ذكريات العيد حلاقة الشعر للعيد وعبد العظيم الحلاق
كنا ونحن صغار ننتظر العيد بفارغ الصبر لارتداء الملابس الجديدة و زيارات الاهل و الاصدقاء و اللعب بالمراجيح و زيارات الحدائق العامة وخلافه و لكن الاهم هي تلك النقود التي كان يمنحنا لها الكبار كعيدية و كانت تلك العيدية تسمح لنا بشراء الحلويات التي كنا نحبها كثيرا في تلك الايام مثل حلاوة لبان و التي كانت في اشكال كرات صغيرة حمرا شهية تسر الناظرين و تسيل اللعاب و حلاوة نعناع من انتاج عملاق صناعة الحلويات في ذلك الزمن” حلويات سعد” ومعهم بسكويت كوكو و الذى كان من نوعين بالغلاف الازرق و هو بالفانيليا و بالغلاف الاحمر الداكن وهو من الكاكاو وكنت انا و معي مجموعة كبيرة لدينا هوس ببسكويت كوكو الأبيض وكنا نحرص على شرائه حالما نمتلك بعض المال ! وتبقى حلاقة الشعر من اهم متطلبات العيد، وفى ذلك الوقت كان الحلاقين عملة نادرة في بحري ويمكن عدهم بأصابع اليد ولعل أشهرهم كان ابوالهول والذي كان أ أحد ظرفاء المدينة وشمس الدين صاحب المقولة المشهورة ” مسكين يا شمس الدين” وكان محله شرق مرطبات هافانا وجار للعجلات الشهير ابوالشيخ. ولكن كان الحلاق عبدالعظيم هو الوحيد الذى اذهب اليه للحلاقة دون غيره فقد كان صديقا للمرحوم والدى الباشمهندس احمد على شاهين كان والدى في ذلك الزمن يتولى رئاسة نادى التحرير العريق و كان عبدالعظيم من كبار مشجعي النادي المتعصبين المهووسين بحب النادي حتى انه صدر قرار من الاتحاد المحلى بمنعه من حضور مباريات التحرير و ذلك لكثرة شغبه و معاركه الدامية و الحامية الوطيس مع حكام المباريات و مشجعي الفرق الاخرى الذين كانوا يغيظونه عندما يتعرض التحرير للهزيمة و كان عبدالعظيم قوى البنية و ذو قبضة(بونية) قاتلة جدا وعبدالعظيم لم يكن في هذا الامر استثناء فقد كان لنادى التحرير على الدوام وعلى مر الاجيال لديه من المشجعين المتعصبين والشرسين من امثال عبدالعظيم الحلاق مرورا بعبدالوهاب دهب ( وهبة) ومحمد سعدالدين المشهور ب ” تسعة” الذى صار مضرب المثل في تشجيع التحرير وان كان تسعة لا يدخل في معارك و قتال مع الاخرين مثل عبدالعظيم الحلاق و عبدالوهاب دهب بل يكتفى فقط بأطلاق اللعنات و وصب جام غضبه على الجميع عند هزيمة التحرير ابتداء بحكم المباراة مرورا بالإداريين الغير مؤهلين لإدارة النادي و انتهاء باللاعبين الذين لا يعرفون قيمة الشعار الذى يرتدونه .
كان دكان عبد العظيم يقع شرق سوق الخضار ويحتل ناصية شرق شاع المزاد مقابل مطعم منى في نفس الشارع الذي توجد به محلات التماسيح وورشة المعلم شوكت عبد الرحمن وعلى مسافة قريبة جنوب مقر نادى التحرير الحالي وفي نفس الصف الى الجنوب منه كان يقع نادى العمال في بحري والذي تمت ازالته ضمن معالم كثيرة اختفت وازيلت في زمن حكم الإنقاذ! واذكر بان دكانه كان ملتقى محبى و عشاق كرة القدم فى بحرى بصورة عامة و محبى نادى التحرير بصفة خاصة و عبدالعظيم كان فى نفس الوقت رئيس فريق العملاق ذو السمعة الكبيرة في رابطة الختمية و يتربع على القمة و لا ينافسه الا فريق البحيرة وهو فريقى الذى كنت اشجعه بوصفه فريق الحلة الختمية غرب وكان ايضا عضو فى ادارة نادى الاملاك و الذى كان فى ذلك الوقت من السبعينيات في الدرجة الثالثة و كان الدكان ملئ حتى النخاع بصور نادى الاملاك و العملاق و التحرير ولا يكاد يخلو موقع فى الجدار الا و به صورة من لا عبى تلك الفترة الذهبية, وكان يعمل فى الدكان مع عبدالعظيم المرحوم جمعة و المرحوم سفيان . وكان في اثناء الحلاقة يتجاذب أطراف الحديث مع أحد أصدقائه في الدكان وكان الحديث كله يدور عن مباريات التحرير والذى كان وقتها واحدا من اقوى الفرق الرياضية في السودان بجانب الهلال و المريخ و الموردة، فاذا كان التحرير منتصرا في مباراة الامس كانت حلاقته لي انيقة و جميلة اما اذا كان التحرير مهزوما قبلها فحدث ولاحرج خصوصا عندما يشتد النقاش و الجدل مع احد أصدقائه اثناء الحلاقة فيكون رأسي هو الضحية هذا اذا علمنا بان أدوات الحلاقة في ذلك الوقت كانت تتكون من المقص و ماكينة قص الشعر اليدوية اذ ان الماكينات الكهربائية ام تكن موجودة في ذلك الزمن كانت في بعض المرات تسبب الحفر و المجاري في الشعر وهو ما يعرف بالزعمطة والتي كانت كثرا ما تحدث لي بسبب هزيمة التحرير . وبعدها سافر الحلاق عبد العظيم واغترب في السعودية، وكانت اخر مرة قابلته كان ذلك في مدينة جدة في أواخر الثمانينات من القرن الماضي وقد فرح جدا بلقائي وقضينا وقتا طيبا وبعدها عرفت بخبر وفاته عليه الرحمة فقد كان انسان جميل طيب القلب حسن المعشر خفيف الظل لا تمل ابدا من الجلوس معه. نسأل الله ان يرحم العم عبد العظيم على النور ويغفر له ويدخله فسيح جناته
وكل عام وأنتم بخير