الأعمدة

وكانت تلك الحكمة من إنثى الحصان !

بينما كان المالك الجديد يشد بقوة وعنف على الحبل المربوط في رقبة ذلك الحصان بغرض أخذه وقد اشتراه من صاحب الزريبة المالك الاول لذلك الحيوان الوفي ..وكانت انثى الحصان المغلوب على أمره ترقب الموقف في أسى وحسرة الجمتها عن صهيل البكاء وجمدت الدموع في محاجرها المكلومة ..
فيما كان مهرها الفرس يلهو مع الحملان والسخلان الصغيرة في فناء الزريبة غير مدرك بما يحدث من حوله!
وحينما عاد لا هثا فرحا ليحك رأسه برأس أمه ولكنه على غير المرات السابقة احس بأنها في غاية الكآبة والحزن ولم ينتبه لخروج والده في تلك اللحظة !
حاولت الأم أن تخفي عليه الأمر الجلل ولكنه ألح في عناد أن تخبره أمه عن خروج والده في هذا المساء للعمل على غير عادة المالك بعد أن احس بعدم وجوده ؟
فبكت في حرقة وقالت له ..ماذا اقول لك في سوءات الجحود وعدم الوفاء البشري ..فبعد كل هذا العناء الذي بذلناه في خدمة ناكر الجميل هذا ..هاهو يبيع والدك بأبخس الأثمان لمن أخذه بكل ذلك العنف والشد والضرب المبرح !
نكس المهر الحزين رأسه قريبا من أمه وقد افلتت منه صهلة مخنوقة وكأنه يطمنئها متسائلا ..الأ يمكن يا امي أن يتراجع من باع ابي في صحوة ضمير ويذهب لينقض هذه البيعة المريبة ويعيد والدي الينا .
شهقت الام وضربت بظلفها بقوة والم شديد على الأرض وهي تقول لمهرها الغرير ..عندنا نحن الخيول حكمة. ورثناها من أجدادك القدامى ظللنا نتذكرها على مر الزمان تقول ..
( من باعك بالرخيص ..فلن يعود ويشتريك بالغالي )
فسألها صغيرها في براءة ..ولماذا سيطلب من اشترى ابي ثمنا اغلى من الذي اشتراه به .
فأجابته لانه سيطمع في الربح ولن يرضى بالخسارة مهما كانت ملاحظاته سلبية في الذي اشتراه رخصيا وانا على يقين أن والدك ليس بتلك السلبية في القيام بواجباته مهما كانت الظروف من حوله .

فأنت ما زلت صغيرا يا بني ولا تعرف أن هؤلاء الناس الذين ظلوا يركبون على ظهورنا طويلا ويجرون بنا العربات و يحرثون الحقول .فهم يستخون بذكائنا و يظنون أننا لا نفهم ولا حتى نشعر ولا نعلم ببواطن نواياهم الخسيسة !
فبكى الصغير و ظل يركض حول أمه متسائلا …وهل سيبيعك هذا الجاحد مثل والدي ؟
قالت له ..انا لم اعد اهتم بنفسي كثيرا بعد فراق والدك بهذه الطريقة المذلة ..ولكني أخشى عليك انت من ثقل الأحمال من بعدنا بعد أن تصبح حصانا قوى الظهر وشديد القوائم وفائق السرعة .
فقاطعها قائلا في لهفة وهو ينظر إلى بوابة الزريبة .
ساهرب إذا ما اصابك مكروه يا امي ولن ادعهم يستغلونني من بعدكما انت وو الدي العزيز.
فجذبته بفمها في حنو دافق من عرفه الناعم وهي تنصحه بعدم التهور والاندفاع مهما بلغ من الشدة وخفة الحركة وحدة الأظلاف ..لأن الطرق والغابات والجبال والأجواء كلها مطوقة بالوحوش الضاربة التي لن ترحمك وستفعل بك مثلما جرى لوالدك ..فلا فرق بين من باع ومن اشترى و بين فطرة الضواري والكواسر !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى