هذه الحرب التي اعادتني إلى ذاتي. الحلقة التاسعة.. وقفات اللجان و بذل الشباب وعطاء اهل التعليم .

قرى الجزيرة بما عرف عنها من حياة مفعمة بالعطاء في كل نواحي الحياة المختلفة اجتماعيا وتكافليا وانتاجيا فقد تحسب اهلها لمواجهة هذه الأزمة الطاحنة بكل معاني الصمود بحيث لم تتأثر كثيرا بحركة النزوح عنها بذلك القدر المخيف الذي الذي قد يصعد من درجة اختلال دورة نمطها المعيشي بل على عكس ذلك فإنها بكل الكرم غير المصطنع قد استقبلت جموع قاصديها دون تمييز أو تبرم سواء من الاصقاع البعيدة أو الانحاء المحيطة فوفرت لهم المأوى و تقاسمت معهم لقمة العيش بكل أريحية وبدون اي من أو أدنى أذى .ولعل ما قامت به لجان الخدمات والتنظيمات الشبابية في هذا المنحى كان له الأثر الكبير في المحافظة على توازن تلك القرى ووقوفها بصلابة في مواجهة كل التحديات التي فرضتها ظروف هذه الحرب وما أفرزته من تبعات ألقت بظلال كثيفة في مشاهد وتفاصيل حياة الناس بماحتم على تلك اللجان وتنظيمات الشباب أن يضطلعوا بأدوار جسيمة ويحملوا ثقل المسئؤلية التي أكثرها عبئا هو الوقوف كسد منيع في وجه تلك القوات المليشية المحتلة لقراهم حتى لا يكونوا على احتكاك مباشر مع المواطنين وبالتالي يتولى أعضاء تلك اللجان سد كافة الثغرات التي تقود إلى مثل تلك الإحتكاكات وهي بالطبع قد تمثل خطورة على أمن المجتمعات المتصالحة دوما في تعاطيعها البيني.. بل وحتى لا تعطي تلك العصابات المسلحة ذريعة التغلغل في ثنايا تكوينات القرى وتخلخل من بنية استقرارها بسياسة التفريق و الاختراق.. بل وحتى تلك المشكلات بين المواطنين العابرة كشي طبيعي في مثل هذا الظرف من التوتر و في غمرة غياب عدالة الدولة وأجهزتها الشرطية والسلطة النيابية وهي قد تكون خلافات مهما كانت بسيطة أو كبيرة نسبيا فإنها بطبيعة الحال تتطلب تحكيما عقلانيا لفضها بالحسنى والتوافق و لابد ان تقوم بها اللجان الشعبية بعيدا عن تدخل ارتكازات الدعم السريع التي أن وصلتها مثل تلك النزاعات فإنها ستبتز المتنازعين بطريقة بشعة وتفرض عليهم مبالغ خرافية كغرامات جائرة لا تستند إلى أية معقولية دعك عن انتفاء صفة القانونية عليها البتة بالأضافة إلى حالات التشفي بالضرب و الحبس في أماكن سيئة التهوية وتفتقر إلى أبسط المقومات.
أما ما قامت به مجموعات الشباب فهو دور يدعو للإعتزاز والفخر بعد أن حجبت عنهم قوات الدعم أحقية إقامة التروس بدعوى أنها هي الجهة المنوط بها القيام بذلك الدور الامني وهو أمر مفروض على أهل القرى كما أسلفنا القول .
وبالتالي تحول الشباب بكل طاقاتهم لتولي خدمات السقيا التي تمثلت في استجلاب و تركيب ألواح الطاقة الشمسية لتحمل العب في تشغيل بيارات القرية في حال انقطاع الكهرباء او شح الوقود ولم يكن اكتمال ذلك الدور ممكنا لو لا تدافع الأبناء في ديار الغربة بالمساهمة غير المحدودة رغما عن مسئوليتهم الأسرية الخاصة في الغربة فضلا عن تحملهم تبعات نزوح اهلهم أو لجوئهم خارج البلاد مما يتطلب مد يد العون إليهم في تلك الظروف القاهرة .
ولعل تضافر جهود اولئك النفر من الكبار والشباب ولا ننسى المرأة هي التي مثلث العنصر الأهم في سير عجلة الحياة قدما نحو الاستقرار النسبي الذي حفظ للناس جانبا من الخدمات التي وفرتها تلك اللجان مسنودة بسواعد الشباب وربات البيوت ..
ومن ثم عادت خدمات المركز الصحي الخيري الذي أغلق أبوابه في الشهور الاولى من الأزمة بعد أن غادره العاملون خوفا على حياتهم .
ولكن ظلت شفخانة القرية على محدودية إمكاناتها تعمل دون توقف وفي أحلك الظروف ويبذل القائمون عليها باقصي الجهد لتغطية حاجة المرضى حتى بالزيارات المنزلية متى ما اقتضت الحالة .
كما لا ننسى الدور الكبير الذي لعبه رسل التربية وأهل العلم من المعلمين والمعلمات الذين تطوعوا بفتح الفصول الدراسية في شتى المستويات بغرض الحاق اولئك الطلاب والطالبات حتى لا يتخلفوا عن أقرانهم في المناطق التي يسيطر عليها الجيش ولم تتأثر العملية التعليمية هناك كما التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع .
بل وقد غامر بعض اولئك المربين الأفاضل والمربيات الفضليات بمرافقة الابناء والبنات المتقدمين لأداء امتحان الشهادة السودانية في مناطق سيطرة الجيش وعلى سبيل المثال مدينة المناقل..وقد واجهوا الكثير من التعديات في طريقهم إلى هناك بواسطة قطاع الطرق من العصابات ولكنهم لم يتراجعوا عن أداء تلك المهمة الحيوية حتى انجزوها بنجاح تام ساهمت فيه الكثير من الجهات الرسمية و اهل الخير في المناقل بتوفير كل سبل الراحة والاعاشة والحركة والتأمين في الحل والعودة لاولئك الابناء والبنات ومرافقيهم البررة .
يتبع ..