الأعمدة

أماني الطويل تكتب عن حالة التمترس الحاد وفرص وقف إطلاق النار

ملخص

مع إدراك الفاعل الدولي لطموحات الجيش السوداني في السلطة، وهو ما جرى التعبير عنه في جلسات لمجلس الأمن، فإن بلورة معادلات سياسية مستقبلية تضمن التحوّل لحكم مدني يعد مسألة معقدة ستأخذ في الاعتبار عدم إغفال دور متفق عليه للمؤسسة العسكرية.

وسط حالة تمترس حاد في المواقف بين طرفي القتال السوداني، إذ يسعى “الدعم السريع” إلى الاعتراف بشرعيته طرفاً مساوياً للجيش السوداني، بينما وضع الجيش خطة يستهدف منها عدم تقديم أي اعتراف بشرعية “الدعم السريع” من دون تنفيذ شروط، أهمها التنفيذ الإجرائي لاتفاق جدة المتعلق بالانسحاب من منشآت مدنية، منها المستشفيات والأملاك الخاصة للأهالي، مع تسليم الأسلحة الثقيلة، وتجمع قوات “الدعم السريع” في خمسة معسكرات محددة سلفاً.

فرص وقف إطلاق النار

طبقاً لهذا المشهد فإنه قد تبدو ثمة فرص لوقف إطلاق النار في السودان، وصولاً إلى تحولات مهمة في المشهد السوداني معظمها غير مرئي في اللحظة الراهنة، خصوصاً في ما يتعلق باليوم التالي للحرب أي المعادلة السياسية السودانية الداخلية بما تتضمنه من محتوى وأطراف لهذه العملية.

وطبقاً أيضاً للمعطيات الراهنة فإن فرص وقف إطلاق النار في السودان ترتبط بعدد من العوامل، الأول طبيعة الموقف الدولي ودوره، خصوصاً ذلك المنطلق من واشنطن، أما الثاني فهو مدى التنسيق بين الدورين الدولي والإقليمي، ومدى قدرتهما على تنسيق الجهود، وتبادل الأدوار بين الأطراف المتصارعة في السودان. والعامل الثالث هو المرتبط بمدى انفتاح الجيش على مسار سياسي مستقبلي، وطبيعة حجمه ودوره في هذا المسار، خصوصاً في ضوء تحالفاته الحالية على المستويين السياسي والعسكري.

وأخيراً، فإن الضغط الداخلي السوداني في شأن إنهاء الحرب يبدو واضحاً وظاهراً على رغم حالة التجييش والتحريض ضد منصة جنيف، التي يمارسها المحسوبون على النظام القديم، سواء عبر التظاهر المباشر في موقع التفاوض، أو على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ يرفضون وجود مباشر للجيش في جنيف طرفاً مفاوضاً.

في ما يتعلق بالعامل الدولي فإننا نرى أن قوة الدفع إليه قوية وواضحة، وتظهر الدوافع له فيما ذكره جوزيف بوريل، ممثل الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والأمنية، في وقت مبكر، بأن الحرب السودانية “وضعت الأمن والإقليمي على المحك”، إذ إن حالة الأمن في منطقتي القرن الأفريقي والبحر الأحمر متأثرة بحالة السودان ومحركة للأوروبيين بصورة واضحة في هذا الملف. وعلى المستوى الأميركي فإن المستجد هو قرب انعقاد الانتخابات الأميركية، وطبيعة الضغوط الأخلاقية المرتبطة بتدهور الوضع الإنساني السوداني.

وقد مارس الفاعلون الدوليون، خصوصاً المبعوث الأميركي للسودان توم بيريليو، أعلى درجات التشاور مع النطاق الإقليمي المرتبط بالحرب السودانية، إذ أشار إلى ذلك في أكثر من موضع، بل واحتفى به، وقد أنتج هذا التشاور تدشين مسارين متوازيين، الأول المسار العسكري، أي السعي إلى وقف إطلاق النار، والثاني السياسي المعني ببلورة ملامح عملية سياسية من المأمول أن يجري التوافق عليها.

في هذا السياق، مارس المبعوث الأميركي للسودان أعلى درجات المرونة، حين قبل عدم حضور وفد من الجيش إلى جنيف، وتفاعل مع قيادته بتشاور أنتج وجوداً واقعياً في القاهرة، ويجري بالتوازي محاولة ترتيب المسار السياسي الداخلي محل الصراع الأساس ومفجر الصراع العسكري.

وفي هذا السياق فقد جرت هندسة النسخة الجديدة من منبر جدة في جنيف، ليحضر الشركاء الإقليميون المعنيون بالأزمة السودانية أصحاب العلاقة المباشرة بطرفي الصراع العسكري، بينما جرت هندسة منصتين للحوار السوداني في كل من أديس أبابا والقاهرة، في محاولة لبلورة المعادلة السياسية السودانية التي يمكن أن تسكت البنادق، وتحقق استقراراً سياسياً ولو مرحلياً.

خيارات الجيش السوداني

في ما يتعلق بموقف الجيش السوداني فإنه على رغم كل الضغوط التي مورست عليه فإنه تمسك بفكرة عدم الاعتراف بقوات “الدعم السريع” منذ اللحظة الأولى، وأن هذا الاعتراف إذا جرى تقديمه فلن يكون إلا بعد تحقيق مطالب للجيش يعدها حدوداً للأمن القومي، وغالباً هذه المطالب هي ما جرت مناقشته في القاهرة حالياً.

ويستند الجيش في هذا الموقف إلى عدد من الأوراق، أولها الاحتياج الأميركي إلى إنجاح المفاوضات السودانية على الصعيد الداخلي، ذلك أن الإدارة الديمقراطية تحتاج إلى مخاطبة الناخب الأميركي من الأصول الأفريقية بتحقيق فوز في الحرب السودانية، التي باتت كلفتها الإنسانية عالية ومقلقة ومحل اهتمام عالمي.

محادثات جنيف السودانية تتقدم ببطء

كما يستند الجيش إلى طبيعة أداء قوات “الدعم السريع” على الأرض، من جهة ممارستها ضد السكان المحليين حتى تحت مظلة التفاوض المنعقدة حالياً، وذلك إلى درجة أن الخطابات السياسية من جانب قائد قوات “الدعم السريع”، وتحريضها على قيادات الجيش باتت محدودة المفعول، على رغم استجابات “الدعم السريع” الفورية للحضور إلى أي منصة تفاوضية، وذلك مع تزايد أعداد الضحايا المدنيين نتيجة الاعتداءات الراهنة على القرى بشرق السودان، وهي ممارسة تنفي صدقية “الدعم السريع” على مستويين، الأول مدى الإخلاص لخطاب السلام ووقف إطلاق النار الصادر عن قيادات “الدعم السريع”، والثاني مدى السيطرة على القوات المنتسبة إليهم، إذ تثور أسئلة في شأن مدى قدرة “الدعم السريع” على الوفاء بتعهداته في حال الوصول إلى وقف لإطلاق النار. كما تلوح قيادات الجيش السوداني بالورقة الإيرانية مع عودة العلاقات الدبلوماسية مع طهران، والدعم العسكري الذي قدمته إيران للجيش خصوصاً “مسيرات مهاجر”.

في هذا السياق يمارس الجيش السوداني أعلى مستوى من الضغوط لوقف الدعم الإقليمي الذي يتلقاه “الدعم السريع”. وسيكون أعقد الملفات في مفاوضات جنيف هو ما يتعلق بالمسار السياسي، أي معادلات اليوم التالي للحرب، وذلك في ضوء أمرين وجود طموحات للجيش في الحكم، ولو مرحلياً تحت مظلة خطاب سياسي مشكك في جدارة المكون المدني ومدى استقلالية قراره، ومدى شرعية تسلمه سلطة من دون انتخابات، وكلها أمور عبر عنها ياسر العطا الرجل الثاني في الجيش السوداني. أما الأمر الثاني فهو موقف الأطراف السياسية السودانية بعضها من بعض، إذ يشيطن كل طرف الآخر.

ومع إدراك الفاعل الدولي لطموحات الجيش في السلطة، وهو ما جرى التعبير عنه في جلسات لمجلس الأمن فإن بلورة معادلات سياسية مستقبلية تضمن التحول لحكم مدني يعد مسألة معقدة ستأخذ في الاعتبار عدم إغفال دور متفق عليه للمؤسسة العسكرية.

المعطيات الراهنة في المشهد السوداني قد تسفر عن تحولات حقيقية إذا نجحت القاهرة خلال الفترة المقبلة في التفاوض على المطالب الحالية للجيش ذات السقف العالي، كما هي مرهونة بموقف الجهات الداعمة عسكرياً لـ”الدعم السريع”، ومدى استعدادها لتخفيض الدعم، لذا فإن المساهمة في تخفيض أسقف “الدعم السريع”، وكذلك طبيعة المرونة الأميركية في استمرار التواصل مع الجيش طرفاً رئيساً مؤثراً في المعادلة الراهنة، وبطبيعة الحال سينعكس مشهد القاهرة على الأطراف السياسية السودانية المتصارعة، من جهة القدرة على التوافق على معادلة اليوم التالي للحرب، المعضلة الحقيقية في المشهد السوداني.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى