رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير.. أسامة صالح

الأعمدة

مرآة العدالة: قضايا قانونية تهمك “

بقلم / المستشار: معاوية أبوالريش
خطاب الضمان المصرفي وفقاً للقانون العماني.
في ظل التطور المتسارع للمعاملات التجارية وتزايد حجم المشاريع الاقتصادية في سلطنة عمان، يبرز خطاب الضمان المصرفي كأحد أهم الأدوات القانونية التي تضمن حقوق الأطراف المتعاملة وتيسر إتمام الصفقات التجارية. يقدم هذا المقال تحليلا شاملا لخطاب الضمان المصرفي وفقا للقانون العماني، مستعرضا أهم جوانبه القانونية والعملية.
الإطار القانوني: نظم المشرع العماني أحكام خطاب الضمان في قانون التجارة، حيث عرفته المادة (392) بأنه “تعهد يصدر من بنك بناء على طلب عميل له (الآمر) بدفع مبلغ معين أو قابل للتعيين لشخص آخر (المستفيد) دون قيد أو شرط إذا طلب منه ذلك خلال المدة المعينة في الخطاب” وهذا التعريف الدقيق يعكس حرص المشرع على وضع إطار قانوني واضح يحمي جميع الأطراف. ومن خلال التعريف الذي أورده المشرع العماني نستطيع أن نتبين بأن لخطاب الضمان أركان أساسية.
الأركان الأساسية لخطاب الضمان: يقوم خطاب الضمان على ثلاثة أركان رئيسية: الركن الأول: البنك الضامن: وهو مصدر الخطاب والملتزم بالوفاء. والركن الثاني: العميل الآمر: وهو طالب إصدار خطاب الضمان. والركن الثالث: المستفيد: وهو من صدر الخطاب لصالحه.
التنازل عن الحق كصورة من صور التأمين: وفقا للمادة (393) من قانون التجارة والتي نصت على أنه (يجوز للبنك أن يطلب تقديم تأمين مقابل إصدار خطاب الضمان.
ويجوز أن يكون التأمين تنازلا من الآمر عن حقه قبل المستفيد.)، حيث منح القانون للبنك الحق في مطالبة الآمر بتقديم تأمين مقابل إصدار خطاب الضمان، كما أجاز القانون أن يتخذ التأمين شكلا قانونيا آخر يتمثل في تنازل الآمر عن حقوقه تجاه المستفيد. وفي هذه الحالة، يقوم الآمر بالتخلي طواعية عن حقه في المطالبة أو الرجوع على المستفيد، مما يوفر للبنك ضمانا وحماية قانونية. ويعتبر هذا التنازل بمثابة تأمين للبنك، حيث يضمن له عدم تعرضه لأي مطالبات مستقبلية من قبل الآمر فيما يتعلق بالحق المتنازل عنه، مع تقييد حق المستفيد في التنازل عن حقوقه للغير إلا بموافقة البنك. وهذه الأحكام -من وجهة نظرنا القانونية – تحقق توازنا دقيقا بين مصالح الأطراف الثلاثة.
إستقلالية الإلتزام المصرفي من أهم خصائص خطاب الضمان: ويظهر ذلك جليا من خلال إستقلالية إلتزام البنك عن العلاقات الأخرى، حيث لا يجوز للبنك رفض الوفاء لأسباب تتعلق بعلاقته بالآمر، كما لا يمكن الاحتجاج بالعلاقة بين الآمر والمستفيد، ويبقى إلتزام البنك مستقلا عن العقد الأصلي. وهذا هو عين ما نصت عليه المادة (395) بنصها (لا يجوز للبنك أن يرفض الوفاء للمستفيد لسبب يرجع إلى علاقة البنك بالآمر أو علاقة الآمر بالمستفيد.)
إنقضاء الإلتزام وحق الرجوع: حدد القانون حالات إنقضاء إلتزام البنك، وحقه كذلك في الرجوع على الآمر، حيث تبرأ ذمة البنك من الإلتزام الوارد بخطاب الضمان بإنتهاء مدة الخطاب دون مطالبة من قبل المستفيد. كما يحق للبنك الرجوع على الآمر بما دفعه للمستفيد. وهذا ما نصت عليه المادة (396) بنصها (تبرأ ذمة البنك قبل المستفيد إذا لم يصله خلال مدة سريان خطاب الضمان طلب من المستفيد بالدفع إلا إذا أتفق صراحة قبل إنتهاء هذه المدة على تجديدها.) والمادة (397) بنصها (إذا وفى البنك للمستفيد المبلغ المتفق عليه في خطاب الضمان حل محله في الرجوع على الآمر بمقدار المبلغ الذي دفعه.)
قيود التنازل عن الحق في خطاب الضمان: لقد وضعت المادة (394) من قانون التجارة قيدا مهما على حق المستفيد في التصرف بحقوقه الناشئة عن خطاب الضمان، ويمكننا تحليل هذه المادة وفقا لما يلي: الأصل العام هو حرية المستفيد في التصرف بحقوقه المالية، لكن المشرع وضع قيدا خاصا في حالة خطاب الضمان. حيث حظرت المادة على المستفيد التنازل عن حقه للغير دون موافقة البنك على ذلك، ويمكن تفسير هذا الحظر وإرجاعه لعدة أسباب، منها الطبيعة الشخصية لخطاب الضمان، كون أنه يصدر لمصلحة مستفيد محدد، ولحماية البنك من مخاطر التنازل التي قد تؤثر على العلاقة الأصلية بين أطراف خطاب الضمان. ولضمان تحقيق الغرض من إصدار خطاب الضمان. وقد أباح المشرع وأجاز للمستفيد التنازل للغير عن حقه ولكن بشرط الحصول على موافقة البنك الصريحة. وهذه الموافقة ضرورية لصحة التنازل وترتيب آثاره القانونية. وبالتالي يترتب على مخالفة هذا النص بطلان التنازل في مواجهة البنك، وبالتالي لا يلتزم البنك بالوفاء للمتنازل إليه. وهذا النص – في تقديرنا – يعكس حرص المشرع على تحقيق التوزان بين مصالح جميع الأطراف في علاقة خطاب الضمان، مع إعطاء البنك سلطة تقديرية في الموافقة على التنازل من عدمه.
الأهمية الاقتصادية والعملية لخطاب الضمان: يؤدي خطاب الضمان دورا محوريا في تسهيل المعاملات التجارية الكبرى، وتعزيز الثقة في السوق التجاري، وحماية مصالح المتعاملين، وفي دعم المشاريع الاقتصادية.
وأخيرا فإن خطاب الضمان المصرفي يمثل نموذجا متطورا للتعاون بين القطاع المصرفي وجميع المهتمين بالعمل التجاري والإستثماري، وقد نجح المشرع العماني في وضع تنظيم قانوني متكامل يحقق التوزان بين الفعالية التجارية والحماية القانونية. ومع تزايد أهمية هذه الأداة في الحياة الإقتصادية، يتضح أن الإطار القانوني العماني يوفر أساسا متينا لتطورها المستقبلي.

زر الذهاب إلى الأعلى