
نيروبي/ الخرطوم- تواجه حكومة “السلام والوحدة” التي اعتزمت قوى سياسية وحركات مسلحة سودانية إعلانها من نيروبي عدة مطبات، ومن بينها تباين المواقف الإقليمية حولها.
وحالت مخاوف دون إعلانها في موعدها الاثنين، وجرى تأجيلها إلى الثلاثاء، ثم قيل إن الموعد النهائي الجمعة المقبل، لكن القائمين عليها أكدوا عزمهم على التجهيز لها جيدا وبالطريقة التي تضمن نجاحها، وتذليل العقبات التي تواجهها وعقد مؤتمر على مدار يومين، تشارك فيه قيادات مختلفة، ثم التوقيع على تأسيس الحكومة.
وكشفت مصادر سودانية لـ”العرب” أن تقدم قوات الجيش، والسيطرة على مناطق مهمة في الخرطوم مؤخرا، يؤثر على اختيار الحكومة الجديدة لهذه المدينة الكبيرة مقرا لها، وينزع واحدة من نقاط القوة التي تم توظيفها، والتفكير في اختيار مقر آخر بديل في إحدى المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع في إقليم دارفور، والتي تعد حاضنة عسكرية وسياسية مهمة لأطراف تدعم الحكومة الموازية.
وأكدت المصادر ذاتها أن هناك ضغوطا خارجية تتعرض لها القوى الراعية للحكومة الجديدة قبل ولادتها، أدت إلى تأجيل إعلانها أكثر من مرة، قد تتسبب في استنفار قوى إقليمية لتوفير دعم عسكري كبير لقوات الجيش لتوسيع نطاق سيطرته قبل أن تتمكن الحكومة من تشكيل هياكلها والشروع في ممارسة عملها، لأن تمركزها في إقليم دارفور يعيد إلى الأذهان شبح انفصاله، والذي تجاوزته حكومة الخرطوم بشق الأنفس في سنوات ماضية عندما اندلعت حرب أهلية ضارية في الإقليم.
وأعلنت مجموعة من القوى المدنية والحركات المتحالفة مع الدعم السريع عزمها التوقيع على الميثاق التأسيسي لإنشاء الحكومة الجديدة، وبررت المجموعة خطوتها بـ”تعزيزها الوحدة الوطنية وتحقيق الأهداف المشتركة”.
وكان رئيس الجبهة الثورية ورئيس حركة تحرير السودان – المجلس الانتقالي الهادي إدريس يحيى قد أشار إلى وجود ترتيبات للإعلان عن الحكومة الموازية في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، وتلقى ضمانات من عدة دول ومنظمات دولية للاعتراف بها، وسيتم إعلان تشكيل الحكومة من داخل السودان.
ووجهت القوى السياسية والمدنية والاجتماعية والحركات المسلحة وقوات الدعم السريع دعوة رسمية لحضور العديد من الأشخاص إلى مراسم توقيع ما وصف بـ”ميثاق السودان التأسيسي لتكوين حكومة السلام والوحدة”.
وتتولى الحكومة مهام متنوعة، تشمل حماية المدنيين، وتقديم الخدمات الأساسية، وتيسير وصول المساعدات الإنسانية والتواصل مع المجتمع الدولي.
وتسبب التوجه نحو تشكيل حكومة متحالفة مع الدعم السريع وموازية للحكومة الحالية في بورتسودان التي يرأسها قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان في انقسام في جسم تنسيقية القوى المدنية والديمقراطية (تقدم) إلى تيارين أحدهما مؤيد للخطوة والآخر رافض لها خوفا من تداعياتها السلبية على وحدة السودان.
وبعد انتشار معلومات قالت إن رئيس حزب الأمة القومي اللواء فضل الله برمة أحد المشاركين في النقاشات الجارية حول الميثاق السياسي، أكد الحزب في بيان له رفضه تشكيل حكومة لأي من طرفي الحرب، “وأنه لا شرعية بعد انقلاب 25 أكتوبر ولا شرعية لحرب 15 أبريل.. وأن حزب الأمة ليس معنيا بتشكيل أي حكومة، ولن يشارك في أي حكومة إلا من خلال انتخابات حرة نزيهة أو توافق وطني”.
وقال عضو تحالف “صمود”، الذي خرج من رحم تنسيقية “تقدم”، اللواء كمال إسماعيل إن إجراءات تدشين الحكومة الموازية “نوع من التشرذم سعت بعض القوى السياسية والمدنية لتلافيه بكافة السبل الفترة الماضية”، وتشكيل حكومة جديدة يقود من وجهة نظر الداعمين لها إلى الضغط لوقف الحرب، لكن الواقع يقول إن السودان سيصبح أمام حكومتين غير معترف بهما من الشعب السوداني وغالبية القوى الدولية الفاعلة.
وأضاف إسماعيل في تصريح لـ”العرب” أن المطلوب وقف الحرب وليس الدخول في تفريعات حول حكومات جديدة ومواثيق سياسية من المقرر التوقيع عليها، فالسودان يواجه حربا مستعرة على نحو أكبر مما كانت عليه الفترة الماضية، والأطراف الداعمة للحكومة الجديدة سوف تسعى بكل ثقلها لتقديم الدعم اللازم لقوات الدعم السريع، وبالتالي يدفع المواطنون ثمنا باهظا لذلك.
وأشار إلى أن تلويح القائمين على الحكومة الجديدة بجلب أسلحة وطائرات لحماية المدنيين يقود إلى المزيد من التدمير في السودان، ولن يستطيع أي طرف تحقيق انتصار على الآخر، ما يفرض ضرورة التدخل الدولي لحماية المدنيين، وعلى القوى المدنية الوحدة في مواجهة هذه التطورات والضغط على جميع الأطراف المتحاربة.
ويتضمن ميثاق الحكومة الموازية تأكيدات على وجوب السلام ووقف الحرب ومعالجة الجذور الرئيسية للأزمة والحفاظ على وحدة الجيش والسودان كدولة ديمقراطية.
ذكر المحلل السياسي السوداني عبدالواحد إبراهيم أن تشكيل حكومة جديدة يؤثر على مجمل الحياة السياسية، وليس فقط على مسار الحرب، ويؤكد أن الانشقاق في المكون العسكري تبعه انشقاق على المستوى المدني، وهناك سياسيون يحتمون بكل طرف بحثا عن مكاسب شخصية.
وأشار لـ”العرب” إلى أن المتضررين من جرائم اتهمت بارتكابها قوات الدعم السريع في ولايات سيطرت عليها خلال الحرب سيؤيدون الجيش وينبذون الحكومة الجديدة.
في المقابل، هناك أطراف ذات ارتباطات قبلية في إقليم دارفور وبعض مناطق كردفان وتشكل تركيبة سكانية ضخمة يصل عددها إلى 6 ملايين شخص يميلون للدعم السريع ويحتمون بها ويقبلون وجود حكومة بمناطق سيطرتها بعيدا عن الخرطوم.
وشدد على أن المشهد السوداني تعقد كثيرا، لأن الحكومة الجديدة قد يترتب عليها اعتراف من بعض الدول في شرق وغرب أفريقيا وبعض الدول العربية، ما يدخل السودان في دوامة خلاف حول الشرعية التي تقود إلى تمدد الصراع سنوات طويلة.
ولفت عبدالواحد إلى أن نفوذ الإسلاميين، وسيطرتهم على مفاتيح مهمة في المؤسسة العسكرية، قد ساهم في الوصول إلى هذه النقطة عقب الانقلاب على محاولات السلام في جدة والمنامة وجنيف، وبعد أن اختاروا المضي في خيار الحرب.
وفور تشكيل الحكومة سيتم إنشاء جيش موحد من الفصائل العسكرية، وقوات الدعم السريع، بغرض حماية المدنيين وامتلاك وسائل الحماية والدفاع على الأرض وفي الجو، والحصول على السلاح للدفاع عن الشعب السوداني.