رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير.. أسامة صالح

الأعمدة

يا كامل، كن كاملاً وقل ما يحتاجه الوطن لا ما يحتاجه الكيزان والبرهان

“” فالمعضلة السياسية والأخلاقية التي تعصف بالسودان منذ اندلاع حرب 15 أبريل،هي استدعاء الوطن مرارًا كغطاء أخلاقي لمعارك لا تُخاض باسمه، بل على حسابه.
طالعت قبل قليل في ” سونا” دعوة رئيس الوزراء الانتقالي د. كامل إدريس إلى “حشد الجهود والطاقات لدعم القوات في حرب الكرامة”، هذه الدعوة، في مضمونها السياسي وتوقيتها الخطابي، لا تخرج عن كونها دفعة جديدة لتحالف “الكرامة” المتصدع والمتناقض، الذي يتوسع بخطاب تعبوي لا يسنده مشروع سياسي جامع، ولا يحمله برنامج دولة،فلكل مشروعه وتصوراته والجميع يتغذى على نار الحرب ذاتها.
د. كامل إدريس، الذي حملته آمال البعض بوصفه شخصية مدنية إصلاحية قادرة على إعادة تعريف دور السلطة الانتقالية، ها هو اليوم يُحشد خلف قيادة عسكرية فقدت بوصلتها، ويمنحها شرعية إضافية في حرب وصفها بنفسه بأنها “في نهاياتها”، بينما الواقع يقول إنها تتوسع وتتمدد في الخرطوم ودارفور وكردفان، وتحصد مزيدًا من الأرواح والانهيار.
الرسالة التي وجهها إدريس للعالم، بأن “القوات المسلحة قوية وقادرة على دحر التمرد”، هي تكرار لصدى آلة الدعاية الرسمية التي لم تفلح في إخفاء حجم الانهيار الداخلي والانقسامات، لا داخل الجيش فحسب، بل داخل تحالف “الكرامة” نفسه، الذي يتشكل من خليط غير متجانس من بقايا نظام الإنقاذ، ومجموعات مدنية انتهازية، وقادة عسكريين يلهثون وراء “نصر” لم تُعرّف أهدافه السياسية بعد.
إن الترويج لهذا النوع من الخطاب – خاصة من شخصية أكاديمية مثل د. إدريس – لا يسهم في استنهاض الوطن، بل يعمّق الفجوة بينه وبين قواه المدنية والاجتماعية الحقيقية. فالدعوة إلى “حشد الجهود للمزيد من القتال” لا تأتي في سياق مبادرة سياسية أو مشروع وطني جامع، بل في لحظة انهيار للمؤسسات، وتمزق للمجتمع، وسقوط للأخلاق السياسية في مستنقع التحشيد الدموي.
كان الوطن ينتظر من رئيس الوزرائه أن يقول كفى. أن يعلن أن هذه الحرب ليست طريق الكرامة بل طريق الفناء. أن يشير بإصبعه إلى من قادوا البلاد إلى هذا الخراب، لا أن يصطف معهم واضعا نفسه تحت لافتة الراكب الاخير في قطار الموت عوضا ان يكون قائدا لسفينة السلام بأن يصرخ في وجه الجنرالات كما صرخ ثوار ديسمبر في وجه البشير: “لقد انتهى زمنكم، والمجد للوطن لا للمليشيات”.
إن السودان اليوم لا يحتاج المزيد من البهارات الدامية الزائفة،والخطاب الشعبوي الاجوف بل يحتاج قائدًا مدنيًا حقيقيًا، يمتلك الشجاعة ليقف ويقول: كفى دمًا. كفى حربًا. كفى دمارًا. وهذا ما لم يقله كامل إدريس. لقد كسب تحالف الحرب صوتًا جديدًا، وخسر الوطن فرصة.
والله المعين وهو المستعان
وبس
بلا
بل
#اللهم_لا_ترفع_للكيزان_راية_ولا_تحقق_لهم_غاية_واجعلهم_للعالمين_عبرة_وآية

زر الذهاب إلى الأعلى