حــدود المنطق / السر الباتع في علاقة البرهان وكباشي والعطا : إسماعيل جبريل تيسو
وتراهم جميعاً وقلوبهم أقوى، وأنقى، وأنبض بحب الوطن، وبذل الروح والعقل والبدن، تضحيةً من أجل الأرض والعرض، هكذا بدت الصورة داخل أروقة القوات المسلحة، هذا الكيان المتسع لصهر جميع الأجناس في بوتقة الانتماء للسودان، فجمعت القوات المسلحة ما بين الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، والفريق أول ركن شمس الدين كباشي، والفريق أول ركن ياسر العطا، مذ أن كانوا ضباطاً صغاراً تخرجوا من بين يدي الكلية الحربية السودانية، مصنع الرجال وعرين الأبطال، ليشكلوا قيمة مضافة لضريبة البَذْل داخل الجيش السوداني الذي عبر من بين ثنايا تأريخه الناصع، رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وحفروا أسماءهم بحروف من ذهب في ذاكرة المؤسسة العسكرية، فكراً وعطاء، وبسالة وفداء.
واكتملت صورة علاقة البرهان بكباشي والعطا، وقوِي إطارُها وازداد تماسكاً، باندلاع نيران تمرد ميليشيا الدعم السريع، على الجيش السوداني في الخامس عشر من أبريل ٢٠٢٣م، ولما كانت النار تجلو الذهب، وتُبرز أصالة ونقاء معدنه النفيس، فقد كانت حرب رمضان ١٤٤٤ه بشرِّها المستطير، فرصةً لمعرفة نزاعات ومواقف وإمكانيات البرهان وكباشي والعطا، واختبار شجاعتهم وصلابتهم وقوة تحملهم ومدى قدراتهم على إدارة الأزمة، وامتصاص الصدمة، وتوحيد الجيش على قلب عقيدته القتالية في الدفاع والزود عن الحياض، فنجحوا في اختبار الصمود، فكانوا قدوة للضباط والجنود، واستطاعوا مع استمرار الحرب وتطاول أمدها أن يطوّروا في العقيدة القتالية من التزام الدفاع، إلى ابتدار الهجوم، فأحدثوا إرباكاً كبيراً ومُريع، في صفوف ميليشيا الدعم السريع، وجرّعوها خسائر فادحة وهزائم واضحة تحكي عنها معارك أم درمان القديمة، والكدرو، والجيلي، والأبيض، وبابنوسة وغيرها.
أصلب الرجال لأصعب المواقف هي الأيقونة التي شكلتها ثلاثية التماسك والثبات على المبادئ التي جمعت ما بين البرهان وكباشي والعطا، في وقتٍ تلاعبت فيه المصالح بأعناق الرجال وعقولهم، فباع الكثير منهم مواقفهم بثمن بخس ( دراهم ) معدودة خسروا بها شرف الانتماء للوطن، قبل أن يغرقوا في مستنقع الخيانة والارتزاق، والعمالة والنفاق، فضرب البرهان وكباشي والعطا مثلاً للذين آمنوا بقضية الوطن، وبذلوا في سبيله الغالي والنفيس، لبوا النِدا، فأغاظوا العِدا، فلا عجب أن يكونوا مُستهدَفين من قبل الميليشيا المتمردة ومَنْ يشايعها مِنْ الخونة والمارقين، تارةً بنشر بعض التُرَّهات، وإذكاء نار الشائعات، وتارةً أخرى بممارسة التضليل وتلفيق الأكاذيب والأباطيل، وجميعها كانت محاولات بائسة ويائسة، فشلت في تمزيق رباط العلاقة، وتكسير مجاديف الصداقة.
قطعاً ستستمر هذه المحاولات لتفريق جمع هذا الثلاثي ارتكازاً على نظرية فرِّقْ تَسُدْ، ولكن هيهات فما يجمع البرهان وكباشي والعطا أكبر وأقوى مما يفرق بينهم، فهؤلاء الرجال يجمعهم حب الوطن، وروح الانتماء الصارخ للمؤسسة العسكرية حيث المهنية والتراتبية والانضباط المسؤول، وفوق هذا وذاك فإن الثلاثي يتمتعون بفكر ثاقب وذهن متقد، مدرك لمطلوبات المرحلة، وواعٍ ومنتبهٌ وفطن، لكل تحركات أعداء الوطن، فلتكن هذه العلاقة أسوةً لنا لنضطلع بأدوارنا كلٌّ في موقعه دعماً وإسناداً للمؤسسة العسكرية، متجاوزين كل الألغام التي تحاول جهات (منتفعة) زرعها في طريق هذا الدعم والإسناد، لننتقد قيادة الجيش، فنكيل المدح للبعض، ونقدح في مواقف البعض الآخر، فما هكذا تورد الأبل يا دعاة الفتن، انتبهوا فإن الحصة وطن.