى
الإيمان بأن التغيير لن تحققه شريحة دون الأخرى وإن الإختلاف بين لجان المقاومة و الأحزاب وبين الأحزاب في بينها لا يعني بالضرورة التشظي والتخوين ولا يعني بالضرورة تجاهل نقاط الإختلاف وعدم العمل عليها.
الخطه الثانيه
الإيمان بأن المواقف تستند على رؤى نزعم إنها الحقيقه ولا تعني تخوين الآخر ونفيه.. ويجب ان يقوم الحوار على المعطيات وليس المشاعر وان تقدم قوى الثوره التي تؤمن بالتغيير الجذري رؤيتها في كيفية تحقيق ذلك.. وأن تقدم قوى الثوىه التي تؤمن بالتمرحل كيفية تحقيق ذلك مع تجربة الإنقلاب وعدم مراعاة المواثيق وكيفية تحقيق العدالة وبناء دولة المؤسسات
الخطوه الثالثه..
الإتفاق على أن النضال السلمي ليس خيار العاجزين بل هو خيار القوه و العلم والمنطق. إن القراء العلميه قد أثبتت أنه أكثر فاعلية في تحقيق الأهداف وأنه الأكثر ضمانا لإستمرارية هذه الأهداف. بل أثبت العلم أنه في المائة عام الماضيه كان النضال السلمي كان أكثر فاعلية من النضال المسلح في أكثر من ضعف الثورات وأنه أقدر على المحافظة على الأهداف بأكثر من ثلاث أضعاف النضال المسلح.هذا الإتفاق ليس درساً أكاديميا بل سلاحا مهما قد يجعل قوى التمرحل أكثر إيمانا ويقينا بإمكانية تحقيق التغيير الجذري.
الخطوه الرابعه
الإتفاق على وحدة النضال السلمي والتنسيق بين قوى الثوره. ضرورة مراجعة نقديه شفافه لتجربة النضال ضد الإنقلاب ومدى تطابقها مع مفهوم النضال السلمي. مراجعة تجربتنا إستنادا على حقائق العلم السياسي التي تؤكد
(أ). إن المسيرات وحدها لايعني النضال السلمي.. وإن تكرار وسيله واحده من أدوات النضال السلمي هو أكبر مؤشر لإحتمال الفشل في تحقيق الهدف.
(ب). قوة النضال السلمي يعتمد على إستنزاف العدو إقتصاديا وإجتماعيا ونفسيا في معركه متصله متكرره مدروسة.
(ج). نجاح النضال السلمي يعتمد على شموليته بلا إقصاء فلا أحد يحتكر النضال بل يسعى لإستقطاب الجميع من فئات عمريه واجتماعيه وإثنيه.هذا الجمع يحتاج لقيادة تنظمه وتجعل منه جيش النضال السلمي في تنفيذ معاركه السلميه.
(د). النضال السلمي ليس إحتجاج ينتظر إنهيار العدو بل معارك مرسومة بإستراتيجية واضحه صعودا لتصل مرحلة تركيع العدو.. لذا وجود قيادة معلومه ترسم الخطط تراجع المواقف وتقيم النتائج وتتواصل مع قواعدها تحارب الإحباط وتزرع الأمل هو حجر الزاويه في معارك النضال السلمي
أحبتي
هذه رساله لكل قوى الثوره والتي تمثل كل قطاعات شعبنا الا من أبى ومنعته مصالحه الضيقه أو إنتماءه لقوى البغي والعدوان….. تعالوا لكلمة سواء
لا أحد يمتلك الحقيقه..
ولتكن البدايه ان نحارب العقل العاطفي وسيطرة مشاعرنا المتفلته… نترك القياد للعقل المنطقي ليرسم لنا مسارب الطريق نبني جسور الثقه ننظر لما يجمعنا فهو أكبر… فإن فعلنا فإننا عما قريب سنفتح أبواب السلم والحريه ولو كره المرجفون..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى