ماذا لو تصالح البرهان وحميدتي بعد كل هذا الخراب..؟ ليس للحروب اخلاق ولا للسياسة ثوابت ولا للصراعات على كراسي الحكم مبادئ .!
تذكرت تلك العبارات وقد قالها لي أخ وصديق صحفي من دولة الجنوب الشقيقة ..وضرب لي مثلا في تلك الجلسة العابرة في إحدي مقاهي الخرطوم عقب الاتفاق الذي تم بين الرئيس الفريق سلفا كير ميار ديت ونائبه الدكتور رياك مشارك بعد أن بلغ الصراع بينهما وفاق مايصنع الحداد كما يقول المثل وذلك بعد سنوات قليلة من انفصال دولة الجنوب !
فقد دارت بينهما حرب ضروس على السلطة اصبح خلالها مشار طريدا في الغابات يحوم راجلا حتى تورمت قدماه واصبحتا قاب قوسين أو أدنى من البتر .
ولم يتسنى لأحد أن يحصي عدد ضحايا ذلك الصراع بين الرجلين من جنود الطرفين والمواطنين البسطاء فضلا عن الذين هربوا إلى الدول المجاورة أو تاهوا في الاحراش وكل كوارث الدمار الذي طال البنى التحتية على بؤسها الى اخر تلك المأساة التي أنهى فصولها الرجلان بالإرتماء في حضني بعضهما في اكبر فنادق واحدة من دول الجوار وانتهى بهما الصلح إلى الجلوس معا في القصر الرئاسي حتى الآن وانتهى عزاء الضحايا بمراسم الدفن هذا إن كانوا وجدوا من يواريهم أو موطئ رمس في ذلك الثرى الغارق في بحور الدماء !
وانا استعيد تلك السابقة وربما يكون هنالك أخرى تماثلها في أماكن أخرى و أقربها في كينيا التي احترقت الجثث في اوار شوارعها عقب انتخاب أحد مرشحي الانتخابات الرئاسية وعدم اعتراف أنصار منافسه بتلك النتيجة مما تطلب تدخل محكمة الجنايات الدولية في لاهاي باستدعاء الرئيس اهورو كينياتا الذي ذهب وعاد بكل شجاعة واقدام بعد تبييض صفحته من سواد التهم الموجهة إليه في ذلك الصدد!
الآن وبعد كل هذا الخراب والدمار و الموت و الانتهاكات ومأساة شتات شعبنا في أصقاع الأرض ..ماذا لو ان البرهان وفي حالة استعصاء النصر الذي ظل يتبدد أمامه تباعا كالسراب مع سقوط حامياته وضمور أحلامه حتى باستعادة عاصمة دولة انقلابه إلى درجة إذ لم يعد هناك جحر على حجر في مبنى قصر الدولة الجمهوري كابسط مثال .
ومن ثم أيقن غريمه حميدتي بالتالي بأن التوسع في خم التراب غربا ووسطا لن يجدي نفعا مع عدم وجود الحاوية الشعبية التي يرحل عليها ذلك الحصاد البائس بعد ان فقد القيمة الأخلاقية التي سلبته فائدة كل الذي سرقه من خلف غفلة هذه الأمة ليقيم لنفسه زعامة لاتقف على سيقان تاريخ ذاتي ولا جراء عقلية تؤهله لكل الذي حصل عليه من مال وسلطة و قوة واكتشف مثل غريمه أن الحرب لن تبقي لهما مشطا يصطرعان عليه وهما الاصلعان من أي شعر للفهم على رأسيهما الفارغين يمكن أن يعيش فيه قمل غبائهما الماحق !
وماذا سيكون مصير دعاة استمرار الحرب الذين لازالوا يسعون إلى إعادة بناء ماضيهم فوق رماد ما تبقى من حطام الوطن!
هل سيحاربون الطرفين غضبا من غدر ذلك الصلح المحتمل أن هو تم ؟
أم أنهم سيحركون عجلات فقه الضرورة بعد نفخها بهواء الغاية تبرر الوسيلة طالما أن الأمر سيكون محض جسر لعودة الماضي المتساقط من ثقوب جراب التمكين ؟
و كله يصبح جهادا مشروعا و مبررا من أجل..
(هي لله لا للسلطة ولا للجاه ) !
أنه مجرد خيال صحفي قد يتسع أفقه أو يضيق.
ولكن يصبح هذا في لغة الحروب كله جائز وفي عرف السياسة يظل واردا وفي تجاذبات المصالح يسمى بالإنتهازية !