الأعمدة

قراءة في التعديلات الوزارية من زاوية أخرى

 

حظيت التعديلات الوزارية التي جرت في السودان مؤخرا باهتمام واسع من السودانيين، حيث شملت تغييرات في أربعة وزارات مهمة : وزارة الخارجية، ووزارة الثقافة والإعلام، ووزارة التجارة، ووزارة الأوقاف، تم تعيين كفاءات مميزة، مما أثار اهتمام السودانيين وثقتهم في هذا التغيير، الذي يُعد مؤشرًا إيجابيًا لإدارة ما بعد الحرب بعيدًا عن الأحزاب السياسية التي من المتوقع أن تأتي للسلطة عبر الانتخابات التشريعية في مرحلة لاحقة .

يتطلع السودانيون في هذه الفترة إلى إدارة البلاد تحت قيادة الكفاءات الوطنية اللاحزبية ، لذلك يُعتبر هذا التعديل خطوة إيجابية ، وقد تتبعه تعديلات أخرى في حقائب وزارية أخرى قبل نهاية العام ليكتمل النسق الوزاري قبل إجازة ميزانية العام 2025م مع من سيكملون الفترة الانتقالية التي بدأت ملامحها بالتشكل عبر الإعلان عن وظائف قيادية في الدولة تُختار بناءً على الكفاءة الوظيفية والخبرة التراكمية في مجال العمل .

جاء تكليف السفير علي يوسف بوزارة الخارجية، وهو دبلوماسي مخضرم يتمتع بخبرة كبيرة ومساهمات ملموسة في الساحة الدبلوماسية ، ولديه رصيد من العلاقات الدولية يؤهله لقيادة هذه الوزارة المهمة التي طالما واجهتها تحديات في الأداء خاصةً خلال فترة حرب الكرامة وقد اعتبرها المراقبون متعثرة بسبب عدم قيامها بدورها بشكل كافٍ على الرغم من وجود خبرات مهنية ممتازة ، مما يجعل الحاجة ضرورية لشخصية قادرة على ضبط إيقاع الأداء الدبلوماسي وإيصال صوت البلاد للخارج .

أما وزارة الثقافة والإعلام فقد تم تعيين الأستاذ خالد الأعيسر، وهو صحفي وإعلامي بارز له دور مشهود في الإعلام السياسي. وقد برز دوره خلال حرب الكرامة في الدفاع عن السودان وحقه في الحفاظ على سيادته ضد التهديدات، كما يتمتع الأعيسر بعلاقات واسعة في المجال الإعلامي الخارجي ، وهو جانب افتقدته الوزارة لفترة طويلة رغم الجهود المبذولة.

في وزارة التجارة ، عُين محمد بالنفير الذي يمتلك خبرة واسعة في المجال البحري والاتفاقات الدولية، ويُعتبر من الكفاءات المهنية القادرة على تطوير العمل في هذه الوزارة ، خاصةً أنها من الوزارات الاقتصادية التي تحمل مسؤوليات كبيرة في المرحلة المقبلة .

أما وزارة الأوقاف ، فقد تم تكليف الدكتور عمر بخيت ، وهو أستاذ بارز في الدراسات الإسلامية وله إسهامات مؤثرة في العمل الإسلامي المؤسسي . يحظى بثقة طلابه ويعتبر من الكفاءات التي تمثل تيار الوسطية ، ويعرف برؤيته المعتدلة في معالجة الشؤون العامة. جميع الوزراء الجدد يتمتعون بكفاءة واحترافية عالية في مجال عملهم، ولا ينتمون لأي جهة سياسية مما عزز ثقة الشعب السوداني وتفاؤله بهذا التعديل.

تركز اهتمام المراقبين بصورة خاصة على تعيين خالد الأعيسر وزيرًا للثقافة والإعلام ، حيث كان الإعلام الرسمي ضعيفًا خلال فترة الحرب ، ما دفع السودانيون للجوء إلى الإعلام الشعبي و الإعتماد على سائل التواصل الاجتماعي ومنصات الإعلام الإلكتروني التي لم تكن دائمًا موثوقة ، مما سبب فوضى إعلامية كبيرة انعكست سلبًا على معركة الكرامة وعلى الأداء الحكومي . لذا يجب على الوزير الاستفادة من المنصة الرسمية للدولة (سونا) في نقل الأخبار وضبط التصريحات الرسمية ، مع تفعيل دور الناطق الرسمي للحكومة، وأنشأ مجلس استشاري للإعلام .

يجب أيضًا توحيد المنصات الإعلامية للجيش والحكومة ، وتنظيم التصريحات وتوقيتاتها، مع اعتبار هذه التعديلات الوزارية كخطوة تحضيرية لمرحلة قادمة تهدف إلى إظهار الجانب المدني للدولة بعيدًا عن المظهر العسكري ، مما يمثل استعدادًا للانتقال من أجواء الحرب إلى أجواء السلام والاستقرار، في تقديري أن ذلك يُعد جزءً من رؤية الرئيس عبد الفتاح البرهان للتفاعل مع الجهود الدولية والإقليمية الداعمة للسودان .

إن تعيين الوزراء الجدد يُعد خطوة إيجابية نحو تعزيز دور القطاعات الحكومية وتحسين أدائها ، ما يستدعي من الوزراء العمل بجدية لتحقيق تطلعات السودانيين في استعادة الأمن وتحقيق السلام .

هذا هو وجه الحقيقة الذي نتطلع من خلاله إلى التأكيد على أهمية دور الإعلام في تعزيز السلام والمصالح العليا للبلد كذلك إلى دور العمل الدبلوماسي الخارجي الذي بإمكانه أن يحمل رؤية السودان بوضوح لدعم قضيته العادلة و لكسب ثقة المجتمع الدولي للقيام بالإجراءات اللازمة لردع مليشيا الدعم السريع وداعميها المحلين و الإقليميين هذا ما يمثل قراءة في التعديلات الوزارية من زاوية أخرى .
دمتم بخير وعافية .
الأربعاء 6 نوفمبر 2024

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى