الأعمدة

البكاسى و البرينسات كانت لها صولات و جولات (2) واقفين تحننوا و راكبين تجننوا !!

نواصل فى هذا المقال الحلقة الثانية و الاخيرة فى ” البكاسى و البرينسات كانت لها صولات و جولات
وكانت من مهام كماسرة البكاسى ايضا انزال الركاب فى محطاتهم وذلك بطرق جسم البكس بحجر صغير او ما شابه وكان اكثر ما يغضب السائقين هو التوقف المتكرر بين مكان و اخر تكون المسافة بينهما قصيرة فيزمجر قائلا ” هسة دى ما كنا واقفين ليه ما نزلتو ؟ يعنى دايرين ايو واحد ينزلوهو جمب باب بيتو ولا شنو ؟؟ ” وفى كثير من الاحيان لا يقوم السائق بالتوقف فى مثل هذه الحالات بل يطنش و ” يتغاتت” فلا يتوقف الا بعد مسافة ابعد من التى يطلب الراكب التوقف عندها برغم الطرق المتكرر من الكمسارى و الحاح الراكب والذو هو بدوره يصيح باعلى صوته ” ياخى ما توقف اال…………. بتاعتك دى ” ولا يتوقف البكس الا بعد ان يتجاوز المكان الذى اراده الراكب بمسافة غير قصيرة
مع انتشار البكاسى البرينسات ازدهرت ظاهرة الكتابة فى العربات ,حيث قام الكثير من اصحاب تلك السيارات بكتابة ما يحلو و يروق لهم من كتابات للتعبير عن وجهة نظر او ابداء الاعجاب بحكمة او اغنية او مثل شعبى او اسم اح المشاعير فى المجتمع وابطال واسماء المسلسلات العربية فنجد مثلا على سبيل المثال ” يا الكباشى و البكس ماشى ” والكباشى المقصود هنا هو الشيخ ابراهيم الكباشى الصوفى الشهير شيخ الطريقة القادرية و ليس الفريق اول شمس الدين الكباشى نائب قائد الجيش السودانى , ومن الكتابات ايضا نجد “عبور المحيط للعصافير صعب ” دة كلو منك يا التش تش ” ” خلينى فى عز الجمر ” ” يا ملك انت الملك” ولكن الاشد طرافة هى ” واقفين تحننو و راكبين تجننو ” وهذه الكتابة موجهة للركاب حيث تزكرهم انه فى ازمة المواصلات تجدهم ينتظرون المواصلات لفترات طويلة تحت الشمس الحارقة و الجو الحار ومنظرهم فعلا يثير الشفقة ولكن ما ان يركبون فى البكس حتى يبدءون فى اثارة المشاكل وعلى راى المثل ” تمسكن حتى تمكن” وموضوع الكتابة على المركبات موضوع طريف و سوف نفرد له منشور خاص به باذن الله , وكان من ضمن المشاكل التى تسببها البكاسى للركاب هى ان بعض السائقين والذين هم فى الاغلب من الشباب صغار السن فكانوا يميلون للقيادة بسرعة فيها نوع من الخطورة و لاسيما ان البكاسى كانت تمتاز بالسرعة و خفة الحركة , واذكر فى مرة ركبنا البوكس مع صديقى الفنان التشكيلى راشد ضرار من ميدان عقرب متجهين الى شمبات و يبدو ان السائق كان مندمجا مع الاغنية والتى كانت تنبعث باعلى صوت من مسجل البكسى ” منعوك اهلك ” ولم ينتبه الى السيارة التى توقفت امامه فجأة وفى اخر لحظة تمكن من ايقاف البوكسى بضغطه على الفرامل بكل قوته وكانت النتيجة ان تشتت الركاب و اصطدموا ببعضهم بقوة تسببت لكدمات للبعض وكان بين الركاب شيخ متقدم فى السن اصابه الذعر من هذه الفرملة فصب جام غضبه على السائق وصاح فى وجهه ” ان شاء الله يمنعوك من الدنيا و ما فيها ” ! ومن المضايقات ايضا بان السائقين كانوا يشغلون الاغانى التى تندرج تحت مسمى ” اغانى هابطة” و يعتقدون بانهم طالما كانت هذه الاغانى تطربهم فلابد ان تطرب الجميع ايضا , ولذلك ما كانوا يقبلون باية نقد تجاه تشغيل هذه الاغانى , واذكر فى احدى المرات كنت اركب بوكسى من بحرى الى ام درمان حين اندلع شجار عنيف جدا بين احد طلاب جامعة ام درمان الاسلامية و السائق بسبب ان السائق كان مصرا على تشغيل اغانى من شاكلة ” رمزة يا رمزة ” و ” دة كلو منك يا التش تش ”
فى تلك الفترة انتشرت البكاسى البرينسات انتشارا كبيرا وبصورة ملفتة فى الخرطوم اذ ان امتلاك و تشغيل هذه البكاسى صار من الاعمال التى تدر دخلا طيبا لاصحابها وكعادة السودانيين فى تقليد بعضهم البعض فما ان يروا شخصا قد نجح فى عمل او مشروع فسرعان ما تجد العديد من الناس قد قد فعلوا نفس الشئ !! وقد ذكرنى الاستاذ الاديب محمد سعيد الجيلى بطرفة من ذلك الزمن بسبب انتشار البكاسى بصورة كبيرة وما سببته من ازدحام فقد تم اطلاق تسمية البكاسى ايضا فى تلك الفترة على المطربين الشباب الذين ظهروا بكميات كبيرة و زاحموا كبار المطربين المخضرمين مثل عبدالعزيز داوود و عثمان حسين ووردى و الكابى وصلاح بن البادية وفى هذا المنحى فقد كان للفنان عبدالعزيز داوود المشهور بخفة دمه و تعليقاته الساخرة كان لديه موقف طريف من الموضوع ففى احدى اللقاءات الصحفية معه سالوه عن رايه فى انتشار ظاهرة البكاسي ( المطربين الشباب) وفى تلك الفترة ايضا كان الفنان المخضرم عثمان حسين قد عاد بقوة مرة اخرى الى الساحة الفنية بعد طول غياب وابتعاد عن ساحة الغناء , فكان رد ابوداوود ” انتو فى البكاسى ولا فى الكومر اللى طلع من العمرة دة ( يقصد عثمان حسين)
فى بداية التسعينات بدأت البكاسى بالاختفاء تدريحيا من المواصلات العامة فى الخرطوم وحلت محلها الحافلات و الهايسات ذات الحمولة الاكبر من عدد المسافرين , الا انها لم تختفى كلية اذ انها وجدت اقبال كبير للعمل فى الاقاليم فى نقل الركاب و البضائع حتى الان و ازداد الطلب عليها و صارت هى المفضلة لدى الناس و لامنافس لها , وبسبب كفاءة و جودة وقوة واستهلالك الوقود الاقتصادى لماكينات الهايلوكس فقد قام السودانيون باستخدامها و تركيبها فى سيارات اخرى مثل المرسيدس و اللاندروفر و الجيب الروسى مما ادى لرفع اسعارها بسبب الطلب الكبير لها , وفى الحقيقة وبدون جدال فهى من افضل المحركات فى العالم اذ تجمع بين القوة و المتانة و اقتصاديات التشغيل .
والى اللقاء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى