الأعمدة

المؤتمر الوطني: صراع أفكار أم صراع على السلطة؟!.

شهدت الساحة السياسية السودانية خلال الأسبوع الماضي تباين في الرأى حول انعقاد شورى حزب المؤتمر الوطني الحزب الذي يُعتبر رسميًا محلولًا وفقًا للإجراءات التي اتخذتها لجنة إزالة التمكين عقب ثورة ديسمبر 2019 .غير أن قيادات الحزب ترى أن تلك الإجراءات باطلة وغير قانونية كما أنها لم تتضمن فرصة للاستئناف تكمل مرحلة التقاضي لغياب المحكمة الدستورية ،بجانب طبيعة اللجنة التي اتخذت قرار الحل كانت” لجنة سياسية”.

هذا الجدل حول حل الحزب أو الانتقال إلى حزب جديد للتخلص من التركة السابقة لم يكن مجرد حدث عابر ، بل فتح الباب أمام تساؤلات أعمق حول طبيعة الصراع داخل الحزب : هل هو صراع أفكار حول توجهات مستقبلية، أم أنه مجرد صراع تقليدي على السلطة بين التيارات المختلفة ؟ الشاهد أن الضغوط السياسية الداخلية والخارجية قد أثرت على هذا الحزب بشكل كبير، مما أدى إلى بروز خلافات بين قياداته حول قضايا محورية . أبرز هذه القضايا كان توصيف التغيير الذي حدث في ابريل 2019 ، هل هو انقلاب ام ثورة بالإضافة إلى الاختلافات بشأن سياسات إدارة الدولة والسياسات الاقتصادية والاجتماعية للحزب .

ظهرت هذه الخلافات بوضوح في مواقف متعددة ، من بينها أزمة القيادة التي برزت منذ الإصرارعلي ترشيح الرئيس البشير للعام 2020، مرورًا بقضايا مثل إدارة ملف العقوبات الامريكية و التطبيع مع إسرائيل ودعم حركة المقاومة الاسلامية حماس . هذه التحديات الداخلية بعضها تم تجاوزه بالأمر الواقع بعد سقوط البشير لكن يظل أمر العلاقات الخارجية والرؤية السياسية للتعامل مع التطورات الاقليمية والدولية مهما يحتاج إلى معالجة شاملة لضمان استقرار الحزب و تطوير آلياته و قدرته على مواكبة المتغيرات الحالية .

هذا بالإضافة للواقع السياسي المرتبك الذي اوجدته ثورة ديسمبر والذي أثر بشكل جذري على جميع القوى السياسية ، بما فيها المؤتمر الوطني والتيار الإسلامي عموما . حيث أعادت الثورة تشكيل الخارطة السياسية السودانية، وفتحت الباب أمام تدخلات إقليمية ودولية مستغلة الوضع الهش داخل البلاد. أدت هذه التداعيات إلى تقليص دور المؤتمر الوطني، ولكنها أيضًا أظهرت الحاجة الملحة للحزب لتطوير استراتيجيته حتي تتماشى مع تطلعات عضويته و تطلعات الشعب السوداني، كما أوجبت عليه العمل على مواجهة التحديات التي فرضتها المرحلة الانتقالية. هذه المتطلبات ربما أوجدت واقع جديد أدى إلى بروز التيارات المتصارعة بين “الإصلاح والتجديد” و”التقليدية والمحافظة” ، لذلك كما يري متابعين هذا التفاعل الذي يحدث في الوطني ربما هو مخاض يسبق ولادة مرحلة جديدة لهذا الحزب .

لذلك بحسب مراقبون ان مايجري في هذا الحزب أمر طبيعي في ظل التحديات الشاخصة بل ربما اعتبر تطور بنيوي حميد في رؤية الحزب الاستراتيجية للمستقبل، بذلك يمكننا القول بات هناك “تياران” : “تيار إصلاحي مجدد ” : يدعو للتغيير والتكيف مع الأوضاع الجديدة في الداخل و المنطقة ، وإيجاد مقاربات مع المجتمع الدولي والاقليمي ويرى ضرورة تبني سياسات مرنة تحافظ على بقاء الدولة السودانية بعيدا عن التدخلات والصراعات الاقليمية والدولية بما يضمن وجود فاعل للحزب في المشهد السياسي.

وهناك” تيار تقليدي محافظ ” : يتمسك بالسياسات السابقة ويرفض التغيير ، ساعيًا للعودة إلى ما قبل الثورة هذا التيار كما يري مراقبون حظوظه في الصمود ضعيفة وفي تلبية اشواق الاسلامين وترميم جراحاتهم باعتبار أنه كان جزء من السقوط وسقط مع سقوط النظام. هذا الصراع لا يقتصر على التوجهات الداخلية فحسب ، بل يتجلى أيضًا في قضايا السياسة الخارجية، مما يجعل مستقبل الحزب يعتمد على مدى نجاحه في تجاوز هذه الانقسامات أو ربما التعايش معها داخليا في إطار صراع الأفكار مثلما هو موجود الآن في التجربة الايرانية التي تخضع للمد والجزر بين المحافظين والإصلاحيين، لكن تظل وحدة الكيان هي الهدف الاستراتيجي بالنسبة للمجموعتين .

كذلك هناك امر في غاية الاهمية متعلق بالقلق المتزايد لدي بعض الاحزاب من وجود المؤتمر الوطني وتيارات الإسلاميين عموما في المشهد و في العملية السياسية ، خاصة تلك التي تناويء الحكومة الانتقالية الحالية التي يسميها البعض حكومة الأمر الواقع ، المخاوف تصاعدت مع دعم الإسلاميين للجيش وقدرتهم علي استنهاض الشباب السوداني للدفاع عن البلاد خلال الحرب الحالية ، ذلك ما أعاد المؤتمر الوطني إلى دائرة الضوء وربما أعاد الثقة فيه ، عليه يرى البعض أن إدماج المؤتمر الوطني و الإسلاميين عموما في الحوار السياسي ضرورة لتفادي انفراد الجيش بالسلطة وضمان التوازن في المشهد السياسي.

ودون ذلك ربما ينفرد الجيش بتشكيل السلطة في اليوم التالي من الحرب وفقا لأطروحاته التي أكد عليها مرار الفريق اول ياسر العطا مساعد القائد العام للجيش ان” الجيش سيدير المشهد بعد الحرب بحكومة كفاءات وطنية” . علينا ان ندرك ان ذلك بات ممكنا في ظل صراع الاحزاب السياسية وتشظيها، وكذلك في ظل رغبة الشعب السوداني التي جعلت استعادة الأمن وتحقيق السلام في أعلى الأولويات . مع وجود هذه التعقيدات، يبرز الحوار السياسي السوداني السوداني كحل أساسي لمعالجة الخلافات العميقة. بحانب أهمية فتح قنوات تواصل بين مختلف القوى السياسية السودانية بلا استثناء .

ذلك وحده يمكن أن يسهم في استقرار البلاد وبناء حكومة شاملة تمثل تطلعات الشعب السوداني. عليه فان وجه الحقيقة يرى في التأكيد علي أن طريقة إدارة هذا الصراع يحدد مستقبل السودان لذلك يتطلب الأمر قراءة دقيقة لمكوناته وأبعاده ، مع السعي إلى حلول تحقق المصلحة العامة للسودانيين . لذلك نجاح الوطني في هذه المرحلة يعتمد على اتخاذ قرارات سياسية رشيدة تراعي تعقيدات المشهد الحالي وتضع الاستقرار والازدهار هدفًا رئيسيا .
دمتم بخير وعافية .
الأحد 17/نوفمبر/ 2024م. Shglawi55@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى