الأخبار

صحيفة بريطانية تدعو لندن لايقاف القتال في السودان

هؤلاء الذين فروا من غرب دارفور على قيد الحياة وصفوا رحيلهم عنها بأنه “هروب من الجحيم”
قالت منظمة الأمم المتحدة إنه عثر على [رفات] 87 شخصاً في الأقل، من بينهم أطفال، مدفونة في مقبرة جماعية في السودان. وجاء ذلك مع تزايد الدعوات للمملكة المتحدة من أجل اتخاذ إجراءات فعلية بشأن العنف الذي ابتليت به البلاد منذ أشهر. ويعتقد المتابعون على الأرض، ومن مختلف الأطياف السياسية، أن الوضع شبيه بعمليات القتل التي شهدتها دارفور في عام 2003 وأثارت احتجاجات دولية.

تزايدت إراقة الدماء لدوافع عرقية في الأسابيع الأخيرة، وذلك بالتزامن مع القتال بين الفصائل العسكرية المتناحرة الذي اندلع في أبريل (نيسان)، مما وضع البلاد على شفا حرب أهلية. ولقي آلاف مصرعهم وأجبر ملايين على ترك منازلهم بسبب الصراع الأوسع نطاقاً بين الجيش السوداني بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات “الدعم السريع” شبه العسكرية بقيادة نائب البرهان السابق محمد حمدان دقلو، المعروف باسم “حميدتي”.

قال مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إن الأشخاص الموجودين في المقبرة الجماعية، بعضهم من قبيلة المساليت الأفريقية إثنياً، وقتلوا على أيدي قوات “الدعم السريع” والميليشيات العربية التابعة لها. وجاء في بيان صادر عن الأمم المتحدة أنه “وفقاً للمعلومات الموثوقة التي جمعها المكتب، فإن من دفنوا في المقبرة الجماعية قتلوا على أيدي قوات ’الدعم السريع‘ والميليشيات المتحالفة معها في الفترة من الـ13 إلى الـ21 من يونيو (حزيران)”.

إلا أن قوات “الدعم السريع” نفت اشتراكها في أي قتال في منطقة غرب دارفور، مؤكدة أن “لا صلة لها” بالأحداث هناك.

إن اكتشاف المقبرة الجماعية هو آخر حادثة يبلغ عنها من الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، إذ استمعت “اندبندنت” إلى شهود يزعمون أنه يقبض على المراهقين وإطلاق النار عليهم، وأن النساء والفتيات يتعرضن للاغتصاب. ويتردد أنه قيل للناس إن هذا ينفذ من أجل “تدمير وتغيير الحمض النووي للمنطقة” [تغيير تركيبة المنطقة]. وذكر أحد الذين نجحوا في الخروج من المدينة أنهم “يهربون من الجحيم”.

ويقول إبراهيم*، الذي لجأ إلى دولة تشاد المجاورة، وحيث التجأت عائلته بحثاً عن ملاذ آمن بعد الفرار من المدينة، إن “ما يحدث في الجنينة هو إبادة جماعية، نريد لذلك أن يقال ذلك بصوت عال”. إنه لا يريد نشر اسمه الحقيقي، لأن ذلك قد يعرض أفراد عائلته الكبيرة الذين ما زالوا عالقين هناك إلى الخطر. وأضاف “لقد كان ذلك يحدث بشكل منهجي.”

وفي معرض حضه المملكة المتحدة والمجتمع الدولي على نطاق أوسع على اتخاذ إجراءات، قال اللورد ديفيد ألتون، وهو عضو مستقل في مجلس اللوردات في لجنة حقوق الإنسان البرلمانية، لـ”اندبندنت” إن “هناك إبادة جماعية تجري في دارفور والمجتمع الدولي لا يحرك ساكناً”.

وتابع أن “[هذه] المقابر الجماعية مماثلة لما كان يجري هناك قبل 20 عاماً. إنها إدانة مروعة للفشل الذريع للمجتمع الدولي كونه بعد عقدين من الزمن من التزام [شعار] “لا لتكرار الأمر إطلاقاً” سمح لها [عمليات القتل] أن تحصل من جديد. ليس هناك نهاية للمعاناة التي كان على أبناء دارفور أن يتحملوها. يجب أن نطأطئ رؤوسنا من العار.

وأردف أن “ما بدأ حينها كان إبادة جماعية تنفذ بشكل تدريجي وهي لم تنته أبداً. لم يحاسب الجناة أبداً… والمفاجأة، التي تدهش حقاً، هي أنها [الإبادة الجماعية] تحصل الآن مرة أخرى على نطاق صادم”.

يقول اللورد ألتون إن رد حكومة المملكة المتحدة حتى الآن كان “مؤسفاً”. وأضاف “لقد تحدثت شخصياً مع وزراء حول هذا الموضوع، وهناك كثير من التعاطف، لكن هذا لا يقابله الإجراء المناسب”.

وبعد اكتشاف المقبرة الجماعية، دعا المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فولكر ترك، إلى إجراء “تحقيق فوري وشامل ومستقل في عمليات القتل” ومحاسبة المسؤولين.

وأبلغ أحد المدعين في “المحكمة الجنائية الدولية” منظمة الأمم المتحدة الخميس أنها تحقق في الأحداث التي شهدتها دارفور، لافتاً إلى وجود تقارير عن القتل والاغتصاب والجرائم التي تطاول الأطفال. وذكر مكتب كريم خان في تقرير رفعه إلى مجلس الأمن الدولي أنه “يمكن للمكتب أن يؤكد أنه بدأ تحقيقات تتعلق بالحوادث التي وقعت في سياق الأعمال العدائية الحالية”.

وأوضح التقرير أن المدعين العامين في المحكمة الجنائية الدولية “يتابعون عن كثب تقارير القتل خارج نطاق القضاء، وحرق المنازل والأسواق، وأعمال النهب في الجنينة، فضلاً عن قتل المدنيين وتشريدهم في شمال دارفور وأماكن أخرى في أنحاء دارفور”. وأضاف أن المحكمة تدرس أيضاً “مزاعم بوقوع جرائم جنسية وجندرية (جنسانية)، بما في ذلك الاغتصاب الجماعي والتقارير المزعومة عن ممارسة العنف ضد الأطفال وتأثرهم به”.

والجنينة، التي يبلغ تعداد سكانها نحو 250 ألف نسمة، محاصرة منذ أكثر من شهرين، أي بعد وقت قصير من اندلاع الصراع بين الفصائل العسكرية. وفي يونيو، سرعان ما قتل والي غرب دارفور في أعقاب اتهامه لقوات “الدعم السريع” بارتكاب عمليات إبادة جماعية ضد المساليت.

ويقول إبراهيم إن “قوات ’الدعم السريع‘ خنقت الجنينة”. ويصف مضخات المياه المدمرة، والبنوك المنهوبة، وأسواق المواد الغذائية المحترقة، والإمدادات الطبية التي لحق بها قدر كبير من الضرر. ويحكي كيف أن والدته البالغة من العمر 86 سنة والمصابة بمرض السكري بقيت من دون دواء لمدة ستة أسابيع.

وتوضح عائلته المؤلفة من 20 فرداً، يبلغ عمر أصغرهم بضعة أشهر فقط، أنهم لجأوا إلى منازلهم، من دون أن يجرأوا على الخروج خوفاً من القناصين. ويقول أحد إخوته “بالنسبة إلينا، كنا نرى أن الموت يقترب كل يوم”. ويتحدث عن الشوارع المليئة بالجثث، ورائحة اللحم المتحلل التي تفوح بقوة من المدينة.

وتقول العائلة إنها لم [تشأ الرحيل] إلا عندما قتل عم إبراهيم في الـ21 من يونيو، فاتخذت ما كان قرار حياة أو موت بمحاولة الهرب عبر الطريق المحفوف بالمخاطر الذي يبلغ طوله 28 كيلومتراً المؤدي إلى “أدري”، وهي بلدة قريبة جداً من الحدود الشرقية لتشاد مع السودان، حيث يعيش حالياً عشرات الآلاف من اللاجئين السودانيين حالياً في مخيمات موقتة ويسعون إلى الحصول على المساعدة الإنسانية.

وتشير الأسرة إلى أنهم مروا عبر 10 نقاط تفتيش في الأقل خلال الرحلة التي استغرقت 12 ساعة. ويقول شقيق إبراهيم “كنا نشعر في كل لحظة وكل ثانية أننا سنقتل”. ويذكرون أنهم تعرضوا إلى الإهانة وللدفع وسلبوا كل ما تبقى معهم من المال في “محنة مرعبة”، بيد أنهم نجوا.

وأخيراً، اتصل إبراهيم بعائلته عندما عبروا الحدود. إذ مرت أسابيع من دون أن يتواصلوا معه، الأمر الذي كان يجعله يحس “بشعور قاتل” وأدى إلى إجباره على أخذ إجازة من العمل، على حد قوله. كان على وشك السفر إلى عائلته في الجنينة لقضاء عطلة عندما اندلعت الحرب، وأجلي في قافلة تابعة للأمم المتحدة بعد أيام.

وهو الآن في مدينة داخلية على بعد 100 كيلومتر من حدود تشاد، يحاول يائساً العثور على منازل لأسرته وسط [أزمة] الارتفاع الكبير في الإيجارات علاوة على عدم توفر كثير من المساكن للأجرة وذلك بسبب الطلب المتزايد من السودانيين الباحثين عن ملجأ، على حد تعبيره.

ونزح نحو 2.2 مليون شخص من أماكن سكنهم في السودان، بينما يحتاج حوالى 25 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية، وفقاً لما ذكرته فيكي فورد، وهي عضو في مجلس العموم ورئيسة المجموعة البرلمانية بشأن السودان وجنوب السودان المؤلفة من ممثلين عن كل الأحزاب. وتقول إن حصيلة القتلى في الجنينة وحدها تجاوزت الآن 5 آلاف قتيل، كما زاد عدد الجرحى على 8 آلاف شخص.

ويقول إبراهيم إن نقص الدعم من المجتمع الدولي جعله يفقد الأمل. ويدعو مثل كثيرين غيره، القادة إلى إنشاء ممر آمن على طول هذا الطريق البالغ طوله 28 كيلومتراً لجعله آمناً لإجلاء المدنيين، أو في الأقل آلاف من الجرحى.

يصعب العثور على مكان للعيش فيه في تشاد وسط ارتفاع كبير في الإيجارات وعدم توفر كثير من المساكن للأجرة بسبب الطلب المتزايد من السودانيين الباحثين عن ملجأ (اندبندنت)
يصعب العثور على مكان للعيش فيه في تشاد وسط ارتفاع كبير في الإيجارات وعدم توفر كثير من المساكن للأجرة بسبب الطلب المتزايد من السودانيين الباحثين عن ملجأ (اندبندنت)

يذكر أن اللورد ألتون سافر إلى دارفور في عام 2004 مع ريبيكا تينسلي، التي أسست منظمتها “شن السلام” Waging Peace في رد على الفظائع التي شهدتها هناك، وأخذ كل منهما شهادات من الناجين. وتقول تينسلي، وهي تصف الجثث في المنطقة التي “تستخدم كمطبات على الطرق” إنه “ربما يكون الوضع في دارفور الآن سيئ بالقدر نفسه الذي كان عليه خلال الإبادة الجماعية، إن لم يكن أكثر سوءاً”.

تصف فورد “المدنيين الذين كانوا يواجهون الرعب” وهم يتعرضون للقتل والاغتصاب ويصبحون مفقودين في الخرطوم وأجزاء من دارفور، مع استهداف المحامين والأطباء وقادة المجتمع. وترى أنه “مرة أخرى، الفظائع تحدث على جميع المستويات”، مضيفة “ما يحدث في الجنينة له أيضاً عنصر عرقي، فهناك هجمات عرقية منهجية وتطهير لغير العرب”.

ويتحدث رجل صاحب دور قيادي في مجتمع الجنينة عن “استهدافه منذ اللحظة التي بدأت فيها الحرب”. ويشير إلى أنه اضطر إلى اتخاذ القرار الصعب بترك زوجته وأطفاله في المنزل والاختباء، حيث علق لأسابيع عدة.

ويذكر أنه تمكن أخيراً من الهرب من المدينة وانتهى به الأمر بالسير على طول الطريق من هناك إلى “أدري”، من دون أي ماء أو طعام، وكان يفكر باستمرار، “سيمسكونني، وسيجدونني الآن”.

ويقول إنه في النهاية وصل إلى المخيمات الموقتة عبر الحدود في تشاد. وبأعجوبة، لم شمله مع عائلته هناك، فعانقوا جميعاً بعضهم بعضاً وبكوا.

وتخشى فورد أن ينتشر العنف ضد المدنيين، إذا لم تكن هناك استجابة عاجلة، ليصل إلى أجزاء أخرى من السودان أو البلدان المجاورة، بسبب أهمية السودان وحجمه وموقعه “على مفترق الطرق في أفريقيا”. وتضيف “هناك مخاطر من أن يؤدي عدم الاستقرار في أفريقيا إلى مزيد من الهجرة، ومن ثم إلى مزيد من عدم الاستقرار في أوروبا الغربية، وهذا أمر مهم محلياً في المملكة المتحدة أيضاً”.

واعتبرت النائبة عن مدينة تشيلمسفورد أن الحكومة البريطانية تدرك أهمية السودان بالنسبة إلى المملكة المتحدة، وأجرت مناقشات مع عديد من شركائها الدوليين. وتضيف أن أندرو ميتشيل وزير التنمية الدولية، “يعرف تماماً الطبيعة الحرجة لهذا الوضع وخطر انتشاره”. ومع ذلك فهي تضيف، “هناك مزيد من الأسئلة حول الخطوات المحتملة الأخرى التي يمكن أن تتخذها حكومة المملكة المتحدة، وآمل أن… تتخذها في أقرب وقت ممكن”.

وذكرت فورد أن المجموعة [البرلمانية حول السودان وجنوب السودان] المؤلفة من ممثلين عن كل الأحزاب ستدعو إلى اتخاذ تدابير بينها تجميد الأصول وحظر تصدير الأسلحة و[إنشاء] قوة حفظ السلام. [كما ستطالب] بفرض العقوبات إضافة إلى هذه الإجراءات.

وقال السيد ميتشيل “إن الهدف المباشر للمملكة المتحدة في السودان هو وقف أعمال العنف والفظائع التي ترتكب، وضمان حماية المدنيين، والضغط من أجل الوصول الفوري والآمن وغير المقيد للمنظمات الإنسانية. وتواصل المملكة المتحدة دعم النشاطات المحلية [الرامية إلى] بناء السلام في دارفور، والعمل مع المنظمات غير الحكومية الدولية وممثلي المجتمع المدني من أجل إنهاء الصراع في أقرب وقت ممكن ودعم الجهود المبذولة للحفاظ على وقف إطلاق النار”.

وزاد أن المملكة المتحدة أسهمت بأكثر من 250 مليون جنيه استرليني (نحو 327 مليون دولار) كمساعدات إنسانية للسودان في السنوات الخمس الماضية، كما أعلنت أخيراً تقديم 21.7 مليون جنيه استرليني (28.35 مليون دولار)، يأتي بعد 5 ملايين جنيه استرليني أسهمت بها في وقت سابق لدعم اللاجئين الذين فروا من البلاد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى