رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير.. أسامة صالح

الأعمدة

ليس في الأمر عجب في التوجه إلى روسيا …!

لا داعي للقلق بشأن إعلان وزير الخارجية السوداني عن التوصل إلى اتفاق نهائي مع روسيا لإنشاء قاعدة بحرية عسكرية على الأراضي السودانية. رغم أن البعض يعتبر هذا القرار انتهاكًا صريحًا للسيادة الوطنية، ويعتقد أنه خطوة غير مقبولة قد تؤدي إلى تداعيات سلبية على الاستقرار الداخلي في البلاد، إلا أنه في ظل المعادلات السياسية والأمنية الدولية الحالية، قد يتطلب الأمر الانضمام إلى محور قوي يخدم مصالح البلاد الإقليمية والدولية ويشكل حماية لها، خصوصًا في ظل التصعيد المتزايد من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ولايته الثانية. فقد بدأ يظهر بوضوح استهدافه لأراضي غزة وتهجير سكانها الأصليين، إضافة إلى ضغوطه على حلفائه الإقليميين مثل الأردن ومصر، وتهديدهم بوقف المعونات كوسيلة للضغط السياسي.

هذا يأتي في وقت لم تتحرك فيه بعض الدول العربية للاستثمار في ثرواتها وتنمية اقتصاداتها، ما أدى إلى فشل سياساتها الاستراتيجية التي كانت تقتضي الاستعداد لمواجهة مثل هذه التحديات. وإذا كانت البداية في غزة، فمن المحتمل أن يتوسع هذا المشروع الاستعماري ليطال منطقة نهر الأردن وسيناء وغيرها، مما ينذر بعواقب وخيمة على المستوى الإقليمي ويمهد لاستعمار جديد قد يظهر بشكل صريح.

أما فيما يتعلق بتغير السياسات الأمريكية تجاه الدول العربية، فقد تحولت من الضغط باستخدام المعونات وتغيير الأنظمة في فترة “الربيع العربي”، إلى الإعلان عن سياسات استعمارية مباشرة دون حياء، متجاهلة القوانين الدولية. بدأ هذا المشروع في غزة، وقد سبقته  تهديدات أخرى لكندا، قناة بنما، وبعض الجزر الدنماركية. هذا المشروع الاستعماري الجديد يستدعي من الدول العربية التحول نحو معسكر آخر، ويعني أن السودان قد يكون مضطرا للتحرك نحو روسيا في ظل الظروف الحالية، خاصة مع التحركات الإماراتية التي تنفذ السياسات الإسرائيلية في المنطقة تحت غطاء وحماية الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي.

الانخراط مع روسيا لبناء قاعدة بحرية في البحر الأحمر يتطلب وضع شروط تضمن حماية البلاد وتحقيق أهداف أمنية واقتصادية، مع ضرورة الحفاظ على استقلالية القرار الوطني. ويجب أن تشمل هذه الاتفاقيات بنودًا تضمن عدم وجود شروط قد تضر بمصالح البلاد أو تعرضها لمخاطر جديدة. وهذا يستلزم صياغة عقود قانونية دقيقة وملزمة للطرف الروسي، خاصة وأن سياسات روسيا لا تختلف كثيرًا عن سياسات الغرب. إضافة إلى أن عزلة روسيا قد تدفعها للتوجه نحو العرب، كما يقول المثل: “مجبور أخاك لا بطل”.

زر الذهاب إلى الأعلى