الأعمدة

وجه الحقيقة..- الفلول ينتصرون لدولتهم.- إبراهيم شقلاوي.

منذ أن أشتعلت حرب السودان التي بدأتها قوات الدعم السريع المتمردة بانقلاب فاشل، مدعوم إقليميًا.. ومسنود من بعض القوى السياسية السودانية في منتصف أبريل من العام الماضي، تحت لافتة محاربة الفلول وتمكين الديمقراطية وتجاوز دولة 56 في إشارة لأنظمة الحكوم عقب استقلال السودان ، ظللنا في الوسط الإعلامي ندقق في هذه المفردات والمفاهيم والتعبيرات ، ونحاول مقاربتها باتجاهات الحرب وتطوراتها. الشاهد أنه سرعان ما سقطت هذه الادعاءات أمام سلوك و ممارسات هذه القوات المتمردة الباطش تجاه أهل السودان المدنيين، وتكشف لنا بعد ذلك أن شعارات الحرب هذه كانت جزءً من آلة التضليل الإعلامي الكذوب التي إبتدعها التمرد و ظلت تعمل بصدق عجيب لا يتوفر حتى عند الصادقين أنفسهم، كما يقول أستاذنا ضياء الدين بلال. وذلك سوف نأتي له في وقت آخر، لكن دعونا الآن نمضي تجاه فكرة المقال.. من هم الفلول الذين حسموا المعركة وانتصروا لدولتهم؟. وهنا اسمحوا لي أن أعرف هذا المصطلح بالصورة التي كشفت عنها تمظهرات هذه الحرب منذ أندلاعها خلال الشهور الماضية التي تفشي فيها القمع والإستبداد والموت بلا رحمة.. حتى لا يجيره البعض حسب مظانه ؛ حيث أن القوات المتمردة كانت تريده توصيفًا جامعآ مانعآ حصريًا على أنصار الرئيس المعزول عمر البشير، الذي أنقلب عليه نصراءه واسقطوه قبل أن يسقطه الشارع .. في خزلان لايليق بمؤسسة الإسلاميين التي ظلت تباهي بتماسكها امام تحديات الاختراق وموسسية قراراتها التنظيمية.

هذا المصطلح بين ليلة وضحاها شمل كل أهل السودان بلا استثناء، فقد أصبح أشبه بقاطرة حملت الجميع او مظلة أو خيمة وسعت جميع أهل السودان بكل مكوناتهم، إلا أولئك الذين ساندوا التمرد وشكلوا له حاضنة سياسية وما يزالون. هذا المصطلح يشمل كل الناس قاطبة الذين صمدوا وواجهوا آلة القمع والاستبداد ووقفوا أمام هؤلاء التتار الجدد، حفدة مغول الشتات، هؤلاء المستعمرون الذين مارسوا جهادية جديدة دون تدبر او اكتراث، بعثوا أسوأ فترات تاريخ السودان من جديد ، تلك الفترات التي ظلت شاخصة؛ بكل الامها و لم يطويها النسيان؛ رغم أجتهاد الكتاب و المثقفين الذين عملوا على تجاوزها.. حيث ظلت الذاكرة يملوها الأسى والنفس فيها شي من حتى .. كل اهل السودان بين يوم وليلة أصبحوا سوأ في هذه الحرب ربما تفاوتوا في درجات الاذى ومقدار الألام ، بالتأكيد إلا الداعمين لهذه القوات الذين ظلوا في حيادهم الكذوب وهم يناصروها في الخفاء، كانوا هم المنتظرين لنعوش السودانيين على الضفة الأخرى.

بالرغم من ذلك دعونا نفاخر بشعبنا الفلول بعد أن انتهكت حرماته، ونهبت ثرواته، وتم تهجيره وبيعت حرائره في سوق الرق في أبشع ظاهرة استعباد شهدها العصر الحديث ايقظت ضمير الإنسانية واظهرت فظاعة الحرب في أعلى تمثلاتها وويلاتها. هاهو ينهض من جديد بعد أن حرم هولاء المظلومون المساقون بالسياط أبسط مقومات الحياة والعيش الكريم، فضلاً عن العلاج الشافي والتعليم الرصين، لأنهم فلول، نعم جميعنا أصبحنا فلول في نظر هولاء المغول فقد تساوينا في نظرهم في الجرم و القصاص ، هكذا كان وصف فلول جلبابًا على مقاس الجميع بلا استثناء.. لم يتركوا لنا حتى مساحة للتفاوض أو الإنكار أو المساومة.. مع أن قادتهم كانوا أكبر الفلول حسب تعريفهم وفهمهم.. ومظانهم العمياء.

التحية لكم، شعبنا الكريم، وأنتم تصطفون ضمن مواكب الفلول الذي بدأ زحفه المقدس من حيث لم يكونوا يتوقعون أو يتحسبون ، في ذلك اليوم الذي اطلق قائد الجيش راس الدولة ندا الواجب أن هبوا الي نصرة بلادكم.. حينها ولدت المقاومة الشعبية حين تداعي الشباب والشيوخ والنساء لنصرة والوطن والقيم وحماية الأرض والعرض.. الي أن تبدل الحال.. لذلك قريبًا جدًا إلى النصر المبين أيها الفلول ، سوف تكون العودة إلى البيوت التي هجر أهلها على عجل إلى الحواري والمدن والطرقات. كلها ايام وتعدي والبيت العامر بالضيفان حاترجع من تاني البسمة لوطنا السودان.. كل الألم تصبح ذكرى بالكلمة الطيبة تحيا الأوطان.؛ أيها الفلول العائدون مع الظلام من الحقول، فإنكم كما قال محي الدين فارس: أسراب من الضحايا… الكادحون… العائدون مع الظلام من المصانع والحقول والمتاجر والمدارس… ملأوا الطريق!! عيونهم مجروحة الأغوار زابلة البريق !! يتهامسون ويهمهمون؛ مثقلون بالهموم؛ والجراح الأليم؛ نقول عند العودة تنتظرهم البشريات والنصر المبين؛ نعم، أنتم الشعب الكادح الذي لايعرف الخنوع او الانكسار.

أيها الفلول، هنيئًا لكم بهذه الفلولية الصامدة في كبرياء الباذخة في مهابة ويقين لا يعرف المواربةاو أنصاف الحلول هنيئًا لكم بهذا النصر الذي تلوح بشائره ويرسم تفاصيله رويدًا رويدًا جيشكم الوطني العظيم الذي قدم الشهيد تلو الشهيد دون أن تنكسر له إرادة أو تلين له قناة ، فإنكم أيها الفلول أثبتم أنكم شعب يأبى الخزلان او الخنوع ، ولا يعرف الحياة الملتبسة بالمفردات الكذوب. لذلك قلناها وجه للحقيقة: من يعرف عناد السودانيين وإصرارهم على الصمود و عدم الانكسار ، لن يجرؤ على الدخول معهم في مواجهة مفتوحة الاحتمالات غير مأمونة العواقب أو النهايات.

السودانيون الذين نعرفهم وتعرفون، يمكنك أن تعتلي ظهورهم بكلمة طيبة وقليل من الاحترام، لكن لن تستطيع أن تنتزع منهم ابتسامة وأنت تهينهم، فضلاً عن أن تنتهك أعراضهم أو تتعدى عليهم وتسرقهم وتشردهم من مأمنهم من بيوتهم ، حتى لو كانت تلك البيوت راكوبة مسقوفة بالحصير وبها عنقريب هبابي وزير بلا نقاع. من يفهم طبيعة السودانيين لا يجرؤ على نزالهم.. إنهم يعاندون الحياة ويتكابرون على الجراح. لذلك لن يفاوضوا، وإن فاوضوا، سيكون إتفاق جدة الموقع في 11 مايو من العام الماضي أدنى سقوفاتهم، لأنه ببساطة يضمن لهم مغادرة التمرد حياتهم للأبد بأشخاصه وشخوصه وكل ابتزازه واستعباده.

إنهم هكذا أهلي و عشيرتي أهل السودان لو أرادوا حربًا فإنهم يمضون فيها إلى نهاياتها بلا خوف أو حسابات، وإن أرادوا سلماً فلا يرضون أيضًا إلا بسلام أبلج لا يعيدهم إلى الحرب من جديد.. إنهم لا يعرفون أنصاف الحلول أو الاحتمالات الرخوة ، لا يعرفون نصف انتصار أو نصف هزيمة. كما هم دائمًا يستدعون الذاكرة الشعبية بأمثالها النضرة : “الني للنار”. لذلك الان يمكننا القول إن الفلول ينتصرون لدولتهم في عز وعزيمة وكبرياء .. تذكروا أيها الأحبة الفلول كل الشعب وليس بعض الشعب، كما أراد التمرد، وكما كانوا يريدون ان تمضي بذلك أقدار التاريخ.

دمتم بخير وعافية.
الأربعاء 25/سبتمبر 2024
Shglawi55@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى