رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير.. أسامة صالح

الأعمدة

عندما رفض نميري مقابلة ملك البحرين: قصة كبرياء سوداني لا يُنسى”


بقلم : معاوية أبوالريش
” عزة النفس في دبلوماسية السودان الغابرة”
في عام 1977م، وبينما كان الرئيس السوداني السابق جعفر محمد نميري في طريقه إلى إيران في زيارة رسمية لشاه إيران، وقع حدث دبلوماسي لافت يُروى حتى يومنا هذا كمثال على الكبرياء والعزة التي كانت تتمتع بها القيادة السودانية آنذاك.
هبطت طائرة الرئيس نميري في مطار المنامة بالبحرين للتزود بالوقود وأخذ قسط من الراحة قبل مواصلة رحلته إلى طهران. وحسب البروتوكول الدبلوماسي، كان من المتوقع أن يستقبل ملك البحرين الرئيس السوداني في المطار، إلا أن ذلك لم يحدث.
وعندما علم نميري أن ملك البحرين لم يستقبله في المطار، ولكنه قرر زيارته لاحقاً في فندق إقامته، كان رد فعل الرئيس السوداني حازماً ومفاجئاً. رفض نميري النزول من غرفته للقاء ملك البحرين، وأرسل رسالة جريئة عبر مرافقيه: “قولوا له بأن نميري يقول لك بأنه يمتلك جزيرة في الخرطوم اسمها توتي أكبر من البحرين، وأخبروه بأنني نائم.”
” جزيرة توتي: رمز الكبرياء السوداني”
كانت الإشارة إلى جزيرة توتي، الواقعة عند ملتقى النيلين الأبيض والأزرق في قلب العاصمة الخرطوم، أكثر من مجرد مقارنة جغرافية. كانت رسالة رمزية قوية تعكس اعتزاز القيادة السودانية بالذات وعدم قبولها بأي موقف قد يُنظر إليه على أنه تقليل من شأن الدولة السودانية أو قيادتها.
هذا الموقف يُظهر شخصية نميري القوية وإدراكه العميق لمكانة السودان على الساحة الدولية، وتمسكه بكرامة بلاده وهيبتها حتى في أدق التفاصيل البروتوكولية.
” تحول الدبلوماسية السودانية: من عزة النفس إلى التنازلات”
عند مقارنة موقف نميري بالمشهد الدبلوماسي السوداني المعاصر، يظهر تباين صارخ في التعامل مع الكرامة الوطنية والسيادة. لعل أبرز مثال على ذلك ما حدث عندما زار الفريق أول عبد الفتاح البرهان القاهرة والتقى بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
فبينما رفض نميري مجرد النزول من غرفته للقاء ملك بلد آخر لم يستقبله بالشكل اللائق، شوهد البرهان وهو يؤدي التحية العسكرية للرئيس السيسي، في موقف اعتبره كثيرون تنازلاً عن هيبة المنصب السوداني وانكساراً دبلوماسياً غير مسبوق.
” الهيبة المفقودة: تأملات في تحول الشخصية القيادية السودانية”
ما بين موقف نميري في عام 1977م وما وصلنا إليه اليوم، تبرز أسئلة حول التحول الذي طرأ على الشخصية القيادية السودانية. هل تغيرت مفاهيم الكرامة والسيادة؟ أم أن الظروف الإقليمية والدولية فرضت واقعاً جديداً على طبيعة العلاقات الدبلوماسية السودانية؟
يبقى موقف نميري مع ملك البحرين شاهداً على حقبة كانت فيها الهيبة السودانية حاضرة بقوة، وكان قادة البلاد يتمسكون بكرامتهم وكبريائهم، حتى في المواقف العابرة التي قد تبدو للبعض هامشية.
” درس في الكبرياء الوطني”
تبقى حادثة رفض نميري لقاء ملك البحرين درساً في الكبرياء الوطني وقوة الشخصية القيادية. وبغض النظر عن التقييمات المختلفة لفترة حكم نميري، فإن هذا الموقف يُحسب له كتعبير عن عزة النفس والحفاظ على هيبة الدولة السودانية.
ولعل في استذكار مثل هذه المواقف ما يدفع إلى التأمل في كيفية استعادة الدبلوماسية السودانية لمكانتها وهيبتها، بعيداً عن مواقف الضعف والتنازل التي باتت تطبع المشهد السياسي السوداني المعاصر في نظر الكثيرين.
تبقى جزيرة توتي، التي تفاخر بها نميري، شاهدة على تاريخ سوداني عريق، وعلى قيادة كانت ترى في السودان بلداً يستحق الاحترام والتقدير، مهما كانت الظروف والتحديات.

زر الذهاب إلى الأعلى