
في ظل أجواء يظلل سمائها عبق الانتصارات، بين مرور ذكري واقعة بدر الكبري، قبل أيام، وتمدد مالآت الفرح العارم، الذي انتظم أرجاء البلاد، بعد تقدم القوات المسلحة في كافة محاور معارك الكرامة، التي توجتها أخيرا بالتوغل عنوة، إلي داخل مؤسسة الرئاسة ، وإعلان تحرير قصر السيادة الوطنية، من إيدي المغول وتتار العصر….بين هاتين المناسبتين، أطلت بعض الصور الزاهية من فصول التلاحم والسند الشعبي، في (الكرد) ، و(أمري) بمحليتي الدبة ومروى، وقوفاً وسنداً خلف القوات المسلحة، التي تصدت وماتزال، لمنازلة مرتزقة التيه والظلام، تطبيقاً فعلياً، لشعار المرحلة المطروح، (شعب واحد جيش واحد)…
أمس القريب، تواصلت الخطي، تسبقها المشاعر المفعمة، ناحية ( الكرد) ، بوحدة الدبة الإدارية، تلبية لدعوة صادقة، خصنا بها ، رجل المهام، عالى المقام، الأخ، عبيد عبد الله الدرملي،لمشاهدة نشاط المقاومة الشعبية،التي جمعت مكونات المجتمع كلها، في جسم متماسك وصلب، في إدارية الدبة، إنحيازاً للقوات المسلحة، التي ما زالت تقاتل شراذم التمرد..
في الطريق الي الدبه، والعربة تمشي الهوينا، لتتفادي المطبات والاخاديد والحفر العميقة، التي رسمت على شارع الأسفلت، بعض أسباب الكآبة، وقبح المنظر، الذي وضع السائقين في إمتحانات عسيرة، لا ينجو منها، إلا أصحاب المهارة والصبر والخبرةوطول البال.. ونحن نمضي علي ذات الطريق، قلت لرفيق الرحلة، الأستاذ متوكل طه، يا ترى مَنْ المسؤول عن إصلاح أعطال الطريق، التي تمتد من مروى وكبرى ابودوم وتنقاسي والقرير واوسلي وكورتي وغيرها حتي مدخل الوصول إلي الدبة؟، سمعنا ان الطريق تقع مسؤولية إصلاحه وصيانتة، علي إدارة الطرق القومية، التي اعمي الله بصرها وبصيرتها، عن معاينتة رغم طوله واهميته، وقد ظل علي حاله منذ سنوات، يشتكي لطوب الأرض، الإهمال وعدم الاهتمام، وكأني به يئن الآن بصوتٍ خافت، متأذياً من مرور الشاحنات والجرارات المصرية وغيرها من ذوات الأحمال الثقيلة..
وصلنا الدبة، وشمس رمضان تتهادي وتدنو رويداً من المغيب، دخلنا دار الدرملي بالكرد (بالرِجِل اليمين)، فكان المشهد المهيب، احتشاد غير مسبوق، وحضور يمثل أطياف المجتمع كله، الكرد، تنقسي، قنتي، قوشابي، كرمكول، مهد الروائي العالمي الطيب صالح، ارقي، الحسيناب والجابرية، بلد صديقنا ، ربيب الكرم، بشير الضو، الذي حبسه وجوده قبل الحرب في القاهرة مستشفياً،من الحضور والمشاركة كعادته في كل المناسبات، (دى فاتتك يا بشير)..
نجحت لجنة المقاومة الشعبية بوحدة الدبة، في تنظيم افطارها وبرنامجها السنوي، الذي شهده الكثيرون من أهل الكرد والدبة وغيرها، حضور لافت لقادة الخدمة المدنية، والقيادات العسكرية و الشعبية والمجتمعية المختلفة،والاعيان والرموز، والمرأة والشباب الصاعد، الذين تسابقوا لمراكز التدريب، وتولوا يوم ذاك، خدمة الضيوف،أصبنا جميعا، من ألوان الكرم المعهود، اعقبه برنامج التفاعل المطلوب، خطابات حماسية، واناشيد دفاعية، ومدائح نبوية، أشعل جزوتها، المنشد القاسم عبد الرحمن، ومادح آخر، عبّر بلسان أهلنا الختمية، تعبيراً يليق بتاريخهم، وابعادهم الصوفية المعروفة، تحول علي إثرها المكان كله، إلي بركان ثائر، تغلي صدور الحاضرين، بحماس ظاهر، وشباب راكز، للدفاع عن أرض الجدود، في المحلية والولاية، سنداً للقوات المسلحة الباسلة…نجاح المقاومة الشعبية في وحدة الدبة، يعتبر نموذجاً فريداً، في التآلف والتكاتف وجمع الصفوف، ووحدة الهدف، يقف خلفه ويقوده، نخبة من الرجال، شهدنا همتهم ورغبتهم ومحبتهم للعمل العام، منهم، دفع الله محمد صديق، رئيس الوحدة الإدارية، المشرف علي أعمال المقاومة بالوحدة، وقائد سفينتها، بالحكمة حتي يوصلها الي شواطئ الأمان، وثانيهم، عبيد عبد الله الدرملي، الذي عرفته سوح العمل، في أكثر من محال، اكتسب الخبرات التي عجمت عوده، لتجعل منه رمزاً ونجماً ، يجد متعته الحقيقيه، في خدمة وطنه بالاخلاص والتجرد ونكران الذات،وقفنا علي ذلك، من خلال شهادات الآخرين فيه، داخل الدبة وفي خارجها،،انتهي برنامج المقاومة الشعبية وبرنامجها، بوحدة الدبة، وبالطبع لن ينتهي دورها، في حث القادرين علي التدريب وحمل السلاح،بجانب القوات المسلحة وتحت إمرتِها، وهي تخوض معارك الكرامة، دفاعاً عن التراب والأعراض، لمسنا وقرأنا ذلك، في وجوه الحاضرين، الذين باتوا ليلتهم تلك، وهم يرددون مع الراحل عثمان الشفيع…وطن الجدود،،نفديك بالارواح نجود.
مبارآة المقاومة الشعبية لها شوطان، أنتهي الأول في (الكرد)، وانتقل فريق المقاومة ليشهد أداء الشوط الثاني أمس في (أمري الصمود)، التي تنادي أهلها من قرآها المختلفة، وصولا إلي ساحة القرية٢، مكان التجمع والاحتفال، وتناول الإفطار، الذي درج قطاع أمري علي اقامته في كل عام، امتلأ المكان بحضور كثيف، جاءوا من كل فج عميق، كورتي، امبكول، الغريبة، الباسا، اوسلي، مساوي، القرير، تنقاسي، مروي ونوري وغيرهم من الحاضرين، تقدم الركب، رئيس لجنة الإستنفار والمقاومة الشعبية ، اللواء الركن (م) محمد الأمين الزين، في معيته أركان المقاومة واعمدتها من الأعضاء ورؤساء اللجان المختلفة، وجميعهم يعرفون قطاع أمري، كقطاع متميز، له في مجال المقاومة والقدرة علي الإستنفار، القدر العالي، والوفاء المثالي والبلاء الواضح، من خلال السبق دوماً في الإستعداد ورفع تمام الجاهزية، حتي أضحي القطاع، مثالاً تقتفي أثره بقية القطاعات، في الترتيب والتجهيز والتنظيم، في كل الفعاليات العديدة التي تولي أمرها قطاع أمري، نفذها باقتدار، كنا شهودا علي تفردها ونجاحها، فقد كتب الله النجاح لرئيس القطاع، الدكتور نور الدين علي الفكي، لقيادة أهله، كهولا وشبابا ونساءا، نحو بناء جسم المقاومة القوي في قطاع أمري، بالثقة المفرطة، التي منحها له أهله، بالطاعة والحماس والإصرار علي دعمه ليبقي قائدا للقطاع، رغم المحاولات التي جرت لاقصائه قبلاً، تصدي لها منسوبو قطاع أمري، ليبقي د، نور الدين، رئيسا للقطاع، يقود ركبهم، ويستنفر شبابهم، ويحمس نسائهم، للوقوف خلف القوات المسلحة، قالها من قبل، وكررها أمس ، أمري كلها مع القوات المسلحة، (لو الجيش انتصر نحن معاه) ولو (الجيش اتهزم أمري معاه )، انه قول واضح، بلسان واحد، يعبر عن أمري وأهلها…
في إفطار قطاع أمري، بالقرية (٢)، أشار المتحدثون كلهم، عن خصوصية المرحلة التي تعيشها البلاد، وهي تواجه غزوا لم يشهد التاريخ مثله، بتنامي وارتفاع مؤشر المقاومة الشعبية، التي لا تستسني أحدا، بغير أصحاب الاعزار، ليكون الجميع في خندق الوطن الواحد، إلي جوار القوات المسلحة، نصراً أو شهادة، إلي ذلك المح قائد درع النخيل، العميد أبوبكر طه يسن، الذي وجد ضالته أمس في حماس شباب قرى أمري، وكان لسان حالهم يقول، إمض بنا إلي مواقع القتال، لن نخذلك ولن يتخلف منا أحد.. في ذات المجال، وبنفس اللغة وروح الحماس، جدد الفريق عثمان سيداحمد(انجليز)، الدعوة والنداء للشباب والقادرين، ضرورة التدريب والالمام بجوانب المعارك والقتال، درءاً للتآمر والاستهداف الذي ما فتئت تتعرض له البلاد، وانجليز، له في معارك الوطن صولات وجولات، اقترن اسم (خور انجليز) بإسمه، أيام حرب الجنوب عام ١٩٩٢م،بعد ان قاد معركة تحريره، وكان وقتها لم يزل في رتبة النقيب، انه تراكم الخبرات، يجيب ان يفيد منها الشباب، لتعينهم في دوائر معارك الكرامة في كل الاتجاهات…. عقب نهاية الإحتفال، والحضور يتهيأ لصلاتي العشاء والقيام، سألت الفريق عبد السيد عمر الحسن، عن سر النجاح في المشاريع والخدمات في قري أمري الخمس الدوافع والأسباب؟ فكانت إجابته، في قري أمري وزعنا سائر الخدمات، من زراعة وتعليم وصحة ونظافة واستنفار وغيره، إلي ذوى الشأن وأهل الاختصاص في كل مجال،ليديره بخبرته ومعرفته ، دون إملاءٍ أو تدخل، بمعني إننا (أعطينا الخبز لخبازه)، ثم اضاف، كل هذه الخطوات، تحظي بالرعاية والمتابعة والمراقبة، من جانب ، ابن امرى البار، الفريق حسب الله عمر الامين، الذي لم يدخر وسعاً، في خدمة أهله، فهو(كبير) قري أمري، مقاماً ومكانةً، ورمزاً، تتكامل جهوده مع الآخرين،لرفعه شأن (أمري) كلها، خدمة وتنميةً وأمناً، ستجني ثمراته الأجيال…
لما قطع الآذان دابر الحديث، هرع الجميع إلي مسجد القرية الأنيق، ليؤدٌوا حقوق الله عليهم، فلما قضيت الصلاة، تفرق الجمع، يبتغون من فضل الله، غادرنا( أمري)، ومن قبلها (الكرد)، وفي الحلق غٌصةٌ، وفي الجوف نيران تتقد،فلا غصة الحلق تزول، ولا نيران القلب تبرد، إلا بلقائكم من جديد….مبروك أمري والكرد الكل للأول صعد….