الأعمدة

ليونيل ميسي.. القلب أم العقل؟! محمد العولقي

ليونيل ميسي.. القلب أم العقل؟!
يعيش نجم نجوم العصر الحديث الأرجنتيني (بطل العالم) ليونيل ميسي هذه الأيام أزمة تفكير مُرهِقة، وضعت القليل المتبقي له في ملاعب كرة القدم على مفترق طرق بين قلبه وعقله.
يدور صراع مرير للغاية بين قلب ليونيل ميسي وعقله، فعاطفة العيش والملح والسنوات الحلوة تثير هواجس قلبه وتحرضه على العودة إلى عشه القديم (برشلونة)، ومنطق الاحتراف وما يترتب عليه من شطارة تجارية يدفع ميسي لأن يُحكِّم عقله ويقبل بعرض الهلال السعودي غير المسبوق من حيث الرقم والامتيازات.
أخطأ ليونيل ميسي قبل عامين عندما تأبط الجمل بما حمل، وخرج من باب برشلونة بحثًا عن (الجنة) في مدينة النور باريس، فكان أشبه بالفراشة التي غرتها النيران فاحترقت، فتحولت أحلامه إلى رماد تذروه الرياح.
ومثلما تأكد ليونيل ميسي بأن المال لا يصنع السعادة ولا يشتري نجاحًا في دنيا الإدارة الرياضية الحاذقة، فإن مسألة عودته المحتملة من جديد إلى  حبه الأول (برشلونة)، قد تكون خطأ جديدًا يُضاف إلى سلسلة أخطائه السابقة.
لست متشائمًا ولا أرتدي نظارة سوداء، وما زلت لم أغادر القدرة على رؤية النصف المملوء من فنجان ليونيل ميسي، ومع ذلك فإن مجرد تفكير اللاعب بالعودة مجددًا إلى برشلونة في سن السادسة والثلاثين لها مُخاطَرة لا تُحمد عقباها.
بالنسبة لفريق برشلونة قد احتاج إلى موسم ونصف كي يتخلص من تأثير ليونيل ميسي على الأداء العام، وقد كان المتحكم داخل الملعب وفي غرفة الملابس، ومع المدرب تشافي هيرنانديز أزاح الفريق الكتالوني عن كاهله سطوة هذا العبقري القزم، فتوج بالدوري الإسباني على بساط الجدارة والاستحقاق قبل أن تضع حرب الليغا أوزارها بأربع جولات كاملة.
مع ليونيل ميسي، كان الفريق كله يدور في فلك هذا الأرجنتيني صاحب النفوذ والنظرة الثاقبة والأداء المدهش السلس المغلف بسحر خاص لا يسكن إلّا قدمي هذا اللاعب، ومن دونه نجح تشافي هيرنانديز في تشكيل فريق جماعي سريع الإيقاع، حيوي الحركة، مفاتيحه الهجومية متعددة، وأعمدته الدفاعية صلبة من إسمنت مسلح، ووسطه فعال وشرس غني بالتحولات المركبة.
العودة المحتملة لليونيل ميسي ستعيد برشلونة من جديد إلى مربع الماضي، وعندها ستتبخر كل مقومات المشروع الجديد مثل خيط دخان، على اعتبار أن عودة ميسي تعني عودة أوركسترا النجم المُطلَق الذي ينتصر لحاضر آنٍ، بينما تبدو سماء المستقبل مُلبّدة بغيوم داكنة ستحجب شمس الانتقال التدريجي الآمن من ضفة الحاضر إلى ضفة المستقبل.
ومنطقيًا، عودة ليونيل ميسي إلى برشلونة بعد أن نقل فؤاده حيث شاء لن تمنح اللاعب بريقًا جديدًا، فمهما تحدث المدرب تشافي عن عبقرية ميسي وأهميته من الناحية الاستثمارية والفنية؛ فلا يمكن لميسي أن يصنع الحوافز والدوافع التي تبرر عودته في مرحلةٍ بدأ فيها اللاعب يترنح على مستوى الطراوة البدنية.
من دون شك، تبقى عبقرية ليونيل ميسي نابعة من كونه لاعب أرستقراطي يلعب بعقله ويوجه اللعب ويتحكم في نسقه حتى من دون أن يركض كثيرًا، لكن هذه الميزة لا تناسب فريق برشلونة الحالي الذي يضع اللياقة البدنية معيارًا للجاهزية فنيًّا وتكتيكيًّا.
وإذا تجاوزنا هذه النقطة الحساسة واعتبرنا ليونيل ميسي مفيدًا لبرشلونة في مرحلة تغيير الجلد والانفتاح على المستقبل، فأي إضافة يمكن أن يُحدِثها ليو في سن اليأس الكروي؟
فاز ليونيل ميسي بكل الألقاب والبطولات فرديًّا وجماعيًّا، ولم يعد بحاجة إلى العودة إلى نقطة التحدي؛ لاعتبارات كثيرة محفوظة عن ظهر قلب، من بينها أن مسيرة ليو مع البارسا حافلة وشاحنة، وموسوعة أرقامه القياسية تعاني من التخمة، فأي جديد يمكن لليو الرهان عليه بعد أن ختم اللعبة ببطولة كأس العالم مع التانغو الأرجنتيني؟
لقد حاولتُ مرارًا وتكرارًا هضم مسألة عودة ليو إلى بيته القديم؛ لكن كل الأسباب التي تتدفق على صدر الصحف الكتالونية كسيل عرمرم استعصى على معدتي هضمها.
وصحيح أن ليونيل ميسي “مغرم صبابة” بمطاردة الأرقام القياسية وتحطيمها، لكن مجرد التفكير في الذات خطأ ووسوسة شيطانية قد تستنزف الكثير من رصيد اللاعب الذي يأمل أن يغادر الملاعب بصفحة ناصعة البياض.
حاليًا أصبح ليونيل ميسي أعظم هدافي الدوريات الأوروبية الخمسة الكبرى متخطيًا غريمه اللدود البرتغالي كريستيانو رونالدو، كما أنه بات ملك (الأسيست) على مستوى العالم دون منافس، وبطولاته وألقابه مع الأندية تعانق القمر، ولم يعد هناك من يهدد رقمه مع منتخب الأرجنتين، فماذا يريد ليو أكثر من هذا؟ وما الضمانات التي تجعل من عودته إلى برشلونة مغرية؟
يراوغ خوان لابورتا رئيس نادي برشلونة ظاهريًّا في مسألة استعادة ليونيل ميسي هذا الصيف، لكن باطنيًّا تبدو عودة الفتى المدهش محفوفة بالكثير من المخاطر والعراقيل.
ولو كانت مشكلة عودة ليو إلى عشه الكتالوني تكمن في تخفيض رواتب اللاعبين والتخلص من بعضهم لهان الأمر، لكن المشكلة أن الخطة التي ينوي برشلونة تقديمها إلى رابطة الليغا مهلهلة مليئة بالاستجداء ودغدغة المشاعر، لكنها تخلو في الواقع من ضمانات جادة تسير جنبًا إلى جنب اللعب المالي النظيف.
وحتى لو فرضنا أن رابطة الليغا تعاطفت مع برشلونة وقبلت خطته الضبابية على مضض، فكيف للنادي تقديم الضمانات اللازمة إذا علمنا أن الوضع الاقتصادي للنادي يتنفس تحت الصفر، وبعض اللاعبين يرفضون الرحيل ويتمسكون بعقودهم مع النادي؟
خذوا سببًا دامغًا يجعل من عودة ميسي إلى برشلونة مستحيلًا وضربًا من الخيال، وانظروا بتمعن إلى الأرقام المالية المصاحبة لمشروع (إسباي بارسا)، في نسبة الفائدة الحقيقية على القرض والتي يخفيها خوان لابورتا عن الأنصار تصل إلى 7.11 %.
وهذا يعني أن النادي الكتالوني سيدفع فائدة تصل قيمتها إلى مليار و525 مليون يورو بدون أي تكلفة إضافية، وبالتالي إجمالي ما سيتم دفعه سيصل إلى مليارين و975 مليون يورو.
هذه ليست نهاية الأرقام الكارثية التي تعصف باقتصاد برشلونة، فهناك مبلغ يصل إلى 119 مليون يورو سوف يُسدَّد سنويًّا لمدة 25 عامًا قادمًا، إضافة إلى 40 مليون يورو أخرى في السنة كحد أدنى حتى العام 2047، أي بنسبة 25 % من حقوق البث لشركة (سيكس ستريت).
بالمناسبة هذه الأرقام مجرد غيض من فيض، لأن ما خفي في هذا الشأن أعظم وأدهى وأمر، وهي أرقام توحي دلالاتها ومؤشراتها أن العاطفة لن تكون العنصر الحاسم في عودة ليو إلى برشلونة، ففي الغالب سيتحكم العقل في تحديد مسار اللاعب، وبالتالي سيجد كل الطرق المنطقية تؤدي إلى الهلال أو إنتر ميامي الأمريكي في أسوأ الأحوال.
ثمة أغنية لمطرب إسباني بعنوان (أسماك من مدينة)، تقول ما معناه: ليس من الجيد التفكير في العودة إلى الأماكن التي عشت فيها سعيدًا ذات يوم، وهي أغنية ذات مغزى لو استمع ليونيل ميسي لكلماتها وأمعن التفكير في حكمتها ووضع تحذيرها على محمل الجد، لفضّل الإصغاء للعقل والتوجه فورًا إلى الرياض، مبتعدًا عن شر العودة إلى برشلونة مع فاصل من الغناء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى