تقارير

صحيفة إماراتية: مفاوضات فاشلة وصراع مفتوح على مصراعية

د. أميرة محمد عبدالحليم*

انتهت مفاوضات جدة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع كما بدأت والتي رعتها السعودية والولايات المتحدة، من دون الاتفاق على وقف إطلاق النار، في حين اتسعت المواجهات بين الطرفين في الميدان، كما اتسعت رقعة المعاناة الإنسانية.

على عكس الآمال والمراهنات بأن استئناف المفاوضات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع سوف تؤدي إلى هدنة كمقدمة لحل يضع حداً للاقتتال بينهما ويفتح الآفاق أمام حل سياسي، إلا أن نتائج المحادثات كانت مخيبة للآمال، فقد أعربت السعودية والولايات المتحدة عن أسفهما لعدم تمكن الطرفين من الاتفاق لوقف إطلاق النار، والاكتفاء بموافقتهما على تسهيل مرور المساعدات. وأكدتا عدم وجود أي حل عسكري لهذا الصراع. كما تم الاتفاق على إجراءات لبناء الثقة من خلال آلية للتواصل بين قادة القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، واحتجاز الهاربين من السجون وتخفيف حدة اللغة الإعلامية، واتخاذ إجراءات حيال الأطراف المثيرة للتصعيد.

تصعيد عسكري

وعلى المستوى الميداني تميزت الأيام الأخيرة بتحقيق قوات الدعم السريع تقدماً ملحوظاً على قوات الجيش في إقليم دارفور؛ حيث بدت قوات الدعم السريع في طريقها لإحكام قبضتها على إقليم دارفور بأكمله وانعكست هذه التطورات على الوضع العسكري في مناطق أخرى؛ حيث صعدت قوات الدعم السريع من عملياتها وخاصة في العاصمة، فقد تمكنت هذه القوات من السيطرة على ثلاث مدن رئيسية في دارفور عبر الاستيلاء على مقرات الجيش السوداني في هذه المدن وهي، نيالا في الشمال وزالنجي في الوسط، والجنينة في الغرب؛ حيث تتميز المدن الثلاث بموقعها الاستراتيجي القريب في الحدود من تشاد وإفريقيا الوسطى وليبيا، كما تحتوى أراضيها على ثروات معدنية أهمها اليورانيوم والذهب، بينما لا يزال الجيش يحتفظ بقواعده في الفاشر شمال دارفور، والضعين في الشرق.

كما كثفت قوات الدعم السريع من هجماتها في محاولة للسيطرة على المواقع العسكرية للجيش في العاصمة، وخاصة مقر القيادة العامة للجيش وقيادة سلاح المدرعات؛ حيث دارت في الأيام الأخيرة معارك طاحنة بين الجانبين للسيطرة على هذه المواقع.

كما دارت اشتباكات عنيفة بين الجانبين في عدد من أحياء أم درمان؛ حيث يحاول الجيش السيطرة على جسر شمبات الحيوي الذي يربط أم درمان بمدينة الخرطوم بحري، ويعد خط الإمداد الرئيسي لقوات الدعم السريع من غرب البلاد إلى مدن العاصمة الثلاث، كما شن الجيش السوداني ضربات مدفعية مكثفة من قاعدة وادي سيدنا شمال مدينة أم درمان باتجاه الأحياء التي تنتشر فيها قوات الدعم السريع بمدينة الخرطوم بحري، وجنوب مدينة أم درمان.

تدهور الوضع الإنساني

فضلاً عن استمرار حالة النزف البشرى في مدن العاصمة الثلاث جراء استمرار الصراع؛ حيث تعرضت أعداد من السكان في مدينة أم درمان مؤخراً للقتل والإصابات من جراء القذائف المتبادلة بين الجانبين. تسببت الحرب في تدمير البنية التحتية وإغلاق 80% من المستشفيات في البلاد ودفع ملايين السكان نحو الجوع؛ حيث يحتاج أكثر من نصف السكان إلى مساعدات إنسانية للبقاء على قيد الحياة، ومن بين هؤلاء أكثر من 6 ملايين و750 ألف طفل.

كما شهدت منطقة أم كدادة شرق مدينة الفاشر نزوح أعداد كبيرة من المدنيين من مناطق مختلفة من إقليم دارفور عقب تصاعد وتيرة القتال بين الطرفين في نيالا (ثاني أكبر المدن بعد الخرطوم) وزالنجي والجنينة؛ حيث حمل الصراع ملامح عرقية، وعلى هذا النحو فرت أعداد كبيرة من سكان دارفور إلى تشاد.

وفي حين اعتبرت الأمم المتحدة أن الحرب في السودان تعد أحد أسوأ الكوابيس الإنسانية في التاريخ المعاصر؛ حيث تحقق المنظمة الدولية في احتمالات وقوع أعمال إبادة جماعية في دارفور خلال الأشهر الأخيرة. كما أصدرت الخارجية الأمريكية بياناً في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني الحالي أعربت فيه عن قلقها البالغ إزاء التقارير التي تتحدث عن هجوم وشيك في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور ودعت الطرفين المتحاربين إلى الوقف الفوري عن شن هجمات أخرى. كما أعرب جوزيب بوريل مسؤول السياسية الخارجية في الاتحاد الأوروبي عن قلقه البالغ إزاء تقارير حول هجمات واسعة النطاق تشنها قوات الدعم السريع في ولايتي شمال وغرب دارفور.

المراوحة

وأخيراً، يبدو أن الصراع في السودان يراوح مكانه بعد؛ حيث يتطور هذا الصراع في أشكال مختلفة وينتقل كالهشيم من دون أن يترك للمواطن السوداني فرصة لالتقاط الأنفاس من أجل التفكير في مستقبله وسبل استعادة استقرار دولته التي أصبحت مدنها ساحة للاقتتال بين قوات جيشين، كما فشل الوسطاء في جذب طرفي الصراع نحو حوار بناء وخاصة في ظل تقدم قوات الدعم السريع على المستوى الميداني في دارفور.

حيث يغري هذا التقدم قوات الدعم السريع بإمكانية إنهاء الحرب لصالحها، إلا أن هذه النتيجة لا يمكن الجزم بها؛ حيث يطرح الصراع في السودان مزيداً من المفاجآت ولا أحد يعلم من الذي سيربح في النهاية ومن سيكون الخاسر.

كما يظل التعويل على الآليات الإقليمية قائماً؛ إذ لن تظل الدول المجاورة ومنها دولة جنوب السودان التي تعرب عن مخاوفها من أن يمتد الصراع إلى أراضيها من دون التفكير في وسيلة لإجبار طرفي الصراع على إيقاف الحرب والجلوس بمسؤولية إلى مائدة المفاوضات، ولن يظل الاتحاد الإفريقي وآليته الممثلة في مجلس السلم والأمن ينتظر أن تتفرغ الولايات المتحدة لتعطيه الضوء الأخضر للتدخل في الصراع في السودان.

حيث ترتكب جرائم ضد الإنسانية وما يمكن أن يصل إلى الإبادة الجماعية في دارفور، ولا بد أن تستأنف المنظمات والدول الإقليمية مهامها في سبيل استعادة الاستقرار في السودان ومنع تفاقم الصراع وامتداداه إلى دول أخرى في شرق ووسط القارة الإفريقية.

*باحثة في الشؤون الإفريقية بمركز الأهرام للدراسات
صحيفة الخليج

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى