الأعمدة

صريحات د. جبريل تشعل منصات التواصل الاجتماعي،، التفاوض مع الإمارات.. جدل الممكن والمحظـور

جبريل: نريد أن نفهم لماذا تقتل الإمارات السودانيين بهذه الطريقة؟..
مراقبون: التفاوض لا يلغي شكوى السودان ضد الإمارات في مجلس الأمن..
مكي مغربي: التفاوض مع الإمارات أفضل من التوجه لجنيڤ..
دكتور راشد: التفاوض إما لتعزيز قيمة المصالح، أو للمواجهة الصريحة..

لسفير نادر: ينبغي استصحاب شهود دوليين بمواصفات خاصة..
قرير: إسماعيل جبريل تيسو..
جدلٌ واسع أثاره تصريح وزير المالية والتخطيط الاقتصادي، رئيس حركة العدل والمساواة السودانية، دكتور جبريل إبراهيم محمد، بشأن استعداد الحكومة السودانية للتفاوض المباشر مع دولة الإمارات العربية، حيث أقام تصريح دكتور جبريل، السوشيال ميديا ولم يقعدها، وتوزع المتجادلون ما بين منتقدٍ للتصريح ورافضٍ لمبدأ التفاوض مع دولة الإمارات الضالعة في التدمير الممنهج للسودان منذ اندلاع تمرد ميليشيا الدعم المسنودة من قبلها، فيما رأى آخرون عبقرية سياسية في تصريح رئيس حركة العدل والمساواة السودانية باعتبار أن لسان المنطق يقول بضرورة التعاطي المباشر مع المحرّك المباشر لآلية الحرب ومدير بوصلتها، نزولاً لواقع (طعن الفيل أوقع وأفضل من طعن ضلو).
اتهام مباشر:
وكان رئيس حركة العدل والمساواة السودانية، وزير المالية والتخطيط الاقتصادي دكتور جبريل إبراهيم محمد قد أعلن نيابة عن الحكومة السودانية الاستعداد للتفاوض المباشر مع دولة الإمارات لمعرفة الأسباب التي تجعلها تقتل السودانيين بهذه الطريقة الوحشية عبر ميليشيا الدعم السريع المتمردة، وأكد دكتور جبريل في حواره مع ( الجزيرة مباشر) أن دولة الإمارات تقدم دعماً لوجستياً يتمثل في الأسلحة والمعدات والعتاد الحربي يأتي لميليشيا الدعم السريع عبر مطارات تشادية.
شكوى رسمية:
وفي مارس 2024م تقدم السودان بشكوى رسمية ضد الإمارات في مجلس الأمن الدولي، بسبب دعمها لميليشيا الدعم السريع، وتضمنت الشكوى التي وضعها مندوب السودان الدائم في الأمم المتحدة، السفير الحارث إدريس الحارث في منضدة مجلس الأمن، سرداً للأحداث من بداية تنفيذ الميليشيا المتمردة هجومها على أهداف سيادية واستراتيجية في العاصمة الخرطوم منذ يوم 15 إبريل 2023م، مبيناً أن الإمارات لعبت دوراً رئيساً في إشعال فتيل الحرب عبر حليفها الداخلي ميليشيا الدعم السريع ما أدى إلى مقتل وإصابة آلاف المدنيين الأبرياء ونزوح وتهجير الملايين من السكان وتعريض الملايين إلى التأثر غير المسبوق بالفجوة الغذائية وانعدام الرعاية الصحية ونقصان الأدوية وتصاعد الشقاء والمعاناة المهولة ووقف عجلة الإنتاج وانهيار الاقتصاد وانتهاكات حقوق الإنسان وارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم ترقى للإبادة الجماعية.
أدلة جديدة:
وعاد مندوب السودان الدائم في الأمم المتحدة السفير الحارث إدريس الحارث الأربعاء الماضي ليقدم أمام مجلس الأمن الدولي أدلة جديدة على استمرار دعم دولة الإمارات لميليشيا الدعم السريع، واستند السفير الحارث في خطابه على ورد في التحقيقات الاستقصائية التي كانت صحيفة الكرامة السودانية أجرتها بشأن استمرار الدعم الذي ظلت تقدمه دولة الإمارات لصالح ميليشيا الدعم السريع المتمردة، وأشار السفير الحارث إلى زيادة حركة الشحنات البحرية القادمة إلى ميناء دوالا الكاميروني ومنها إلى تشاد وصولاً إلى السودان، وأبان السفير أن صحيفة الكرامة كشفت في تقريرها الاستقصائي أنه كان على متن الشحنات البحرية الإماراتية 112 حاوية محملة بالذخائر و22 مدفع عيار 120 ملم و33 قذائف صاروخية إلى جانب عدد كبير من المدرعات والسيارات القتالية طراز تويوتا لاندكروزر وصناديق من النترات الصناعية التي تدخل في صناعة المتفجرات.
شاهد من أهلها:
ورغم الرفض الإماراتي لاتهامات السودان إلا أن قرائن الأحوال تؤكد ضلوع الإمارات في دعم ميليشيا الدعم السريع بشهادة خبراء من الأمم المتحدة كانوا أعدوا تقريراً نشرته صحيفة “فايننشال تايمز” كشف عن عدة شحنات من الأسلحة والذخيرة تُفرغها دولة الإمارات العربية كل أسبوع من طائرات شحن في مطار في تشاد، وتُسلم إلى قوات الدعم السريع على الحدود السودانية، ويزيد استمرار الدعم الإماراتي من استعار أوار الحرب واشتعال نيرانها التي ما انفكت تأكل الأخضر واليابس، وتطيل بالتالي من عمر هذه المعارك الضارية، وربما يكون من باب هذا المبرر دخل دكتور جبريل إبراهيم محمد ليعلن إمكانية التفاوض المباشر مع دولة الإمارات واستعداد الحكومة السودانية لذلك.
الأصيل أفضل من الوكيل:
ويبدو الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الأستاذ مكي مغربي متفقاً تماماً مع مبدأ التفاوض المباشر مع دولة الإمارات العربية، وقال في إفادته للكرامة إن التوجه للحوار مع الأصيل في العدوان ويقصد بذلك دولة الإمارات، أفضل من التوجه إلى سويسرا والجلوس في طاولة تفاوض مع وفد ميليشيا الدعم السريع المتمردة في جنيف، ويرى الأستاذ مكي مغربي أن وجود علاقة تفاوضية مباشرة مع دولة الإمارات حتى لو لم تنجح في التوصل إلى تفاهمات، تعني نهاية الوكيل، وزاد” التفاوض مع الإمارات مثمر ولو استمر لعام كامل” ولكنه أكد أن ذلك لا يلغي حق السودان حكومةً وشعباً في الاستمرار بشكواه ضد الإمارات في الأمم المتحدة، واستمرار كل الدعاوى القانونية في مواجهتها بالحق العام والخاص.
التعامل مع الطرف الأساسي:
ويرى دكتور راشد محمد علي الشيخ، أستاذ العلاقات الدولية بالجامعات السودانية أن الدعم السريع بقيمة الحرب الماثلة حالياً يمضي إلى هزيمة وتلاشي واندثار، وبالتالي فإن التعامل ينبغي أن يكون مع الطرف الأساسي الداعم من ناحية الأسئلة والإجابات الافتراضية والمنطقية، وأبان دكتور راشد في إفادته للكرامة أن دولة الإمارات تمثل أدواراً لمحور وظيفي تقوم به بتفويض من الولايات المتحدة الأمريكية، مما يفرض على السودان أن يتعامل مع هذا القطب الذي تمثله دولة الإمارات، مع ضرورة استصحاب الأبعاد الأمنية والاستراتيجية والتجارية والاقتصادية للإمارات باعتبارها دولة نافذة من حيث القوة المالية، مبيناً أن التفاوض المباشر مع الإمارات على نحو ما ورد في تصريح وزير المالية والتخطيط الاقتصادي دكتور جبريل إبراهيم ينبغي أن يمضي نحو الإجابة على أسئلة متعلقة إما بتعزيز قيمة المصالح، أو بالمواجهة الصريحة بمعنى أن تدان الإمارات داخل مجلس الأمن وفقاً لشكوى السودان القائمة وذلك ارتكازاً على جزئيتين تتعلق الجزئية الأولى بدعم الإمارات وإسنادها لميليشيا الدعم السريع، فيما ترتبط الجزئية الثانية بخروج الوجود الدبلوماسي للإمارات في السودان من مسار العُرف المتعارف عليه كسفارة تمثل دولة ذات سيادة، إلى التدخل في الشأن الداخلي للسودان والتشكيك في واقع الأمر السياسي، مبيناً أن التمادي في الاستخدام الدبلوماسي المخالف لقانون فينا للعام 1648م الخاص بالبعثات الدبلوماسية يدين أبوظبي التي قال إن واشنطن تسعى لحمايتها، وتعمل على ضمان وجود السودان في خانة الظل بالنسبة للإمارات كدولة محورية بحيث لا يتوجه السودان شرقاً نحو المصالح التجارية العميقة نحو الصين ولا يتوجه نحو المصالح والقدرات العسكرية الكبيرة نحو روسيا، ولا يتوجه نحو التحالف الكبير الذي يتشكل حالياً بين إيران وروسيا والصين وكوريا الشمالية وتركيا، معتبراً أن السودان بدخوله هذا التحالف سيكون مؤثراً جداً عطفاً على موقعه الاستراتيجي المحاط بثمان دول، هذا فضلاً عن وجوده في تشكيل الدول المشاطئة والمطلة أو غير على البحر الأحمر.
شروط التفاوض:
لا بد من تفاوض من أجل وقف الحرب، فالتفاوض هو سبيل نهاية الحروب، هكذا ابتدر السفير نادر فتح العليم الخبير في فض المنازعات الدولية إفادته للكرامة، وقطع السفير نادر بخطورة التفاوض المباشر مع الإمارات على خلفية الدور الوظيفي الذي تلعبه الإمارات في المنطقة، مبيناً أن أبوظبي ليست لها أجندة خاصة، ولا إرادة لها، فهي دولة صغيرة متخمة برؤوس أموال رهينة بسعر البترول، وقد تزول هذه الاموال في أي لحظة متى انحسرت أسعار النفط، مبيناً أن الجلوس المباشر مع دولة الإمارات التي تنفذ إملاءات ومخططات من قبل الآخرين، غير مجدي، لعدم توفر الثقة، وزاد” ممكن يتفقوا معك داخل القاعات ويخرجوا بتصريحات إعلامية منافية للواقع كما حدث في المكالمة الهاتفية التي أجراها محمد بن زايد مع رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، وقال السفير نادر فتح العليم إنه في حال وجود مبادرة تتطلب ضرورة الجلوس مع الإمارات لإنهاء الحرب ووقف دعمها للميليشيا، فلا بد أن يتم ذلك عن طريق وسطاء دوليين يكونوا شهوداً، مؤمناً على ضرورة توخي الحيطة والحذر في اختيار الوسطاء الدوليين، بأن تكون جهات ذات تعامل اقتصادي مع الإمارات، وليست ذات تواصل سياسي، مقترحاً الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والاتحاد الأفريقي، والولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، والصين، إضافة إلى الجامعة العربية، وشدد السفير نادر على ضرورة أن يكون الحوار مباشراً بين السودان والإمارات، على أن يقتصر دور الوسطاء كشهود ومراقبين دوليين ليس إلا.
خاتمة مهمة:
على كلٍّ فإن الغبار الكثيف الذي أثاره تصريح دكتور جبريل إبراهيم بشأن إمكانية التفاوض مع الإمارات، سيكون له ما بعده، حيث يتوقع مراقبون أن تلتقط الإمارات نفسها القُفّاز وتتقدم خطوة تجاه السودان، بعد أن اقتنعت بهزيمة ميليشيا الدعم السريع ميدانياً، وتأكدت من رفضها شعبياً، الأمر الذي يدفع الإمارات لإقناع السودان بالتخلي عن شكواه في مجلس الأمن والتي دعمها بالأدلة والبراهين لتدين أبوظبي ولو بعد حين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى