إيران تحت “حرج” الرد …. ماهي حدود الرد الذي لا يشعل حربا؟
حيرة كبيرة تعيشها إيران وجماعة حزب الله اللبنانية في أعقاب الضربتين المتتاليتين في بيروت وطهران، اللتين اتهمت إسرائيل بالوقوف وراءهما، واستهدفتا قياديين بارزين في حزب الله وحركة حماس.
يتفق المحللون على أن الضربتين كانتا قريبتين للغاية وفي معقل إيران وحزب الله بحيث لا يمكن أن تمران “دون رد”.
قد يكون التحضير لهذا الرد لاستعادة استراتيجية الردع دون إشعال فتيل تصعيد أكبر “العمل الأكثر حساسية” في عام شهد اقترابا كبيرا من شفا حرب إقليمية
وأسفرت الضربة على الضاحية الجنوبية لبيروت مساء الثلاثاء عن مقتل القيادي البارز في حزب الله، فؤاد شكر، والذي تقول إسرائيل إنه مسؤول عن ضربة صاروخية استهدفت ملعب كرة قدم في قرية مجدل شمس بمرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل، مما أسفر عن مقتل 12 طفلا.
ورغم أن هدف ضربة بيروت كان “شخصية عسكرية”، إلا أنها أصابت حيا مكتظا بالسكان يقع على مشارف العاصمة اللبنانية، حيث توجد عدة مكاتب لحزب الله، ما أسفر عن مقتل 5 مدنيين على الأقل وإصابة العشرات.
وبعد مرور أقل من 12 ساعة، أعلنت حركة حماس الفلسطينية – حليفة حزب الله والمدعومة من إيران كذلك – اغتيال رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، في غارة جوية إسرائيلية بطهران، حيث كان يحضر مراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان.
لم تعلن إسرائيل أو تنف مسؤوليتها عن اغتيال هنية، الذي يأتي بعد نحو 10 أشهر من بدء الحرب الوحشية في غزة، كما يتزامن مع ضغط وسطاء دوليين، على رأسهم الولايات المتحدة، لإبرام اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الرهائن.
يقول محللون إن جماعة حزب الله وإيران تشعران بأنه لابد من الرد، لكن حساباتهما تختلف.
وفي هذا السياق، قال نائب رئيس مركز “كارنيغي للشرق الأوسط” والباحث في شؤون حزب الله مهند الحاج علي: “رغم أن إسرائيل قصفت الضاحية الجنوبية لبيروت أيضا في يناير الماضي، مما أدى لمقتل القيادي في حماس صالح العاروري، إلا أن ضربة الثلاثاء استهدفت قياديا بارزا في حزب الله وقتلت مدنيين”.
ويضيف: “هذه المرة، ذهبت إسرائيل إلى مدى أبعد، وقتلت قياديا بارزا في حزب الله، يجب على حزب الله الرد، وإن لم يفعل، فستكون هناك قاعدة جديدة هي قتل المدنيين على الجانب الإسرائيلي سيؤدي لاستهداف ضواحي بيروت، حزب الله لا يستطيع تحمل هذا”.
ومن أجل إعادة إرساء الردع بعد ضربة الثلاثاء، قال الحاج علي: “حزب الله سيضطر إلى الضرب بشكل أعمق في الأراضي الإسرائيلية، وهذا يجلب معه مخاطر كبيرة”.
اتفق أندرياس كريغ المحلل العسكري ومحاضر الدراسات الأمنية في “كينغز كولدج” بلندن، على أن حزب الله “سيشعر بالحاجة إلى تنفيذ ضربة انتقامية كبيرة”.
وقال: “أعتقد أن حزب الله تعرض لضربة أقوى بكثير، ضربة مؤلمة للغاية مقارنة بإيران. ففي المواجهة بين إسرائيل وحزب الله، هذا تصعيد كبير حيث يتعين على حزب الله الرد بشكل مناسب في الوقت المناسب لاستعادة الردع”.
ومع ذلك، قال كريغ، فإن حزب الله سيضرب هدفا عسكريا إسرائيليا مهما على الأرجح، مثل القاعدة الجوية القريبة من حيفا والتي ظهرت في مقطع مصور من طائرة مسيرة نشره الحزب في يوليو الماضي، بدلا من هدف مدني.
ومن المرجح أن يسعى حزب الله الى إحداث أضرار مادية فقط بضربته لتجنب مزيد من التصعيد.
تتشابه اللحظة الحالية مع ما حدث في أبريل الماضي، عندما اقتربت إسرائيل وإيران من الانزلاق إلى حرب بعد أن قصفت إسرائيل مبنى قنصليا إيرانيا في دمشق، ما أسفر عن مقتل جنرالين إيرانيين.
ردت إيران بضربة مباشرة غير مسبوقة على إسرائيل.
في ذلك الوقت، نجحت الجهود الدبلوماسية في احتواء التصعيد.
لكن هناك اختلافات رئيسية بين الضربتين.
فاغتيال هنية وقع على الأراضي الإيرانية، ما أحرج طهران، وأوضح أن إسرائيل تستطيع ضرب أهداف هناك بكل سهولة.
وفي حين يعتقد بعض المحللين أن استهداف شخصية غير إيرانية سيخفف من وطأة الأزمة، فقد تعهد المسؤولون الإيرانيون بـ”رد قاس”.
وقال كريغ: “في حين أضر مقتل هنية بسمعة إيران، وشكل لحظة إذلال لها لأنه أظهر عجز طهران عن حماية ضيوفها البارزين، فإن هنية ليس جزءا لا يتجزأ من محور المقاومة”.
وأضاف “وفاة هنية ليس لها أي آثار استراتيجية على إيران بخلاف كونها صفعة على الوجه لأنها كانت الدولة المضيفة، لقد قتل هذا الضيف أثناء وجوده في منطقة عسكرية شديدة الحراسة”.
وبالتالي، يعتقد كريغ أن إيران “قد تختار تخفيف ردها”.
نائب أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح صبري صيدم
فتح تشدد على ضرورة التحام البيت الفلسطيني الواحد بهذه الظروف
اللجوء إلى الوكلاء
تقول نومي بئر يعقوب، المشاركة في برنامج الأمن الدولي بمعهد “تشاتم هاوس”، إن إيران “قد تلجأ إلى وكلائها من أجل الرد”.
وتضيف “الإيرانيون لديهم رجالهم الذين تم تدريبهم وتسليحهم والتخطيط لهم في كل مكان، ويمكنهم الوصول إلى أي مكان بالعالم. كما يمكنهم ضرب أهداف إسرائيلية أو يهودية على مستوى العالم”.
ضربة مباشرة
من جانبه، قال تريتا بارسي، نائب الرئيس التنفيذي لمعهد كوينسي للحكم المسؤول، إنه يتوقع أن يكون رد إيران “ضربة مباشرة أخرى لإسرائيل”.
وأضاف أن اغتيال هنية “لم ينفذ على الأراضي الإيرانية فحسب، بل في طهران. لقد كان يحضر مراسم التنصيب. ولا يهم من كان مستهدفا، وما إذا كان الهدف إيرانيا أم لا”.
كما ذكر أن الإيرانيين يشعرون على الأرجح بأنهم “إذا كانوا نجحوا عبر استعراض القوة في أبريل الماضي في استعادة الردع في الأمد القريب، فإن هذا الردع انتهى الآن، وسيضطرون إلى القيام بأكثر مما فعلوه في أبريل من أجل استعادة توازن القوى”.
وأضاف: “لم يتفاقم تبادل إطلاق النار في أبريل بسبب التدخل الدبلوماسي من جانب الولايات المتحدة وغيرها، وبدا أن الضربة الإيرانية نفسها كانت مصممة بعناية لإحداث “الحد الأدنى من الأضرار”.
من جانب آخر، قالت بئر يعقوب: “نعيش لحظة محورية في هذا الصراع. لا أعتقد أننا عشنا لحظة أصعب من هذه نظرا لأننا رأينا ما تستطيع إيران القيام به في أبريل”.
وأضافت: “إن لم يتسبب الرد على الضربات في وقوع خسائر في صفوف الإسرائيليين، فلا يزال من الممكن تجنب حرب أوسع نطاقا. نحن في منطقة مضطربة، وهذا لا يبشر بالخير”.