الأعمدة

من ذكريات السيارات في السودان سيارة الفولغا الروسية السيارة الدبابة

قررت الحكومة الروسية إعادة انتاج وتصنيع سيارات الفولغا الشهيرة بعد توقف عن الإنتاج لمدة طويلة وذلك على ضوء العقوبات الغربية على روسيا بسبب الحرب الأوكرانية وهذه العقوبات أدت الى انسحاب العديد من شركات تصنيع السيارات الغربية من السوق الروسية، وكان لابد لروسيا من العمل على سد هذه الفجوة وذلك بإعادة انتاج السيارات الروسية بمواصفات عصرية تعمل على تلبية احتياجات السوق الروسية وهذا يذكرن بالمثل الذي يقول ” الخواجة لما يفلس بيفتش في دفاتره القديمة “. و”الفولغا” هي سيارة صالون بدفع خلفي تمتلك شعبية في روسيا لا سيما بين الأجهزة الحكومية في السبعينات والثمانينات لكونها واحدة من أقوى السيارات في العمل ولها تقدير خاص في نفوس الروس اذ انها تذكرهم بأيام امجاد الاتحاد السوفيتي الدولة صاحبة المهابة و التي كان يخشاها الجميع بما فيهم الولايات المتحدة وقد جاءت تسميتها من نهر الفولغا الشهير وهو نهر روسي ويعتبر من أطول انهار أوروبا و اغزرها في كمية المياه وهو لدى الروس من اهم الأشياء التي يفتخرون و يعتزون بها (يعنى عندنا مثل النيل ) وخبر إعادة انتاج الفولغا والتي من المتوقع ان ترى أولى السيارات الجديدة النور في هذا العام (2024) أعادني الى فترة السبعينات من القرن الماضي حين كانت الفولغا الروسية تجوب شوارع الخرطوم وكل المدن السودانية الكبيرة جنبا الى جنب مع السيارات الإنجليزية واليابانية التي كانت حديثة العهد في السودان في ذلك الزمن. والفولغا كانت سيارات كبيرة الحجم وتتميز بالقوة شانها كشأن كل الصناعات الروسية التي تهتم في المقام الأول بالمتانة ولا تعير موضوع الاناقة والجمال والرفاهية اهتماما كبيرا وكان كثير من الناس يتندرون بذلك ويقولون بان الروس كانوا في البداية ينوون صناعة دبابة مقاتلة ولكنهم وفى مرحلة التصنيع الأخيرة قد غيروا رايهم وقرروا انه من الأفضل ان تكون سيارة لنقل الركاب بدلا من الدبابة وهكذا ولدت الفولغا خليط من دبابة و سيارة ! ، وكانت اغلب هذه السيارات تعمل كسيارات اجرة ( تاكسي) نسبة لقوة تحملها و اقتصاديات تشغيلها وهذه هي اهم الصفات التي كانت مطلوبة للعمل كسيارات اجرة . ومن ذكرياتي الطريفة مع هذه السيارة ان والدي الباشمهندس احمد على شاهين كان وقتها رئيس لنادى التحرير البحراوي وكان عليه الرحمة طويل القامة وضخم الجثة وكان يمتلك سيارة اوبل كاديت صغيرة الحجم ( مينى) وفى مرة كان يقود هذه السيارة فلمحه الفنان إبراهيم أبوديه البحراوي الجميل وفردة ثنائي العاصمة عليه الرحمة وكان من ظرفاء بحرى المشهورين بسرعة البديهة و اطلاق النكات فقال لأصدقائه انه كل ما يشوف شاهين يقود هذه السيارة الصغيرة فانه يجيئه الإحساس بان شاهين يرتدى حذاء ضيق , ولما سمع والدى هذا الكلام ضحك وقال صدق ابودية فيما قاله وبعده قام بشراء سيارة الفولغا التي كانت تناسبه في الحجم , واذكر بانني كنت واحد من ضحايا اقتناء هذه السيارة الدبابة فقد كنت المكلف بتزويدها بالمياه في الرادياتور( اللديتر في العامية السودانية ) في الصباح الباكر قبل ذهاب والدى الى العمل وكانت هذه السيارة تستوعب في جوفها كميات كبيرة من المياه يعنى زي جردل كبير او جردلين في بعض الأحيان وعندما تتعطل بطاريتها و تحتاج الى ( دفرة) فهنا لابد من اشراك اغلب شباب الحلة في هذه العملية نسبة لضخامة السيارة و ثقل وزنها ولكن في المقابل فأنها كانت بحق سيارة ” جمل شيل” فقد كنت ولدهشتي الكبيرة اشاهد ان عدد كبير جدا من لا عبى فريق التحرير وهم محشورين في هذه العربة ويقودهم ابى الى التمارين او المباريات . وبصورة عامة فقد ابلت هذه السيارة بلاء حسنا في السودان وخصوصا في المدن التي تشتهر بكثافة الرمال التي تعوق حركة السيارات ففي الأبيض مثلا كانت هي السيارة المفضلة للعمل هناك. والفولغا ليس لديها سجل طيب فقط في السودان , ففي العراق مثلا يسمونها ” البعيرة” نسبة لتشابهها مع حيوان الجمل في قوته و صبره وفى ذلك يقول احد سائفي الأجرة العراقيين الذين كانوا يقودون هذه السيارات منذ السبعينات أن “الفولغا كانت السيارة المفضلة لدى شيوخ العشائر والوجهاء وكبار الموظفين والقضاة كونها قوية وتعمر طويلا وكانت تصل الى العراق بنفس المواصفات التي تصنع للمواطنين الروس داخل بلادهم وانها كانت سيدة الشارع في حقبة السبعينيات، وكان الناس يعشقونها بسبب متانتها وقلة اعطالها وتحملها لوعورة الطرق في العديد من المناطق حينها .
بالتأكيد لا تحظى صناعة السيارات الروسية بنفس شهرة السيارات الغربية او اليابانية وهناك مقولة مشهورة في العالم تقول اذا اردت سيارة فعليك بأمريكا واذا اردت سلاح فعليك بروسيا) والسودانيون من اكثر الشعوب التي خبرت صناعة السيارات الروسية مثل الفولغا و الموسكوفيتش والتي لم تكن سمعتها جيدة و أخيرا سيارات اللادا وهى سيارات روسية صنعت بالاشتراك مع الفيات الإيطالية. فهل يعيد التاريخ نفسه ونرى من جديد الفولغا تجوب شوارع الخرطوم (وهذا طبعا بعد انتهاء هذه الحرب اللعينة) وبقية مدن السودان ام ان التاريخ لا يعيد نفسه؟
والى اللقاء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى