موطيء قلم ) محمد عبد الله برقاوي / عيد الحب في زمن الهموم وعدم النوم
!اذكر في بداية ستينيات القرن الماضي وكنا حينها دون العاشرة تقريبا أن اجتمع كبارنا من أهل الفريق في مجلس الوالد بقريتنا في الجزيرة وكان عيد الاضحى على الابواب ..وقرروا مقاطعة شراء خراف الأضحية نظرا لما أسموه بفجور الاسعار حيث بلغ ثمن الأضحية ما بين الخمسة كحد أدنى والعشرة جنيهات للبهيمة الكبيرة ..واتفقوا على شراء بقرة يتشاركها أهل البيوت ويتقاسموا لحمها يوم العيد واستفتوا أهل العلم في هذا الشأن فاجازوه لهم شرعا .. في صباح العيد كان الآباء الشباب يقومون بعملية ذبح البقرة وتجهيزها في ساحة الفريق وكنا نحن الصبية نساعدهم بجلب المواعين والقيام ببعض المهام الصغيرة ..بينما كان أجدادنا الشياب يجلسون في الظل يراقبون الموقف ويصدرون التعليمات من على القرب ويضربون كفا بكف يتحسرون على زمان مضى كانت فيه( اقة) اللحم وليس الكيلو لا تتجاوز القرشين وهاهم يشهدون اليوم زمانا بلغ فيه سعر الكبش ذلك المبلغ الخرافي فيما وصل سعر هذه البقرة الذبيحة ما يقارب الخمسين جنيها أو نحو ذلك !
مر بذهني ذلك الشريط القديم المختزن في عمق الذاكرة ..وانا اقرا في مناسبة عيد الحب التي يحتفل بها شبابنا اليوم في زمن هذه الهموم الساربة و المسغبة الضاربة وقد دفع بعضهم ثمنا لتذكرة حفل فنان استقدمته بعض الجهات المترفة خصيصا لإحياء هذه المناسبة التي يعتبرها البعض بدعة دخيلة علينا ..وكان ثمن التذكرة الواحدة ربما يساوي قيمة الف خروف ومائة بقرة في ذلك الزمان الذي استغلى فيه اباؤنا وأجدادنا فجور اسعارها رغم أن الحياة كانت سهلة وقتها ومتطلباتها بسيطة و متاحة دون كثير عناء .
يا ترى كيف ستكون صدمة اولئك الآباء والأجداد غشتهم الرحمة لو أنهم عادوا للحظات وشهدوا زمانا يمسي فيه الناس على سعر ويصبحون على سعر جديد. ..وعلى راي صديقنا الجنوبي الذي اشترى الصابونة في ثمانينات القرن الماضي بعشرة قروش ولكنه تفاجأ في الصباح أنها قفزت إلى خمسة عشرة قرشا ..فأطلق مقولته الساخرة..
(يعني ما ننوم ولا شنو)
التي اصبحت حكمة تمشي بين الناس !
وها نحن اصبحنا اليوم على زيادة رسوم ترخيص المركبات بنسبة مائة بالمائة دون سابق إنذار ..بينما من سدد أمس فقط دفع بالسعر القديم اي نصف الرسم .
يعني ما ننوم يا فكي جبرلة ولا شنو !!!