بعد عام من الحرب … خارطة السيطرة بين طرفي الاقتتال في السودان
على الرغم من تحول الجيش من خانة الدفاع إلى خانة الهجوم وتمدده خلال شهر مارس الماضي، في عدد من أحياء أمدرمان القديمة واستعادته لمباني الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون، التي تحتل موقعا استراتيجيا على شارع النيل الرئيس بالمدينة، إلا أن الدعم السريع ما زال يسيطر على الجزء الأكبر من عاصمة البلاد.
سيطرة الجيش داخل مدينة أمدرمان تشمل المنطقة كلها من سلاح المهندسين إلى منطقة كرري العسكرية وبعض أحياء صالحة حتى مربع 13، فيما لا تزال قوات الدعم السريع موجودة في عدد من أحياء أمبدة، ومن امتداد مقر الجامعة الإسلامية حتى الجموعية.
وكان مصدر من الجيش أكد لـ (التغيير) وجود نقص كبير في السلاح والذخيرة في عاصمة الولاية مع وجود قوات لا تتعدى 400 فرد لم يتمكنوا من صد الهجوم الكبير من الدعم السريع واضطروا للانسحاب.
وأضاف: “كنا نطلب من قائد الحامية اللواء ركن أحمد الطيب الإمدادات، لكنه كان يقول إنه لا يمتلكها، وأن مخازنه فارغة”.
أخيرا؛ سقطت جميع محليات ولاية الجزيرة في يد قوات الدعم السريع ما عدا محليتي المناقل و24 القرشي، فيما هاجمت تلك القوات أكثر من 50 قرية، وتعرض العديد من السكان للقتل والنهب والترويع. وتنتشر القوات خلال نهاية مارس المنصرم في قرى غرب سنار.
وكان الجيش أعلن استعداده لتحرير ولاية الجزيرة من سيطرة الدعم السريع خلال شهر أبريل الجاري، لكن تعرضت قوات تابعة له مكونة من قواته وحركات مسلحة متحالفة معه لكمين بالقرب من منطقة الفاو على تخوم ولاية القضارف قالت قوات الدعم السريع إنها كبدتها خسائر فادحة، وأجبرتها على الانسحاب بتاريخ 8 أبريل 2024 فيما لم يصدر تعليق رسمي من الجيش.
بقراءة خريطة توزيع القوات على الأرض، فإن الدعم السريع يسيطر على البلاد بنسبة 60% حسب المحلل السياسي محمد لطيف الذي قال إن الأصل أن يكون الجيش هو المسيطر على كافة البلاد.
وأعاد لطيف السبب خلف تقدم الدعم السريع إلى توقف الجيش عن التجنيد مشيرا إلى أنه طوال 5 أعوام ماضية لم تشهد البلاد تخريج القوات المسلحة لدفعة واحدة من قوات المشاة.
وقال المحلل السياسي في مقابلة مع (التغيير) إن هذا الأمر هو الذي جعل الجيش يلجأ إلى المستنفرين والمقاومة الشعبية التي وصفها بـ “القوات المساندة” وليست رئيسية، مؤكدا أن الدعم السريع بدأ الحرب بأعداد قوات أكبر مع فرصة مفتوحة للتجنيد.
خطط الطرفين الحربية
“اسمحوا لي أن أكون واضحا، من أجل التاريخ: بغض النظر عمّن أطلق الطلقة الأولى، فمن الواضح أن كلا الجانبين كانا يمهدان الطريق للحرب. لقد اختار الطرفان المتحاربان تسوية صراعهما عبر القتال، ومن واجبهما تجاه الشعب السوداني إنهاء هذا الصراع”. كان هذا جانبا من إحاطة رئيس بعثة اليونيتامس فولكر بيرتس أمام مجلس الأمن في يوليو من العام 2023 ثلاثة أشهر بعد اندلاع الحرب.
على الرغم من أن كل طرف يدعي بأن الطرف الآخر هو من باغته بقرار الحرب؛ إلا أن المصادر تؤكد بجلاء استعداد كل جانب بخطة حربية يشل بها الطرف الآخر في أول أيام الحرب، ويحقق بها الانتصار الساحق.
وقالت مصادر لـ (التغيير) إن الجيش خطته تمثلت في اعتقال قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، واغتيال قائد ثان قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، بوضع عدد من القناصة في طريقه، إلى جانب استعادة كافة الضباط المنتدبين من أجهزة الجيش والمخابرات لدى الدعم السريع، وهذا هو الجانب الوحيد الذي نجح في خطتهم التي توقعوا ألا تأخذ أكثر من ساعات معدودة.
من جهتها تمكنت قوات الدعم السريع من سرقة الخطة العسكرية الخاصة بالجيش، وفق مصدر عسكري رفيع، أكد لـ (التغيير) أن السرقة تمت عبر ضابط في الاستخبارات سلم الخطة إلى قيادات في الدعم السريع موجودة بمدينة “دبي”، وأضاف: “هذا منح الدعم السريع أفضلية التقدم في بداية المعركة”.
تقدم الدعم السريع
استفادت قوات الدعم السريع من انتشار قواتها في كافة المرافق الاستراتيجية داخل العاصمة الخرطوم، والتي كانت مكلفة بحراسة بعضها منفردة مثل مباني الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون، بحسب مصدر عسكري رفيع في الجيش السوداني فضل حجب اسمه.
وقال لـ (التغيير) إن الخطة التي منحت الدعم السريع أفضلية أخرى هو انتشاره في الطرقات وسيطرته عليها، وعلى الجسور الأمر الذي سمح له بأن يكون لديه خطوط إمداد مفتوحة من الحدود الغربية للسودان حتى العاصمة في الوقت الذي لم يتمكن الجيش من توصيل إمداد لمسافة تتعدى 3 كلم من نقاط ارتكازه في مقراته الاستراتيجية مثل سلاح الإشارة.
وأكد الضابط الرفيع بأن استقرار قوات الجيش داخل المقرات جعلها عرضة للقصف المدفعي الذي أكد أنه كان سببا في مقتل الكثير من الضباط. وأضاف أن توزيع الدعم السريع لعدد كبير من القناصة في أعلى البنايات صعب حركة الجيش، وقال: “قناص واحد يمكنه إرجاع عشرات الجنود” مؤكدا أن خطر القناص يوازي خطر الألغام الأرضية.
وقال الضابط لـ (التغيير) إن الجيش حاليا يتفوق على الدعم السريع نسبة لأنه راقب خطوط الإمداد، مؤكدا قطعها إلى حد بعيد. وتابع: “حاليا الدعم السريع في الجزيرة يستخدم المواتر” مشددا على أنه فقد تسريب الوقود والذخائر والأسلحة.
وأشار إلى أنه حال كان الجيش يحصل على إمداد وذخائر بشكل متواصل ما كان سيتعرض لخسارة أية حامية، وأضاف: “كانت الذخائر تنتهي ويضطر الجيش للانسحاب”. وأكد الضابط أن كل هذه الأحداث تعتبر من الماضي مشددا على أن الجيش الآن يمسك بزمام الأمور.
وقال الضابط إن حصول الجيش على أسلحة وطائرات مسيرة بأنواع مختلفة كانت السبب الرئيس حول تغيير كفة موازين القوى العسكرية على الأرض مشيدا بالدور الكبير الذي قام به قائد الجيش بزيارته لعدد من الدول التي أكد حصول الجيش على دعم عسكري منها، دون أن يسمها.
تنشر هذه المادة بالتزامن في منصات 27 مؤسسة ومنظمة صحفية وإعلامية مشاركة في حملة (منتدي الإعلام السوداني
أحياء الجموعية التي تتاخم منطقة جبل أولياء بسط الدعم السريع سيطرته الكاملة عليها بعد انتصاره في معارك طاحنة مطلع نوفمبر من العام 2023. وتقع المناطق جميعها في هذه المحلية تحت سيطرته، وعندما تصل منها إلى أحياء العزوزاب تبدأ هناك مناطق السيطرة التي يتقاسمها الطرفان تشمل الشجرة العسكرية التي دارت فيها معارك كبيرة جدا، وادعى الطرفان سيطرتهما عليها.
أما في مدينة بحري يتركز وجود قوات الجيش في سلاح الأسلحة وسلاح الإشارة والكدرو وجزء من أحياء الحلفايا والسامراب، وفي محلية شرق النيل التابعة إداريا لمدينة بحري تتركز القوات المسلحة في قاعدة حطاب العملياتية ومعسكر العيلفون وبقية المناطق ينتشر فيها الدعم السريع.
ما تزال المناطق الاستراتيجية مثل القصر الجمهوري ومطار الخرطوم الدولي والاحتياطي المركزي والاستراتيجية وقاعدة جبل أولياء يسيطر عليها الدعم السريع إلى جانب جزء من مباني القيادة العامة للجيش بوسط الخرطوم فيما يستهدف الجزء الآخر بالتدوين المدفعي المستمر. كما يسيطر الدعم السريع على مقرات الوزارات والمؤسسات الحكومية في الخرطوم بالكامل فضلا عن سيطرته على كثير من المستشفيات والبنوك.
دارفور
الجيش في كافة ولايات دارفور الخمسة حافظ على وجوده فقط في رئاسة الفرقة العسكرية في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وتتقاسم الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام جوبا السيطرة في بقية المدينة إلى جانب الدعم السريع، الذي بسط سيطرته على كافة ولايات دارفور الأخرى، جنوب وغرب ووسط وشرق دارفور.
ومنع اتفاق بين القوات المشتركة والجيش والدعم السريع حدوث عمليات عسكرية مباشرة من الأطراف جميعها للمحافظة على أمن الولاية التي لجأ إليها آلاف النازحين من ولايات أخرى إلى جانب أنها تضم عددا من معسكرات النازحين الكبيرة قبل اندلاع الحرب مثل معسكرات كلمة وأبو شوك، ولا تخلو المنطقة من المناوشات العسكرية المتكررة والقصف بالطيران الذي طال مؤخرا محليات كبكابية ومليط وبعض أحياء الفاشر خلال أبريل الجاري.
وينذر إعلان القوة المشتركة خروجها عن الحياد، في أبريل الجاري، وتعهدها بمقاتلة قوات الدعم السريع “أينما وجدت” بانفجار الأوضاع في مدينة الفاشر العاصمة الوحيدة التي تقع خارج سيطرة الدعم السريع في دارفور، فيما قررت قوات الهادي إدريس والطاهر حجر الاستمرار في الحياد وتشكيل قوة مشتركة جديدة تلتزم بإيصال المساعدات وحماية المدنيين الأمر الذي يمكن أن يوصف على أقل تقدير ب”المهمة المستحيلة” وسط التجاذبات الإثنية والعسكرية في الإقليم.
الأوضاع في ولايات كردفان
بحسب شهود عيان، فإن الجيش يسيطر بصورة شبه كاملة على مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان، فيما يسيطر الدعم السريع سيطرة مشابهة على مدينتي الرهد وأم روابة، وأكد شهود العيان عدم سيطرة أي طرف على مدينة بارا التي تضم طريقا يربط كردفان بمدينة أمدرمان تستخدمه قوات الدعم السريع لإيصال المساعدات.
وقال شهود عيان إن الدعم السريع يقوم بحركة مستمرة في مدينة “أم دم حاج أحمد”، فيما قطعوا بوجود مناطق أخرى تتبع لشمال كردفان خارج سيطرة الطرفين.
وأكد شهود عيان بأن الطريق المؤدي إلى مدينة الدلنج يقع تحت سيطرة قوات الدعم السريع من ناحية ولايتي شمال وغرب كردفان، وكانت معارك كبيرة حدثت في مدينة الدلنج انضم فيها مقاتلون من جيش الحركة الشعبية شمال جناح الحلو إلى قوات الجيش هناك وتمكنا من طرد قوات الدعم السريع خارج المدينة حيث اتخذت الحرب طابعا إثنيا انحازت فيه القوات من كافة الجيوش إلى القبائل التي تمثلها.
وأكد مواطنون من الولاية بأن أغلب الطرق الرابطة بين ولايات كردفان تحت سيطرة قوات الدعم السريع، فيما أكد مصدر من الدعم السريع سيطرتهم على ولاية غرب كردفان عدا رئاسة فرقة بابنوسة وأجزاء من ولايات جنوب كردفان والنيل الأبيض وسنار.
ولاية الجزيرة
سقطت مدني عاصمة ولاية الجزيرة؛ في يد الدعم السريع يوم 18 ديسمبر، وكانت القوات بدأت الهجوم عليها منذ 15 ديسمبر.
وكان هذا حدثا صادما بعد أن خرج المواطنون للاحتفال الليلة التي سبقت السقوط، الأمر الذي جعل قيادة الجيش تصدر بيانا تقر فيه بانسحاب الفرقة الأولى مشاة من مواقعها مؤكدة أنها ستجري تحقيقا حول الواقعة وحتى تاريخ نشر هذا التقرير لم تصدر نتائج ذلك التحقيق!