ادريس جماع، طينة البؤس…
السيف في غمده لا تخشي بواترهُ
وسيف عينيك في الحالين بتارُ..
البيت اعلاه وهو من حدائق ادريس جماع
الغنّاء، الهم كاتب اسفيري مُغامِر رواية مُفتراه بطلتها مُمرِضه حسناء انسربت من خياله وتوهماته، زعم انها اشرفت علي علاج
جماع بالمصحة ولما استمرأ الشاعر الكبير النظر الي عيناها امّرتها طبيبه بحجب مُقلتيها خلف نظارة سوداء ومن هنا حاول
الكاتب صنع مقاربة فضحها الواقع إذ ان البيت مُجتزأ من قصيدة قديمة لجماع نبتت في بيدرهُ وهو في كامل عافيته النفسيه.
اما مُلهِمة جماع التي اورثته الضنا فقد عاشت في نطاقهُ السكني وعبّر عن قُربها النائي ببلاغه موغِلة في اليأس
انت السماء بدت لنا
واستعصمت بالبُعد عنا..
ربما كان مبعث ايلامهُ دُنوها الظرفي وابتعادها الروحي.
اغلب اشعار جماع ضّجت بالحنين الي الماضي والبكاء علي الامس ويمكن ان نستشهد ايضاً بربيع الحب..
في ربيع الحب كنا نتساقي ونغني
نتساقي ونُناجي الطير من عُصنٍ لغُصنِ
ثُم ضاع الامس مني وانطوت
في القلبِ حسرة..
وعن ربيغ الحب يحكي سيد خليفه انه قصد مسكن جماع بالقاهرة اوائل الستينات والفي جماع لدي باب الشقة وعلي يده بقايا طعام وفي الحين مسح جماع يده بجلبابه وعانق الفنان الكيير، تلك هي الروح الشفيفة فائِقة البهاء، تجشمت مرارات الماضي وهفت بها الذكري وطوّفت بها في توهان لا نهائي.
يحكي الفنان الكيير عبدالكريم الكابلي ان جماع دخل في نوبة صمت وصام عن الكلام قُرابة العامين قبل اعتزاله الحياة وروي لي ثُقاة ان جماع كان دائم التفييض وهو علي
حاله ذاك، يدوِن الهاماته علي الجدران بالفحم وعلي رمال شط النهر القديم.
مسار ادريس جماع كان محفوظاً لدينا نحن البحراويين، اذ اعتاد المرور باقصي شرق بحري
قُبالة نادي الامير، يغشي بوفيه النادي ويطلب شاياً، وغالبا ما كان يتركه ويذهب دون ان يدني منه الكوب.
وقيل انه ظل دائم السؤال عن اصدقائه القدامي
وحين يلتقيهم يجعل بينه وبينهم مسافة وينظر
اليهم بأسي وينسرب عنهم دون ان ينبُس.
رأيت جماع في سوق الخضار ببحري اواسط السبعينات وانا طفل، كان ماجِداً في انذهاله ذاك
اسمر، مديد القامة، علي وجههُ ٱثار ندوب قديمة
يمشي كمن يظلع، ويثبت نظرهُ تِلقاء قِبلة نجهلها
ويدريها..
عانقت عيناي أيضاً مُلهمة جماع ولا ادري لماذا
تذكرت ساعتها عجز البيت الذائع…
هينٌ تستشِفهُ بسمة الطِفل
قويٌ يصارع الاجيالا
حاسِر الرأس عِند كُل جمالٍ
مُستشِفٌ من كل شئٍ جمالا
محمد دنقلا