الأعمدة

تؤامة القناعة والشجاعة

ربما لايعرف الكثيرون من ابناء الاجيال الحديثة شيئا عن العميد محمد نور سعد ذلك الضابط الذي قاد الجانب العسكري لغزوة الجبهة الوطنية المكونة من احزاب الامة والاتحادي الديمقراطي و الجبهة الإسلامية والتي سميت بعملية المرتزقة التي رعاها و ساعد في الإعداد لها العقيد الليبي معمر القذافي في اوج عدائه مع الرئيس جعفر محمد النميري ونظام مايو.. وكان مجندوها قد دخلوا إلى قلب الخرطوم في الثاني من يوليو 1976 الا انها احبطت في مهدها بواسطة القوات المسلحة و نتيجة لعدم تجاوب الشارع معها كما توقع الذين وقفوا وراءها وتلك قصة يطول شرحها .
ولكن ما يهمنا هنا هو التوقف عند شجاعة وقناعة ذلك الضابط البطل العميد محمد نور سعد الذي عرض عليه القاضي في اثناء المحاكمة العسكرية انه سيخفف الحكم عليه لو انه كشف لهم عن اسماء بعض القادة السياسيين الذين خططوا للعملية ودورالدول التي مولتهم و جهزت لهم معسكرات التجيش والتدريب والتسليح والإعداد اللوجستيي في الحركة و التنقل الخ .
وهنا وقف والده الشيخ سعد ذلك الثمانيني والذي كان يحضر المحاكمة طالبا من ابنه ببسالة بان لا ينكسر و ان يموت بشرف ولا يحيا بذلة مقابل ان يورط نفسه في الوشاية باي احد من الناس الذين كانوا معه…وحينما اجهشت شقيفته بعاطفة الاخت والانثى انتهرها والدها وطلب منها الخروج من القاعة وكأنه يقول لها ..مثلما انا ربيته ليكون رجلا لمثل هذه اللحظة فقد ربيتك ايضا ابنة حرة واختا له لتفتخري به ولا تنوحي عليه .
وقيل ايضا والعهدة على الراوي ان نميري طلب مقابلته بعد صدور الحكم عليه بالاعدام ولامه على ما اسماها خيانته له وهو الذي بعثه للعمل ملحقا عسكريا في المانيا..فنفى ان يكون ما قام به خيانة وانما هو من منطلق قناعة وطنية و مبدئية واخلاقية لو عادت عقارب الساعة إلى الوراء لقام بنفس فعلته وبقناعة اكثر .
وروى شهود عيان إنه في عشية تنفيذ حكم إعدامه طلب ان يؤتى له بنوع صابون و قارورة عطر كان يفضلهما دائما و ماكينة حلاقة و ابهى جلباب عنده ..وفي الصباح خرج مرفوع الراس في قمة هندامه وعندما لاحظ وجوم وحزن حراسه الذين سحرتهم شخصيته اثناء فترة حبسه ..قال لهم مداعبا انا من ساموت ولستم انتم فلماذا هذا الاكتئاب ..بل وحينما بدا منفذو عمليه إعدامه باطلاق الرصاص عليه قيل إن الطلقة الاولى طاشت واستقرت في كتفه نتيجة ارتباك الجندي الذي اطلقها ..فوبخه محمد نور رغم قسوة الإصابة و نبهه إلى ان يصوب جيدا كما علموه كجندي في ميادين التدريب!
تلك كانت واحدة من ملاحم التاريخ القريب عن بسالة رجل ارتبطت شجاعته بقناعته ..دون أن بنهزم للتهديد أو يلين عوده أو يسيل لعابه لاغراءات الوعود بحقارة حياة فضل عليها الموت بكرامة ليخلد ذكره من بعده كبطل دون ان يورث اهله ورفاقة المهانة و الخزي والعار.. عليه رحمة الله وهو في ذمة الباري الكريم
.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى