الأعمدة

من يزرع شوكا لن يجني عنبا ..

خطورة النظم الديكتاتورية الشمولية التي تحكم طويلا بصيغة الفكرة الأحادية أو بقوة البندقية لاتكمن في ضررها الذي يختبئ تحت قبضتها الأمنية و الترويج لصلاحها المزعوم بإعلاء صوتها الإعلامي المسخر للتغبيش وتغييب الوعي أثناء وقوف حكمها على ساقيه المعوجتين فقط .
ولكن أسواء انواع ذلك الضرر هو ما تخلفه في تربة الواقع من فساد يظل يتمدد في أرضية الحياة من بعدها مثلما تفعل عروق آفة النجيلة التي يتطلب الخلاص منها الاجتهاد في تقليب التربة مرات عديدة ولعدة سنوات وتعريض تلك الآفة لحرارة الشمس الثورية حتى يذهب خطرها وتصبح الأرض صالحة للزراعة من جديد .
وقد تحقق ذلك المصير فعلا في عدد من الدول التي ذهبت فيها دولة الحزب الواحد أو الرجل الأوحد و هاهي وبعضها لازال يعاني وبشدة من تعثر استصلاح تربة الوطن من جديد ليبدأ في بذر الحبوب الصالحة لإنبات دولة المواطنة و العدالة والحريات والسلام !

فالذي زرعته الإنقاذ من شوك الفتن وسقته بدماء الأبرياء و سمدته بقذارة فكرها العنصري لا نتوقع أن ينبت لنا غير وجوب الصبر بعد النجاح النسبي للثورة التي أحرقت فقط رؤوس عيدان المشروع الكيزاني ولكنها لم تصل إلى الجذور التي يعشعش فيها سوس ذلك الزمان القمي ولا زالت جحافله تتحرك لإفساد تربة هذا الوطن بالمزيد من الضرر !
فالجيش على مستوياته العليا ليس مطهرا من دنس تلك الحقبة التي هيمن فيها الكيزان على زناد بندقيته وتركوا من بعد ذهابهم اصابعا خبيثة اوكلوا لها مسئؤلية الضغط على ذلك الزناد في ساعة الصفر التي تتهيأ لها الظروف وقد وفر لهم جانبا منها ربيبهم عبد الفتاح البرهان الذي أحكم كتاف البلاد لمغتصبيها من الجيران بغرض إمتصاص سلافة ثديها على قلتها و مشارفتها للنضوب !
اما علتنا في مليشيا الدعم السريع هي أنها نشات مثل القطط التي ربتها الانقاذ لتأكل لها فئران البيت فلما قويت مخالبها اصبحت هي الخطر الحقيقي الذي يقف عقبة كأدا أمام عودة الكيزان بل و قنبلة موقوتة في مسرى تقدم السودان ..
فاعتماد الكيزان على شحن الجيش ضد قوات الدعم السريع لن يجعلهم مطمئنين لإنعتاق البعد القبلي من عقاله وهو الذي يسند عليه حميدتي ظهره و يضع بندقيته فوق ركبته .
والكيزان أكثر الناس معرفة بجمرة القبلية والجهوية التي اوقدوها في عهدهم البائد وسيستعصى عليهم الان النفخ لاطفائها !
أما الحركات المسلحة التي يظن الجيش أنها مكبلة إلى ساقه بجنازير اتفاق جوبا …فهي في النهاية ستضطر في حسم المعادلة إذا ما اشتعل أوارها لا قدر المولى . وستنظر تلك الحركات على اختلاف قوة بصرها و تفاوت سعة بصيرتها الى بزوغ شمس غدها التي ستشرق في عيون ولائها غربا لا محالة .. بل و سينطبق عليها المثل القائل انا وابن عمي على الغريب لاعتبارات لا تخفى على أحد !
فتبا لمن زرع ذلك الشوك ولعنة الله على من يسعى لايهام شعبنا ممنيا اياه بأن يحصد عنبا ..ولكن مكر الله فوق مكر الذين زرعوا كل تلك الفتن ..ونسال اللطيف الرحيم أن يرد كيدهم إلى نحورهم و ظهور من يقفون وراءهم حيثما كانوا ..وهو من وراء القصد .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى