الشقالوة ..شندى مرقد الاصفياء
كالعادة عربة الإسعاف العسكرية تشق عتمة الليل لا يميزها الا إشارات الضوء المتقطعة وهدوءها الشديد وخلفها عربة أخرى بذات الإشارات والهدوء يقطعان الاسفلت في اتجاه الشرق ..صمتا تجاوبه سكونا جنبات الطريق ووحشة تطالعها المنازل وشجيرات الزروع النازلة اتجاه النيل وكأنه ينسال دمعا ويزفر حزنا تحمله نسمات حاره تلف الموكب المهيب .. هذه المره وبسبب انقطاع الكهرباء لم يسبق الحضور المهيب مكبرات الصوت من مئذنة المسجد وهي تطلب من شباب القرية سرعة التوجه الي المقابر للتجهيز فسينضم للراقدين هناك شهيد جديد..في كل مره يمر فيها هذا الموكب يجدني واقفا في ذات النقطة تسرقني النظرات وتملأني العبرات وكأني اسأل الجسد المسجي من يكون ؟؟ أين ولد وكيف عاش ؟؟ كيف أصيب وكم نزف من الجراح ؟؟ ترى أين أهلك وكيف هم أسرتك وهل تسني لك وداعهم أم تسارعت بك خطوات الرحيل ؟؟ حقا لا تدرى نفس بأي ارض تموت ..حكايا الحرب من نزوح ولجوء ومواجهات تمتد آثارها لتكون مصداقا لأقدار الله فمقابر القرية حديثها عجب فقد تجاوز تعريف ساكنيها حدود أهل المنطقة الي أجساد اخري بتعريفات وافدين ونازحين وجرحي قضوا نحبهم ودفنوا فيها ..والقرية في كل حين تنزع من دمائها لتسقي شرايين أولئك من مرضى و جرحي وتأخذ من قوتها لتطعمهم ثم تأخذ من صبرها وتزيد في كساء حزنها وهى تحفر قبورهم و تودعهم بما يليق صلاة وإستغفارا ..قريتي الشقالوة ريفي شندى موقعها جعلها تجاور مقر قيادة الجيش وقد تفوقت في حق الجار فأتسعت ارضها لتحتوى أجساد شهداءه وسالت دموعها وتعرقت جباه ابناءها في وداعهم ولا زالت مساجدها تسأل الله العلي القدير لهم القبول وسيبقون في ذاكرة الأرض ملمحا راسخا للتضحية ومهرا لفجر قادم ..وانا لا زلت آوى الي ذات النقطة علي رصيف الهدوء وعسي ان يطول الانتظار دون مرور سيارة الإسعاف العسكرية شرقا بذات الهدوء..