حرب التسوية
هي الحرب الاخيرة الجارية الآن بين المقاومة العربية ـ الإسلامية في فلسطين المحتلة ولبنان واليمن والعراق من جهة وإسرائيل وأمريكا والغرب الاوروبي المتواطىء مع تل أبيب من جهة أخرى..لن تكون الأخيرة بالطبع في مسار الصراع الوجودى بيننا وبين الصهيونية إنما الأخيرة في ظل النظام الأمنى السائد حاليا في الإقليم.. نظام أمني قائم على هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على مصير العرب (الثروة ـ الجغرافيا) ،بعصا صهيونية ،لا تعرف سوى الجرائم والذبح والحرق والتدمير..نظام أمني كل وحداته السياسية خائفة من حالة “الأمن” في الإقليم ..نظام أمني إقليمي استنفذ مبررات وجوده ،وحان وقت تغييره بالقوة، طالما أن التفاوض السلمي لا يلبي اهداف نتينياهو في السيطرة على الشام الكبير والانتشار من المحيط للخليج، ولا يوفر الطمأنينة للعرب ، ويهدد دول الخليج بفزاعة إيران، ويفشل في وقف المذابح في السودان والدمار في اليمن ،ومآلاته قد تنذر بتقسيم سوريا ، واتفاقيات الدفاع المشترك فيما بين العرب باتت حبرا على ورق ..المغرب العربي الكبير يشكو هو الآخر من “الحالة الأمنية” التي تؤجج نيران الصدام بين المغرب والجزائر ..حالة أمنية شطبت ليبيا من الخريطة السياسية العربية (مؤقتا) ، تفتح الباب لتيارات العنف الديني في بغداد ودمشق للإنقضاض على الدولة تحت شعارات هائمة يستحيل الإمساك بملامحها الوطنية.
النظام الأمني في الإقليم استنفذ مبررات وجوده السياسي :
اليمين الصهيوني بقيادة تينياهو يعتبرأن تلك الحرب هي الأخيرة له لتحقيق”حلم” مشروع الهيمنة المتمثل في القضاء على المقاومة وتفريغ غزة من سكانها وتهجيرهم وابتلاع الضفة بالمصادرة والمستوطنات ثم الالتفاف إلى صنعاء وبغداد قبل أن يحط أقدامه في الرياض..ولأن إسرائيل تفهم الجغرافيا بلأمن ،وتفهم الأمن بالقوة والغطرسة ، فإن الحرب الدائرة الآن لابد أن تكون الأخيرة لها في ظل هذا النظام الأمني الذي يؤخر كثيرا المشروع الصهيوني في الهيمنة (كما يعتقد اليمين الديني هناك) ..إسراتئيل تدرك أنها حرب التسوية بالقوة لفرض اتفاقات سياسية تُمَكِنْ نتينياهو من تعليق خريطة الشرق الأوسط التي يحلم بها على حائط الكنيست..والظرف الاستراتيجي العام يمنحه فرصه ، ربما تكون الأخيرة.
هي أيضا الحرب الأخيرة للمقاومة الفلسطينية واللبنانية للبقاء والوجود ، بما يُفشِل المشروع الصهيوني برمته،أو الفناء (إلى حين) وخسارة كل شيء :الأرض والسلاح والحضور السياسي ..كذلك هي حرب أخيرة لإيران في ظل هذا النظام الأمني الذي تأسس في أعقاب حرب اكتوبر 73.. إذا صمدت المقاومة ولم تنكسر ، فإن طهران تتقدم إلى موقع جيوسياسي، يمكنها من حل مشاكلها مع الغرب وفرض حضورها المؤثر في أية تسويات سياسية مقبلة وفرض إشراك المقاومة الفلسطينية واللبنانية في مفاوضات التسوية الأخيرة..وإذا فرض نتينياهو إرادته السياسية بقوة السلاح، فإن إيران أمام مصير مجهول ينذر بعواقب وخيمة.
هي الحرب الأخيرة بالنسبة للأردن في ظل هذا النظام الأمني القائم بالمنطقة ..انتصار نتينياهو يعني الانتقال إلى محطط تهجير سكان الضفة الغربية إلى المملكة الهاشمية ،ما يؤدي إلى انفجار الأوضاع هناك ويهدد بزوال المملكة ذاتها خصوصا إذا ما اشترط نتينياهو في التسوية القادمة بعد وقف النار في كل الجبهات، إكسابه مشروعية حق التدخل بالقوة في أي دولة عربية تحتضن المقاومة أو حتى تحرض على إسرائيل..شرط قد يفضى بالضرورة إلى سن تشريعات في بلاد العرب تعاقب أي وكل خطاب كراهية وعداء لإسرائيل.
هي الحرب الأخيرة للداخل المحلي اللبناني أيضا،بين قوى الثامن والرابع من أذار،الذين تشكلا قي أعقاب اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريرى. كلاهما يسعى إلى إلغاء الآخر إلى مستوى الصراع حتى النهاية ،ولو كانت النتيجة ذهاب البلاد إلى المجهول..هي الحرب الأخيرة التي ينتظر نتائجها بفارغ الصبر النخب السياسية المعادية لحزب الله ،قائد تيار الثامن من آذار،الرافض للمشروع الأمريكي ـ الإسرائيلي بترويض لبنان ونزع سلاح المقاومة منها ،مع وعود بإعادته إلى سابق عهده ،باريس الشرق.. فإما نهاية سلاح حزب الله والخلاص من أكبر مشاكل “الدولة” وإما استمراره ووجوده بنصوص قانونية ملزمة في التسوية المقبلة نقطع الطريق على مشروع “باريس الشرق”الذي تروج له النخب في قوى 14 أذار التي تضم حزب الكتائب الذي سبق وأن قاتل إلى جانب في مواجهة الفلسطينيين ، ولا تمانع فيه اسرائيل باعتباره الحل الأمنى المستدام له في جبهتها الشمالية.
ـ هي أيضا قد تكون الحرب اللازمة قبل إبرام أية تسوية سياسية في اليمن، تحدد موقع وموضع القوى والتيارات المتصارعة هناك من السلطة ، وترسم علاقة جديدة مع السعودية بما يضمن الاستقرار في جزيرة العرب وباب المندب..الحرب الأخيرة بين اسرائيل والمقاومة في غزة والضفة و لبنان والعراق واليمن وسوريا تحتاج لها الجفرافيا السياسية في جنوب الجزيرة العربية لتقرر ما إذا كانت تضاريسها ستتشكل على يد نتينياهو أم تنحتها المقاومة.
في الخليج أمنيات بأن تكون الحرب الأخيرة التي تسبق التسوية السياسية في الإقليم ،وتحدد شكل العلاقات الخليجية مع إيران وإسرائيل بما يتماهي مع مصالح دول مجلس التعاون الخليجي، بيد أن سيناريو “انتصار المقاومة يرفع مستوى الخوف الخليجي من إيران االداعمة للفصائل العربية المسلحة المساندة لغزة ،بالمال والسلاح والسياسة،وكما تشير بعض التحليلات،فإن الموضع “الجيوسياسي” الذي تحصل عليه إيران إذا ما صمدت المقاومة وكسرت الجموح الإسرائيلي، يكون في نظر “المحور الخليجي” تهديدا للاستقرار الإقليمي الذي يعتبر أمراً حيوياً لحلم النمو الاقتصادي وفق برنامج “رؤية 2030” لصاحبها ولي العهد السعودي (جريدة القدس العربي ا أكتوبر)..
النظام العربي يقف هو الآخر على رأسه..هو بلغة الشارع في “حيص بيص” انتظارا لما تسفر عنه الحرب الأخيرة ،أو”حرب التسوية”الجارية الآن ..من الطبيعي أن تطلب الأنظمة العربية الحاكمة الاحتفاظ بمواقعها في الثروة (على الأقل) في جغرافيا نتياهو “المقبلة” ، بوعود أمريكية وتعهد إسرائيلي ، وفي جميع الأحوال ، يبدو أن العرب سيدفعون ثمنا سياسيا لتسديد فواتير الحرب بيد أن سيناريو “المقاومة” يرفع مستوى الخوف الخليجي من إيران إذا ما انتصر محور المقاومة الذي تدعمه بالمال والسلاح والسياسة،وكما تشير بعض التحليلات،فإن الموضع “الجيوسياسي” الذي تحصل عليه إيران إذا ما صمدت المقاومة وكسرت الجموح الإسرائيلي، يكون في نظر “المحور الخليجي” تهديدا للاستقرار الإقليمي الذي يعتبر أمراً حيوياً لحلم النمو الاقتصادي وفق برنامج “رؤية 2030” لصاحبها ولي العهد السعودي (جريدة القدس العربي ا أكتوبر)….سواء انتصر نتينياهو أم صمدت المقاومة واحتفظت بوجودها وسلاحها .
أحمد عادل هاشم