رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير.. أسامة صالح

تقارير

قيادة الجيش السوداني تتوجس من انقلاب الكتائب الإسلامية.

يستشعر الجيش السوداني خطرا متزايدا من تعاظم قوة الكتائب والمجموعات الإسلامية المتحالفة معه، وتغولها في المدن والمناطق التي سيطر عليها.
ولم تعد قيادات الجيش تخفي هواجسها، وحذر نائب قائد الجيش الفريق شمس الدين كباشي مؤخرا من أن انتشار السلاح بات يشكل تحديا يفوق حتى خطر قوات الدعم السريع، لافتا إلى معضلة الاستقطاب الأهلي وما يثيره ذلك من مخاطر.
وقال كباشي، في حديث أمام ولاة الولايات وبعض الوزراء في مقر حكومة ولاية البحر الأحمر، السبت إن “الوضع الحالي أفرز انتشار السلاح، وهذا تحدٍ كبير أخطر من العدو الظاهر،” في إشارة إلى الدعم السريع.
وجاءت تصريحات كباشي في أعقاب تسريبات تحدثت عن تصاعد حدة الخلافات بين قيادة الجيش السوداني، وقادة الكتائب المسلحة التي تحارب إلى جانبه، بعد قرارات اتخذها للحد من نفوذها في ولايات شمال السودان وشرقها.
شمس الدين كباشي: كل من يأتي إلينا ببزة غير المقاومة الشعبية عليه أن ينزعها
وتحدثت التسريبات عن أن قرارات الجيش المتمثلة بوقف التجنيد وطرد الكتائب المسلحة من ولايات شمال وشرق السودان مع وقف تزويدها بالتمويل والسلاح، أثارت غضب قادة تلك الكتائب، وسط تصاعد نذر اقتتال بين الجانبين.
وخلال لقائه مع الولاة وبعض الوزراء طالب كباشي بإبعاد القوات المقاتلة من المدن التي استعادها الجيش، على أن تؤول مهام حفظ الأمن إلى الشرطة.
ولفت نائب قائد الجيش إلى أنه “في بعض المدن والولايات نرى حشدا كبيرا للقوات التي نحتاجها في مناطق القتال المتقدمة، فيما تلك المدن بحاجة إلى قوات الشرطة التي نوصي بتوفير احتياجاتها.”
وأقر كباشي بعدم انضباط بعض القوات المتواجدة في المدن، داعيًا ولاة الولايات إلى لعب دور أكبر بإحلال الشرطة محلها، على أن تنصرف القوات الأخرى إلى جبهات القتال.
وخلال تقدم الجيش في بعض المدن ومنها الجزيرة وأم درمان والخرطوم، حصلت الكثير من الانتهاكات وجرائم حرب تمثلت في إعدامات ميدانية وتنكيل بمدنيين ونهب، نسبت لمجموعات موالية للجيش.
وكانت قيادة الجيش تطل في كل مرة متحدثة عن فتح تحقيق في تلك الانتهاكات، لكن من دون أي نتيجة.
ولطالما حذرت المكونات السياسية والأهلية في السودان الجيش من مغبة تشكيل ميليشيات وتجنيد مواطنين، حيث أن الأمر سيقود حتما إلى حالة من الفوضى وانتشار السلاح بشكل يصعب احتواؤه مستقبلا وسينتهي الأمر إلى تشعب القتال.
ويبدو أن هذه التحذيرات باتت تتحقق على أرض الواقع حيث أن المجموعات المسلحة التي جندها الجيش وعمل على تسليحها بأحدث الأسلحة والتقنيات مثل كتيبة البراء باتت تتحدى الجيش وترفض الالتزام بتعليماته، وسط عدم استبعاد أن تنقلب على القيادة الحالية للجيش في المستقبل القريب.
وقال كباشي إن الحرب أفرزت خطاب كراهية وعنصرية وجهوية، مشددًا على أن ذلك “غير مقبول”، مطالبًا ولاة الولايات بمعالجة أمر الإدارات الأهلية ــ قادة القبائل ــ التي انساقت وراء الدعم السريع.
وتابع “الحرب ذاهبة إلى نهاياتها، لكننا نواجه واقع عدم تماسك المجتمع، حيث حدثت شروخ تحتاج إلى معالجات واعية.” وأفاد كباشي بوجود مشروع قانون جديد للإدارة الأهلية.
وطالب نائب البرهان ولاة الولايات بضرورة الاهتمام بأمر المقاومة الشعبية ووضعها في قوالبها الصحيحة، معلنًا رفض الدولة لأي قوات خارج مظلة المقاومة الشعبية، حيث إن “كل من يأتي إلينا ببزة غير المقاومة الشعبية عليه أن ينزعها.”
وكشف كباشي عن إصدار مجلس السيادة قرارًا بعدم استقبال أي وفود أهلية، بعد أن أصبحت مزعجة في بورتسودان، مشددًا على أن “تنسيقيات القبائل لن تكون بديلًا للإدارة الأهلية وهي غير مفيدة ويجب أن تكون الوفود باسم الولايات.”
كباشي أقر بعدم انضباط بعض القوات المتواجدة في المدن، داعيًا ولاة الولايات إلى لعب دور أكبر بإحلال الشرطة محلها
ويرى متابعون أن تصريحات الكباشي لاسيما في علاقة بخطر المجموعات المسلحة ليست نابعة من مراجعات، وإنما متأتية من شعور بالقلق حيال امكانية حدوث انقلاب من تلك الجماعات على قيادة الجيش.
ويشيرون إلى أن قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان، كان يعتقد أن تحالفه مع الحركة الإسلامية وفلول نظام الرئيس السابق عمر البشير من شأنه أن يفسح له المجال للسيطرة الكلية على السلطة في السودان، وإبعاد أي منافس مثل القوى المدنية أو الدعم السريع، لكنه وجد اليوم نفسه مجرد أداة بأيدي هؤلاء وأنه سيجري التخلي عنه متى ما استشعروا بانتهاء الحاجة إليه، أو أنه لم يعد يلبي متطلبات المرحلة الحالية.
ويلفت المتابعون إلى أن تحرك قيادة الجيش اليوم لإخلاء المدن والمناطق التابعة لها من المجموعات المحسوبة على الحركة الإسلامية جاء متأخرا، حيث أن تلك التشكيلات باتت هي في الواقع المسيطرة على مناطق الجيش.
ويقول المتابعون إن الخلافات اليوم بين قادة المجموعات المسلحة وقيادة الجيش باتت تؤثر بشكل واضح على القتال ضد قوات الدعم السريع، بعد فترة من الانتعاشة تم خلالها تحقيق نتائج مهمة، آخرها السيطرة على العاصمة الخرطوم.
ويرى مراقبون أن بداية تفكك الجبهة الداخلية للجيش، مع التغييرات التكتيكية التي أجرتها قوات الدعم السريع، مكنت الأخيرة على ما يبدو من استعادة توازنها.

زر الذهاب إلى الأعلى