رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير.. أسامة صالح

تقارير

فهم ظاهرة العنف في سياق قوات الدعم السريع ( الجنجويد ) : تحليل اجتماعي لأسس السلوك العدواني

د. كمال دفع الله:
ظاهرة العنف التي تمارسها مليشيات قوات الدعم السريع في السودان من اعقد التحديات الاجتماعية والسياسية في البلاد تبرز ممارساتهم باعتبارها علامة بارزة على تصاعد التوترات والمظالم داخل المجتمع. يتجاوز هذا السلوك العدواني كونه مجرد رد فعل عاطفي؛ فهو يعكس شبكة من القضايا التاريخية والثقافية والاقتصادية المتأصلة. لفهم أسباب هذا العنف، من الضروري إجراء تحليل شامل للجوانب الاجتماعية والنفسية التي تساهم في انتشاره. يتجذر سلوك المليشيات، المعروف أيضًا باسم الجنجويد، في مجموعة من العوامل المعقدة، تتراوح من البنية الاجتماعية الرحل المتأصلة في ثقافة الصراع إلى تآكل القيم الأخلاقية والدينية التي من المفترض أن توجه أفعال الأفراد. كما أن الافتقار إلى التعليم والمعرفة يلعب دوراً هاماً من خلال تعزيز الإيديولوجيات الإجرامية المتطرفة وعدم الفهم العميق للمبادئ الإنسانية. بالإضافة إلى ذلك، يسهم الاستياء الاجتماعي المستمر تجاه المجتمعات الأخرى في تصاعد العنف كوسيلة للدفاع عن الهوية الجماعية وتأكيد الذات. يسعى هذا المقال إلى تقديم منظور نقدي يقوم على أسس اجتماعية لفهم العوامل التي تساهم في ظاهرة العنف بين مليشيات الجنجويد، مع مراعاة الأحداث التاريخية والتحولات الاجتماعية التي خلقت بيئة تمكّن من هذه الممارسات. نهدف من خلال هذا التحليل إلى تعزيز الفهم الاجتماعي للتحديات المعقدة التي تواجه المجتمع السوداني وتقديم رؤى ثاقبة قد تساهم في وضع استراتيجيات فعالة لمعالجة هذه القضايا، بهدف في نهاية المطاف بناء مستقبل أكثر سلاما واستقرارا. *تحليل ظاهرة العنف التي تمارسها مليشيات الجنجويد:* العنف الذي ترتكبه مليشيات الجنجاويد ضد المدنيين العزل وسط هذه الحرب الدموية ظاهرة معقدة تتطلب تحليلا دقيقا لعواملها الاجتماعية والثقافية والتاريخية. في هذا السياق، يمكن تلخيص العوامل الرئيسية التي تساهم في هذا السلوك العدواني على النحو التالي:1. **البنية الاجتماعية الرعوية البدوية:** – تختلف المجتمعات البدوية في تصورها للعنف، الذي يعتبر أحيانا وسيلة مقبولة لحل النزاعات. وفقًا لعالم الاجتماع نيكولاس كاوش، تعزز هذه الأنماط الثقافية فكرة القوة كعلامة للهيمنة، مما يؤدي إلى انتشار العنف كرد على النزاعات حول الموارد مثل المياه وأراضي الرعي. 2. ** تآكل القيم الأخلاقية والدينية:** – غالبا ما يرتبط العنف بتدهور القيم الإنسانية. سلوك الجنجويد يمكن أن ينسب إلى مشاعر التهميش والضحية التي يعيشها بعض الأفراد، مما يدفعهم إلى التخلي عن المبادئ الأخلاقية والإنسانية. كما أكد إيمانويل كانط، القيم الأخلاقية أساسية للأخلاق السليمة، وغيابها واضح في هذا السياق. 3. **ضعف في التعليم والمعرفة:** – علماء الاجتماع يؤكدون على العلاقة بين مستويات التعليم المرتفعة وانخفاض مستويات العنف. في هذه الحالة، قد يعزز الافتقار إلى التعليم المعتقدات الإيديولوجية المتطرفة، مما يعمق أزمة الفهم البشري. 4. ** الاستياء الاجتماعي تجاه الآخرين:** – أحد العوامل المؤثرة في هذا العنف هو الاستياء الاجتماعي العميق الجذور بين المجتمعات المختلفة. وتشكل هذه التوترات الهوية الجماعية بطريقة تبرر استخدام العنف كوسيلة للدفاع، مما يغذي دائرة من العنف والتطرف. بناء على ما سبق، تظهر ظاهرة العنف بين الجنجويد كنموذج معقد من العوامل الاجتماعية والثقافية. تتطلب معالجة هذه القضايا خطوات شاملة تهدف إلى تعزيز التعليم وإعادة بناء القيم الإنسانية وتعزيز الهوية الوطنية المشتركة. هذه التدابير ضرورية لكسر دائرة العنف وبناء مجتمع أكثر استقرارا.

زر الذهاب إلى الأعلى