خطوبة في مصر المؤمنة
كانت أيام الهروب الكبير ، أوائل التسعينات ، الخدمة الإلزامية، المطاردة في الشوارع، دفاعنا الشعبي ياهو ديل
كان شعار الجميع (أنج سعد فقد هلك سعيد)
خرج الناس من السودان صوب الكنانة أرض مصر المؤمنة، الأعمى شايل المكسر
امتلأت المطارات وأرصفة السكة حديد وباحات البواخر بالفارين من المحالين للصالح العام والمعانين من بطش النظام والباحثين عن وطن جديد يستوعب طموحاتهم وآمالهم بعد أن ضاقت بهم بلادهم بما رحبت
وكانت كأنها حرب استنزاف أفرغت البلاد من خيرة كوادرها في كل المجالات
وكان ضمن الخارجين صديقنا (العمدة) وهو وان لم يكن خبيرا أستراتيجيا أو طبيبا مفوها تفقده البلاد الا أنه رجل خفيف الدم ومن ملوك الونسة المتوجين
وهو من النوع الذي يخلق التوازن الداخلي في نفسك حين تقابله ، فتخرج من عنده نظيفا من الهموم وخال من الاحباطات،
يحكي لي (العمدة) باستفاضة عن رحلته تلك الى مصر المؤمنة، كان جيبه خاليا الا من بعض جنيهات حصيلة بيعه للب سوداني (تسالي) كان يحمله معه
وفي يوم ساخن جدا (كانت الشمس متعامدة فيه على كبد السماء) كان راكب المواصلات، والباص مزدحم وأمامه أخ مصري بدين يحمل بطيخة على كتفه ويعاني من سخانة الجو والزحام، وفجأة نظر ليجد أمامه (العمدة) بلون المائل للسواد وصلعته اللامعة ليزيد الأسى والزهج في نفس المصري ليباغته قائلا : هي ناقصة .
تفتحت أبواب السعادة للعمدة حين وجد أحد أصدقائه القدامى في المطعم السوداني بحي العجوزة وهو قادما لتوه من الخليج اسمه (رضوان)
(أيام كان الخليج خليج)
، و(رضوان) هو من مدمني ونسة العمدة فأصبحوا لا يفارقون بعضهم
وفي يوم ترافقا في زيارة لخطيبة (رضوان) في حي (أمبابة) الشعبي وهي مصرية جميلة تشبه في ملامحها (ليلى علوي) في شبابها طبعا
وفي تلك الزيارة تعرف (العمدة) على شقيقتها الصغرى وهي نحيفة وطويلة القامة ، تشبه (هالة فاخر) في شبابها وكهولتها أيضا
وطلب خطبتها فوافق اهلها على الفور، فيكفي أنه صديق (رضوان) الذي يصرف عليهم صرف من لا يخشى الفقر
وفي كل مساء كان رضوان والعمدة يأتون محملين بأكياس الهدايا وصناديق الفاكهة وعلب الحلوى
فيقضون الأمسية مع خطيباتهم ويعودون منتصف الليلة للعجوزة ، وهم يعلمون أن كل الهدايا والنفحات هي من رضوان،
ولما كانت تصاريف الأقدار لا تسير وفق ما نهوى فقد أختلف رضوان مع خطيبته و(فركش) الخطوبة في أمسية حزينة،
وفي صباح باكر توجه نحو الخليج عائدا لمقر عمله،
وفي المساء كعادته تهيأ (العمدة) للذهاب لخطيبته ، فهو لم يفركش بعد، نظر الى (باقي) الجنيهات في جيبه فوجد أنها لا تكفي الا لكيلو موز، فاشتراه ويمم تجاه منزل خطيبته
كان شقيقها الصغير هو الذي يفتح الباب دائما ،
وفي ذلك اليوم فتح الباب أبو الخطيبة
كان لابسا فانلة حمالات لا تغطي كل كرشه وسروال
وبداخل الشقة كانت أمها تنظر له شذرا، لتفاجئه قائلة:
انت ايه اللي جابك ، هو اللي عليه الحيلة فركش، ماأشوفش وشك هنا تاني يا حبيبي ، خد الموز اللي انت جايبه معاك دة ، روح بيه جنينة الحيوانات .