
”
في عالم يتسابق فيه الزمن والتقنية، تقدم الصين نموذجاً مذهلاً في مجال البناء السريع يمكن أن يكون طوق نجاة للدول التي تكافح لإعادة الإعمار بعد النزاعات. فعندما نتحدث عن بناء مبنى سكني كامل من عشرة طوابق في أقل من 29 ساعة، فإننا نتحدث عن ثورة حقيقية قد تغير مستقبل السودان بعد انتهاء الحرب الحالية. حققت شركة Broad Group الصينية إنجازاً غير مسبوق في عالم البناء والتشييد، حيث تمكنت من بناء عمارة سكنية مكونة من 10 طوابق في 28 ساعة و45 دقيقة فقط. هذا الإنجاز المذهل يعتمد على تقنية الوحدات الجاهزة المسبقة الصنع التي تُصنّع في المصانع وتُجمّع في موقع البناء بدقة وسرعة فائقة. المبنى المسمى “المبنى الحي” يمثل نموذجاً مبتكراً يمكن تطبيقه على مجموعة واسعة من المنشآت بما يشمل الأبراج السكنية متعددة الطوابق، المستشفيات والمراكز الصحية، المدارس والجامعات، المباني الحكومية والمؤسسات العامة، الفنادق وغيرها من المشاريع التنموية.
مع استمرار النزاع المؤسف في السودان، تزداد الحاجة للتفكير في مرحلة إعادة الإعمار بعد توقف الحرب. فالدمار الذي لحق بالبنية التحتية في العاصمة الخرطوم ومناطق أخرى يمثل تحدياً هائلاً أمام أي حكومة قادمة. وتشمل قائمة المنشآت المتضررة التي تحتاج لإعادة بناء عاجلة المستشفيات والمراكز الصحية التي تعد خط الدفاع الأول للمواطنين، المدارس والجامعات لضمان استمرار العملية التعليمية، محطات الكهرباء والمياه لاستعادة الخدمات الأساسية، الجسور والطرق لتسهيل حركة النقل، والمباني السكنية لإيواء آلاف المشردين. وقد شهد السودان في العقود الماضية العديد من مشاريع البناء التي نفذتها شركات محلية، لكن هذه التجارب كشفت عن عدة تحديات وإشكاليات يجب تجاوزها في المستقبل، منها التأخير المزمن في التنفيذ حيث إن مشاريع كان من المفترض إنجازها في عامين استغرقت عشر سنوات أو أكثر، والمشاكل الفنية والهندسية حيث ظهرت عيوب إنشائية في العديد من المباني بعد تشييدها مباشرة، وتضخم التكاليف بزيادة غير مبررة في تكلفة المشاريع بنسب تفوق المعدلات العالمية، وغياب الشفافية خاصة خلال فترة حكم نظام المؤتمر الوطني، حيث تم تضخيم فواتير المشاريع التنموية.
تتمتع الشركات الصينية بعدة مزايا تجعلها خياراً مثالياً لمرحلة إعادة الإعمار في السودان، فهي تملك التكنولوجيا المتقدمة في تقنيات البناء السريع والمستدام، واستخدام المواد المبتكرة خفيفة الوزن عالية المتانة، وأنظمة بناء ذكية مقاومة للزلازل والكوارث الطبيعية. كما أنها تتمتع بخبرة عالمية من خلال مشاريع ناجحة في أكثر من 60 دولة حول العالم، وخبرة خاصة في إعادة الإعمار بعد الكوارث والنزاعات، وتاريخ طويل من المشاريع الناجحة في إفريقيا. وتتميز هذه الشركات أيضاً بالسرعة والكفاءة من خلال تقليص زمن التنفيذ بنسبة تصل إلى 70% مقارنة بالطرق التقليدية، والعمل المتواصل على مدار 24 ساعة، واستخدام فرق عمل متعددة التخصصات. وتضاف إلى ذلك ميزة التكلفة المنخفضة عبر تحقيق وفورات كبيرة في تكاليف العمالة والإدارة، وتقليل الهدر في مواد البناء، وتقليص فترة الاستثمار وبدء تشغيل المنشآت بسرعة.
تتميز العلاقات بين السودان والصين بتاريخ طويل من التعاون الإيجابي والمثمر، فهناك علاقات دبلوماسية تمتد لأكثر من 60 عاماً، وتعاون اقتصادي في قطاعات النفط والتعدين والبنية التحتية، ومشاريع مشتركة ناجحة في السودان مثل سد مروي وجسر الصداقة، ودعم سياسي متبادل في المحافل الدولية. هذه العلاقات التاريخية القوية تشكل أرضية صلبة لتعاون مستقبلي في مجال إعادة الإعمار.
ولضمان نجاح التعاون مع الشركات الصينية في مرحلة إعادة الإعمار، يمكن تبني عدة آليات، منها الشراكات طويلة الأمد عبر توقيع اتفاقيات إطارية لإعادة إعمار مناطق كاملة وليس مشاريع فردية، ونقل التكنولوجيا والخبرات من خلال تضمين بنود ملزمة لتدريب كوادر سودانية على تقنيات البناء الحديثة، والتمويل الميسر عبر الاستفادة من خطوط الائتمان الصينية والقروض الميسرة لتمويل مشاريع البنية التحتية، والشفافية والرقابة من خلال إشراك جهات رقابية محلية ودولية لضمان جودة التنفيذ وترشيد التكاليف، والمشاريع متعددة المراحل بالبدء بالمشاريع ذات الأولوية القصوى كالمستشفيات والمساكن، ثم التوسع تدريجياً.
رغم المزايا الكبيرة للتعاون مع الشركات الصينية، هناك بعض التحديات التي يجب التعامل معها بحكمة، ومنها مخاوف الديون المتراكمة وإمكانية وقوع السودان في فخ الديون الصينية، والمنافسة مع الشركات المحلية وتهميش الشركات السودانية في مرحلة إعادة الإعمار، وصعوبة نقل التكنولوجيا الصينية وتوطينها محلياً، وقضايا الجودة حيث أظهرت بعض التجارب السابقة في دول أخرى مشكلات في جودة بعض المشاريع الصينية. ويمكن مواجهة هذه التحديات عبر عدة حلول، منها التعاقدات المتوازنة من خلال صياغة عقود تحمي مصالح السودان وتضمن نقل الخبرات، والشراكات المختلطة عبر إلزام الشركات الصينية بالشراكة مع شركات سودانية، والرقابة الفنية الصارمة من خلال تشكيل لجان فنية محايدة لمراقبة جودة التنفيذ، والتنويع وعدم الاعتماد على مصدر واحد للتمويل أو التكنولوجيا.
في حال تم التعاقد مع شركات صينية مثل Broad Group، يمكن إعطاء الأولوية لعدة مشاريع، منها مستشفيات ميدانية سريعة التشييد يمكن بناؤها في أسبوع واحد لتلبية الاحتياجات الصحية العاجلة، ومجمعات سكنية للنازحين لإيواء المتضررين من النزاع، ومراكز تعليمية متكاملة لإعادة بناء المدارس والجامعات المتضررة بتقنيات حديثة ومستدامة، ومراكز الإدارة الحكومية لإعادة تأهيل المباني الحكومية لضمان استمرار الخدمات الأساسية، ومشاريع البنية التحتية لإعادة تأهيل الجسور والطرق وشبكات المياه والكهرباء.
مع كل الدمار الذي خلفته الحرب في السودان، تبرز فرصة تاريخية لإعادة بناء البلاد وفق معايير حديثة ومستدامة. تقنيات البناء السريع الصينية تقدم حلاً واعداً لتحقيق قفزة نوعية في البنية التحتية للبلاد. إن الاستعانة بخبرات شركة Broad Group وغيرها من الشركات الصينية الرائدة يمكن أن يساعد السودان على تقليص زمن إعادة الإعمار من عقود إلى سنوات معدودة، وبناء منشآت أكثر استدامة ومقاومة للكوارث، وتوفير ملايين الدولارات من تكاليف البناء التقليدية، ونقل تكنولوجيا متقدمة للسودان يستفيد منها قطاع البناء المحلي. وبينما ننتظر بأمل انتهاء النزاع الحالي، يجب أن يبدأ التخطيط من الآن لمرحلة إعادة الإعمار باستخدام أحدث التقنيات العالمية. فالسودان يستحق غداً أفضل، وبمساعدة الخبرات الصينية، يمكن أن تعود الخرطوم وكل مدن السودان أجمل وأقوى مما كانت عليه قبل الحرب.