
بقلم : معاوية أبوالريش
لم يعد للصمت صوت في وطنٍ يئن تحت وطأة حربٍ عبثية دخلت عامها الثالث، فالسودان العظيم الذي طالما تغنى الشعراء بنيله وأرضه وكرم أهله، بات اليوم جريحاً ينزف من كل جانب. وبين أنقاض المدن المدمرة وصرخات الأطفال وعويل الأمهات الثكالى، تتبدد أحلام شعبٍ طالما حلم بالسلام والعيش الكريم.
إلى قيادات حزب المؤتمر الوطني وكل من ساهم في إشعال فتيل هذه الحرب المدمرة، نوجه هذه الرسالة بكلمات مغموسة بدموع الثكالى وآهات المشردين، عسى أن تصل إلى قلوب لا تزال تنبض بالإنسانية، وضمائر لم تمتها بعد أطماع السلطة وشهوة الحكم.
” شعبٌ تحت رحمة الحرب: صور من معاناة لا تنتهي”
ها هي الخرطوم، عروس النيلين، تئن تحت وطأة القصف والدمار. أحياؤها التي كانت تعج بالحياة أصبحت أطلالاً. مستشفياتها التي كانت منارات للشفاء باتت عاجزة عن استقبال الجرحى. مدارسها التي كانت تبني الأجيال تحولت إلى مهاجع للنازحين أو أهدافٍ للقصف العشوائي.
في دارفور، تتجدد مأساة لم تندمل جراحها بعد. عاد شبح الإبادة ليخيم من جديد على سكان المنطقة. قرىً بأكملها أُحرقت عن بكرة أبيها، ونساء اغتُصبن على مرأى ومسمع من العالم، وأطفال قُتلوا أو يُتّموا في لحظات لن تُمحى من ذاكرة التاريخ.
أكثر من ثمانية ملايين سوداني نزحوا من بيوتهم، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، يتقاسمون لقمة العيش الشحيحة، ويتجرعون مرارة اللجوء إما في مخيمات داخل وطنهم الجريح أو في بلدان الجوار التي أثقلت كاهلها بأعداد اللاجئين المتزايدة.
المجاعة تهدد ملايين السودانيين، والأمراض والأوبئة تنتشر في ظل انهيار المنظومة الصحية. أزمة إنسانية هي الأسوأ في العالم، بشهادة المنظمات الدولية، بينما تستمر الأطراف المتحاربة في عرقلة وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين.
” نداء إلى الضمير: اتقوا الله في السودان وأهله”
يا من تدّعون الإسلام وتتشدقون بالوطنية، أين أنتم من قول الله تعالى: “وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ”؟ أين أنتم من حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم”؟
هل تستحق كراسي الحكم كل هذه الدماء؟ هل تستحق السلطة الزائلة إزهاق أرواح الأبرياء وتشريد الملايين وتدمير البلاد؟ أي مكسب سياسي يبرر تجويع شعب بأكمله وحرمانه من أبسط مقومات الحياة الكريمة؟
اتقوا الله في سودان العزة والكرامة، سودان الحضارات والتاريخ، سودان الطيبين والكرماء. تذكروا أن كل قطرة دم تسفك في هذه الحرب العبثية ستسألون عنها يوم القيامة، وأن كل يتيم بكى والديه، وكل ثكلى فقدت فلذة كبدها، وكل جائع لم يجد قوت يومه، سيكونون خصماءكم عند رب العالمين.
“وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ”.
” طريق الخلاص: دعوة للسلام والمصالحة”
إن الحرب لن تُنهي نزاعاً بل ستولد نزاعات لأجيال قادمة. والنصر المزعوم الذي تسعون إليه سيكون هزيمة للجميع، فلا منتصر في حربٍ تطحن أبناء الوطن الواحد.
إن الحل الوحيد لإنقاذ ما تبقى من السودان هو:
* وقف فوري لإطلاق النار دون شروط مسبقة.
* تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع المناطق المتضررة.
* الانخراط في حوار وطني شامل يضم جميع أطياف المجتمع السوداني.
* التوافق على فترة انتقالية يقودها مدنيون يحظون بثقة الشعب السوداني.
* إصلاح ما دمرته الحرب والبدء في إعادة بناء الوطن على أسس العدالة والمساواة.
” النداء الأخير”
أيها القادة، أصبحتم اليوم على مفترق طرق تاريخي: إما الاستمرار في طريق التدمير الذي لن يورثكم سوى لعنات التاريخ وغضب الله، أو اختيار طريق السلام والمصالحة الذي سيفتح صفحة جديدة للسودان وشعبه العظيم.
اختاروا بحكمة، واعلموا أن التاريخ لا يرحم، وأن الله تعالى لا يغفل. فما يزال هناك متسع من الوقت للعودة إلى جادة الصواب وإيقاف نزيف الدم السوداني.
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ”.
والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل.