الأعمدة

مجزرة الحلفايا تهديد للشعب السوداني : مناظير – زهير السراج :

قال النائب العام للحكومة السودانية (حكومة الأمر الواقع في بورتسودان) امام مجلس حقوق الإنسان في جنيف الشهر الماضي، بأنهم يرفضون وجود بعثة دولية للتقصي في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في السودان، مبررا الرفض بوجود لجنة وطنية محايدة للتقصي في الجرائم، فهل أفصح لنا ماذا فعل في جرائم القتل وبقر البطون وقطع الرؤوس التي اُرتكبت من قبل، بل تم تصويرها بواسطة الجناة ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، أم لم تكن تلك جرائم حرب في رأيه؟!.
وماذا سيفعل مع الجرائم البشعة التي ارتكبتها جماعات تابعة للجيش في منطقة الحلفايا بالخرطوم بحري قبل يومين وقتلت فيها العشرات من الأبرياء العزل، ووثقتها بالفيديو ونشرتها بدون خوف أو وجل من المساءلة والعقاب على وسائل التواصل الإجتماعي وهي تنذر وتهدد بارتكاب المزيد، بل هدد أفرادها الشعب بأكمله عبر التسجيل المصور، وهم يتجولون فوق جثث الضحايا ومعظمهم من الأطفال (باعتراف الجناة أنفسهم في التسجيل)، بأن هذه هي الطريقة التي سيتعاملون بها مع الجميع منذ الآن ولاحقا، وهاهو التسجيل:
“كانْ كل الشعب السوداني تاني كِده، حيكون تعاملنا تاني كده، أنحنا كده، وما حنغير طريقتنا دي وحنشتغل كده، والداير يقعد معانا بي أدبو يقعد، والما داير يقعد معانا بي أدبو الواطة بتشيلو، (هَتِك مَتِك ذخيرة، هاك بِلي، بِلي، قصدير أبيض)” ــ تخيل هذه البذاءة ــ ثم يؤكد تهديده للجميع مرة أخرى: “كلكم والله العظيم”.. كل هذا تهديد للشعب السوداني!!.
ويعترف في الفيديو بأن الذين قاموا بتصفيتهم بدم بارد هم أطفال صغار: ” شفع بتاعين سِلس، كلهم بتاعين السِلسيون، كلهم عاين ليهم، شفع صغار، شفع صغار عاين ليهم، سِلس وعواليق ووسخ وقرف، وبيوت الناس بوظوها وكسرَّوها وطلَّعوا روحا، وقروش الناس سرقوها، نهبوها والدهب والعروض، والله عندنا العُروض، بس المشكلة العُروض، ده كلو تار للعروض، ولسع عندنا تاني تارات أخرى عايزين حناخدها”
*ويضيف أحد الجناة مهددا ومتوعدا بارتكاب نفس الجرائم مرة أخرى: “بس كده، ما عندنا تاني رحمة، وما عندنا اتنين تلاتة، وما عندنا ستة خمسة، بل زي البل، دق زي الدق، وحيشوفوا ولسة حيشوفوا، وما شافوا حاجة، لسع ما شافوا حاجة”..!.
كان ذلك نموذجا من أقوالهم وتهديداتهم التي رافقت التسجيلات المصورة لقتل المدنيين العُزَّل بتهمة التعاون مع قوات الدعم السريع، ومعظمهم من الشباب والأطفال في منطقة الحلفايا بأم درمان، وهي تسجيلات مبثوثة على كل وسائل التواصل الإجتماعي، ولا شك أن النائب العام لحكومة بورتسودان قد شاهدها، فهل سيأمر بإلقاء القبض على الجناة وتقديمهم للعدالة، أم سينفي وقوع الجرائم البشعة، أم سيُصدر بيانا يتحدث فيه عن القبض على الجناة ويعد فيه الناس بالإطلاع على نتائج التحقيق في وقت قريب بدون أن يحدث شيء حتى ينسى الناس ما حدث، وهل ما زال مصرا على رفض بعثة تقصي الحقائق الدولية في جرائم الحرب في السودان باعتبار أن هنالك بعثة وطنية، ولعلمه فإن (الفيديوهات المصورة السابقة والحالية) قد وصلت بالفعل، حسب مصادري، إلى بعثة التقصي الدولية التابعة لمجلس حقوق الإنسان بجنيف، فماذا سيفعل؟!.
هل يُعقل أن يُقتل أشخاص وأطفال عُزَّل بكل هذه البشاعة والوحشية، وحتى لو فرضنا إنهم كانوا من المتعاونين مع مليشيا الدعم السريع وخربوا وسرقوا ونهبوا وإغتصبوا وقتلوا (وعملوا السبعة وذمتها)، أو كانوا جنودا تابعين للمليشيا، فهل هذه هي الطريقة التي يتم بها التعامل مع الأسرى والعُزَّل، دينيا وقانونيا وإنسانيا وأخلاقيا .. أي دين وأي قانون وأي أخلاق وأي إنسانية تجيز ذلك، ولأي وحوش ينتمي المجرمون الذين ارتكبوا هذه الجرائم البشعة، وهل هذه هي الحرب التي يروج لها البعض ويحرضون عليها ويطلقون عليها حرب الكرامة؟!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى