رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير.. أسامة صالح

الأعمدة

السودان بين فكي القهر : استبداد الجيش وجحيم المليشيات

وجدي ابويزن
منذ اندلاع الحرب في السودان، أصبحت معاناة المواطنين هي الثابت الوحيد في مشهد متغير يموج بالعنف والفوضى. الجنجويد، أينما حلّوا، جرّوا خلفهم كوارث تفوق الوصف: جرائم قتل بشعة، انتهاكات جسدية مروعة، سلب ونهب لكل ما تطاله أيديهم، وتهجير قسري للسكان الآمنين. هذه المليشيا، التي تفتقر لأي بُعد أخلاقي أو إنساني، تعتمد على تكتيكات الإرهاب والقمع المنظم لتحقيق مكاسبها، متجاهلة أي قيمة للإنسان أو الوطن.
في المقابل، كان من المفترض أن يتصرف الجيش بطريقة مغايرة، كحامٍ للدولة ومؤسساتها، لكنه اختار أن ينتهج سياسة القهر ذاتها، مستهدفاً المواطنين العُزّل تحت ذرائع واهية مثل التعاون مع المليشيات وتنفيذ الأحكام المباشرة عليهم، بدلاً من احالتهم للقضاء على اقل تقدير وبسط الأمن في المناطق التي يسيطر عليها ، إلا انه قد أضحى أداة أخرى لتكريس الخوف والفوضى، مستنداً إلى عقيدة أفسدها النظام السابق الذي زرع في أركانه الولاء للتنظيم الحاكم بدلاً من الولاء للوطن. هذه العقلية المؤدلجة جعلت الجيش، رغم أنه المؤسسة الأضخم، عاجزاً عن استعادة الثقة الشعبية أو تقديم نموذج قيادي يعيد للسودان شيئاً من الاستقرار.
ما يزيد الوضع سوءاً أن هذه الحرب لا تقدم أي مخرج سياسي يمكن البناء عليه. بل يبدو المستقبل قاتماً، إذ تتنازع الأطراف المتصارعة على السلطة دون أدنى اعتبار للمواطنين الذين يدفعون الثمن الأكبر. السودان بات عالقاً بين ثلاثة خيارات كلها مُرّة: إما بقاء الجيش الفاسد في السلطة، وهو ما يعني استمرار نظام حكم أسوأ من ذلك الذي سقط، أو عودة النظام البائد على ظهر الجيش بوسائل أكثر استبداداً وفساداً ، أو وقوع البلاد تحت سيطرة المليشيات، وهي الكارثة الأكبر التي ستؤدي إلى تفكيك ما تبقى من مؤسسات الدولة وتشرذم الوطن وانقساماته.
كل هذا يحدث في ظل تغييب كامل للقوى المدنية السياسية، التي تم تحييدها قسراً وبشكل ممنهج ، مما ترك الساحة مفتوحة أمام هذه الأطراف المسلحة لتواصل صراعها المدمر على حساب وحدة السودان ومستقبله. إن استمرار هذا المشهد المأساوي يهدد بتحويل البلاد إلى ساحة صراع دائم، حيث يصبح المواطن السوداني ضحية دائمة في وطن يتلاشى شيئاً فشيئاً تحت وطأة العنف والتشظي.

زر الذهاب إلى الأعلى