ماهو دور مصر في السودان بعد اتهامات حميدتي ؟
أبرزت تصريحات لقوات الدعم السريع السودانية بشأن مصر الدور المصري في الأزمة السودانية، حيث تشهد البلاد صراعاً منذ عام ونصف بين جنرالين متصارعين، ما أسفر عن مقتل الآلاف ونزوح ملايين الأشخاص.
وجهت قوات الدعم السريع في السودان تحذيراً قوياً إلى القاهرة، وكشفت لأول مرة عن وجود “أسرى مصريين” لديها حالياً، أفادت بأنهم شاركوا إلى جانب الجيش السوداني في النزاع الحالي.
ذكر البيان أن “الموقف الرسمي لمصر لم يتغير في دعمه للمؤسسات والأنظمة العسكرية بشكل عام، مما أدى إلى تناقضها في احتضان الجيش السوداني الذي تم الاستيلاء عليه بالكامل من قبل جماعة ‘الإخوان المسلمين’ في السودان”.
وجاء في البيان: “لم تتوانَ الحكومة المصرية عن توفير الدعم العسكري للجيش، بما في ذلك الأسلحة والذخائر وقنابل الطائرات، بالإضافة إلى التدريب والدعم الفني والسياسي والدبلوماسي والإعلامي”.
تتمتع مصر والسودان بعلاقات تاريخية تعود لعهود متعددة.
قبل اندلاع الحرب بين قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، ونائبه السابق قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، أجرت الدولتان تدريبات مشتركة ونسقتا مواقفهما بشأن قضية سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا، الجارة، على نهر النيل.
في نوفمبر 2020، أفاد مصدر عسكري سوداني بأن كل من مصر والسودان قامتا بإجراء مناورات عسكرية جوية تحت عنوان “أسود النيل 1”.
قال المصدر لموقع الحرة في ذلك الوقت، إن قاعدة الفريق عوض خلف الله الجوية القريبة من قاعدة مروي الجوية ستشهد التدريبات الجوية المشتركة.
كان الجيش المصري يمتلك قوات في قاعدة مروي الشمالية عندما بدأت الحرب بين حميدتي والبرهان.
في مارس 2021، أعلن الجيش المصري عن تنفيذ قوات سودانية ومصرية لسلسلة من التدريبات العسكرية، وذلك ضمن المناورات المشتركة “نسور النيل- 2″، في ظل توتر العلاقات بين أديس أبابا والقاهرة والخرطوم بسبب قضية سد النهضة.
في أبريل 2023، بدأت ملامح التوتر بين مصر وقوات الدعم السريع، عندما قامت الأخيرة بنشر مقطع فيديو في 15 أبريل يظهر فيه جنود مصريون محتجزون لديها.
وأشارت إلى أن “كتيبة من القوات المسلحة المصرية قد استسلمت” في مدينة مروي، وسط الاشتباكات المستمرة بين الجيش وقوات الدعم السريع هناك.
وفي البيان الأخير، أوضحت قوات الدعم السريع أنه “لم يكن سراً احتجاز قواتنا لضباط وجنود مصريين في قاعدة مروي العسكرية، حيث تم تسليمهم لاحقاً إلى الحكومة المصرية من خلال الصليب الأحمر الدولي”.
أشار البيان إلى دور مصر في “الإطاحة بالحكومة المدنية خلال المرحلة الانتقالية.
ظهر الموقف المصري الداعم للجيش السوداني من خلال محطات معروفة وأدلة ملموسة.
كانت مصر تعتبر شريكًا أساسيًا في الحركة الإسلامية و”الجيش المختطف” في بدء الحرب، حيث تم تجميع طائراتها في مروي، وكانت جزءًا من الاستراتيجية العسكرية لبدء النزاع.
واتهمت قوات حميدتي الطائرات المصرية بقصف معسكرات قوات الدعم السريع، بما في ذلك “مجزرة معسكر كرري”.
في فيديو تم نشره في التاسع من أكتوبر الحالي، اتهم “حميدتي” الجيش المصري بقصف قوات الدعم السريع في جبل موية بولاية سنار في وسط السودان.
وقال حميدتي: “لقد صمتنا لفترة طويلة على مشاركة الطيران المصري في الحرب على أمل أن يتراجعوا، لكنهم تجاوزوا الحدود الآن”.
أكد أنه في شهر أغسطس الماضي، وصلت طائرات k-8 التابعة للجيش المصري إلى القاعدة الجوية في بورتسودان، “وهي تشارك الآن في القتال، وآخر مشاركة لها كانت في معركة جبل موية”.
واتهمت الطائرات المصرية أيضًا بـ “قتل المئات من المدنيين الأبرياء في دارفور والخرطوم والجزيرة وسنار، ومليط، والكومة، ونيالا، والضعين”.
نفى الجيش السوداني في سبتمبر الماضي استلامه طائرات من طراز K-8 من مصر، مشيراً إلى أنه يمتلك أسراباً من هذا النوع من الطائرات منذ أكثر من عشرين عاماً.
قال البيان الأخير لقوات الدعم: “يوضح موقف مصر بشكل أكبر في البيان الذي أصدرته وزارة خارجيته، حيث وصفت قوات الدعم السريع بالمليشيا، مما يعد دليلاً آخر يعزز موقفنا تجاه الحكومة المصرية التي لا تتبنى الحياد، إذ لم تتردد في الكشف عن نواياها الحقيقية تجاه قوات الدعم السريع”.
وردًا على هذا البيان، ذكرت وزارة الخارجية المصرية في بيان لها أن الجيش المصري لا يشارك في النزاعات الجارية في السودان، ودعت المجتمع الدولي للتحقق من الأدلة التي تدعم ما ذكره حميدتي.
أوضحت وزارة الخارجية المصرية أن هذه الاتهامات “تظهر في سياق الجهود المصرية المكثفة لوقف النزاع وحماية المدنيين وتعزيز الاستجابة الدولية لخطط الإغاثة الإنسانية للمتضررين من الحرب المستمرة في السودان”.
وأفاد البيان بأن “مصر تهتم بأمن واستقرار ووحدة السودان أرضًا وشعبًا، وتؤكد أنها ستبذل قصارى جهدها لتقديم كافة وسائل الدعم للسودان لمواجهة الأضرار الكبيرة الناتجة عن هذه الحرب”.
قال أشرف أبو الهول، مدير تحرير صحيفة الأهرام المصرية، لموقع قناة الحرة إن مصر لم تشارك في أي عمليات عسكرية، وأنه إذا كانت ترغب في ذلك، لكانت فعلت ذلك في اللحظة الأولى.
يشير أبو الهول إلى أن حميدي زعم أن قواته كانت متجهة نحو مروي بسبب “وجود احتلال مصري”، بالرغم من أن القوات المصرية كانت موجودة هناك لأداء مهام تدريبية لدعم الجيش السوداني في استعادة أراضيه في الفشقة.
قال أبو الهول: “لم يذكر حميدي، الذي كان نائبًا للبرهان وشاهدًا على اتفاق تدريب القوات المصرية للقوات السودانية، أنه سينقلب على البرهان أو أنه سيشن هجومًا على القوات السودانية في عدة مواقع، بل ذكر أنه سيهاجم القوات المصرية”.
ومع ذلك، أشار أبو الهول إلى أن مصر “اتسمت بالصمت والسكينة ولم تتدخل في هذه الأزمة”.
تقول وكالة رويترز إنه على الرغم من قرب مصر من الجيش السوداني وقائده البرهان، إلا أن البلاد شاركت في جهود الولايات المتحدة والسعودية للتوسط في النزاع.
شاركت القاهرة في المفاوضات التي قامت الولايات المتحدة والسعودية بالتوسط فيها، والتي انطلقت بعد فترة وجيزة من بداية الحرب في أبريل 2023، بهدف تقليل الفجوات بين الطرفين وإنهاء الصراع.
ذكر تقرير سابق للهيئة العامة للاستعلامات في مصر (وهي جهة حكومية) أنه في مايو 2023، أعربت مصر عن أملها في أن تؤدي المفاوضات الأولية بين ممثلي القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في جدة إلى وقف شامل ودائم لإطلاق النار، “يحمي أرواح ومكتسبات الشعب السوداني الشقيق، ويسهل وصول المساعدات الإنسانية والإغاثية للمتضررين”.
يُشير طاهر المعتصم، المحلل السياسي السوداني، في تصريحات لموقع الحرة، إلى أن التدخل المصري لحل الأزمة بدأ في يوليو 2023 عندما تمت دعوة رؤساء دول الجوار لعقد قمة. ثم، في يوليو 2024، تم دعوة القوى المدنية والسياسية السودانية للاجتماع في القاهرة بهدف التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب.
قال وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، أثناء مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية، إن أي حل سياسي “يجب أن يستند إلى رؤية سودانية خالصه، دون تدخلات خارجية”، مؤكدًا على أهمية “وحدة الجيش ودوره” في تأمين البلاد.
ذكرت صحيفة الأهرام في ذلك الوقت أنه “من خلال تنظيم المؤتمر، تسعى مصر إلى تعزيز حوار سياسي بين السودانيين مع التأكيد على أن أي حل يجب أن يتم من داخل السودان دون تدخل خارجي.”
استقبلت مصر عشرات الآلاف من السودانيين في أراضيها، وقدمت المساعدة في إجلاء الآلاف منهم.
في مارس 2024، استقبلت وزارة الخارجية المصرية ممثلين عن اللجنة العليا للاتحاد الأفريقي المختصة بالسودان، وذلك لتعزيز الجهود الرامية إلى إيجاد حل شامل ومستدام للأزمة في السودان.
رأى أبو الهول في تصريحاته لموقع الحرة أن الاتهامات التي وجهها الدعم السريع تأتي في سياق محاولات حميدتي لتبرير “الإخفاقات” التي تعرضت لها قواته، وذلك بعد أن “استعاد الجيش السوداني قوته ووجه ضربات مؤثرة في عدة مناطق تتواجد فيها هذه القوات.”
قال أبو الهول: “مصر منذ البداية قررت عدم التدخل في الصراع، على الرغم من الادعاءات المتعلقة بمروي، وكان بإمكانها استخدام تلك الادعاءات كمبرر للتدخل بعد الخسائر التي تكبدتها القوات المصرية، بما في ذلك تضرر ثلاث طائرات تدريب”.
قال جوزيف سيغل، الخبير في الشؤون الأفريقية بمركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية في واشنطن، لموقع الحرة إن “المصريين لم يدخلوا في الحرب بشكل مباشر”.
لكنه يلفت الانتباه إلى بعض التقارير التي تتناول “نوعاً من الدعم المالي المصري للقوات المسلحة السودانية”.
وبشكل محدد، تزويدها بطائرات مسيرة للمساعدة في استعادة بعض الزخم.
يعتقد سيغل، الذي يراقب الأنشطة المصرية في أفريقيا، أن الاتهامات التي وجهها حميدتي تهدف إلى “صرف الانتباه عن حصول قواته على دعم مالي ومادي منذ بداية الصراع من روسيا، عبر تشاد، وجنوب ليبيا، وجمهورية إفريقيا الوسطى”.
هذا الدعم “استمر لفترة من الزمن وساعد قواته في تحقيق بعض الإنجازات”.
لهذا السبب، يسعى حميدتي حالياً إلى “صرف الانتباه عن ما يجري بشأن مؤيديه في المنطقة والدعم الذي تتلقاه قواته من الجهات الإقليمية”.
يعتقد طاهر المعتصم، المحلل السياسي السوداني، أن قوات الدعم السريع “تسعى للحصول على شرعية لتدخل دول أخرى في الشأن السوداني”، مشيرًا إلى أنها تبحث حاليًا عن دعم من دول مثل إثيوبيا.
يصرح المعتصم بأن قوات الدعم تفتقر إلى الأدلة القاطعة التي تثبت مشاركة مصر في العمليات العسكرية الداعمة لهم.
اتهمت الحكومة السودانية دولة الإمارات بـ”الاستمرار في تقديم الدعم” لقوات الدعم السريع من خلال توفير الذخائر والمركبات القتالية والطائرات المسيرة وغيرها، كما صرح بذلك وزير الخارجية حسين عوض خلال مؤتمر صحفي أقيم في بورتسودان يوم الاثنين.
وتابع الوزير، وفقاً لما نقله مراسل الحرة، أن تقارير الأمم المتحدة “أكدت هبوط 400 رحلة جوية لطائرات تحمل أسلحة ومعدات عسكرية إلى مطار أم جرس في شرق تشاد، بالإضافة إلى مطار انجمينا (عاصمة تشاد)”.
قامت الإمارات سابقاً بنفي جميع التهم المتعلقة بتزويد قوات الدعم السريع بالأسلحة، وأكدت أنها لم تقدم أي دعم عسكري لأي من الأطراف المتنازعة في السودان.
في يوليو الفائت، ذكرت البعثة الإماراتية في الأمم المتحدة أن المزاعم التي تدعي خلاف ذلك هي “أكاذيب ومعلومات مغلوطة، ودعاية تروجها بعض الشخصيات السودانية”.
زار قائد قوات الدعم السريع إثيوبيا في شهر ديسمبر الماضي، حيث صرح بأنه تم مناقشة ضرورة إنهاء الحرب بشكل سريع.
المصدر الحرة – واشنطن