“سلام جوبا” اتفاق والسلام
حالـة قلـم
محـمود النـور
قبل أيام، مرت الذكرى الثانية لتوقيع اتفاقية “سلام جوبا” في أكتوبر ٢٠٢٠، مرت في صمت مخجل، لم يحتفِ أو يحتفل بها حتى الذين وقعوا عليها من حملة السلاح، أو أولئك الذين شهدوا عليها من المدنيين، ولا الذين حملوا على عاتقهم مهمة الترويج لتلك الاتفاقية والتبشير بها، صمت كل هؤلاء في أكبر اعتراف على فشل ذلك التوقيع في تحقيق أي سلام.
على أي حال فإن عدم الاحتفال بذكرى التوقيع، يحمل الكثير من الدلالات والإشارات للجميع، سواء الموقعين أو الرافضين وعلى رأسهم طبعاً “الحلو وعبد الواحد” لكن ما هو أهم من الاحتفال بالذكرى السنوية الثانية، هو أنه لم ينبري أحد، من الموقعين أو الضامنين، لتقييم فترة العامين الذين مضيا على الاتفاق، وموقفها من السلام الحقيقي، والواقع أن لسان الحال يؤكد عدم وجود حاجة لتقييم اتفاقية سلام جوبا، ففي خلال عامين لم تهنأ اي من المناطق المعنية بسلام أو أمن حقيقي، ولا تنعم مواطنوها بمشروع تنموي، ولا عاد نازحو المعسكرات إلى قراهم.
المؤسف في أمر اتفاق جوبا، هو أن المآلات كانت واضحة للجميع، وكثيراً ما تعالت أصوات محذرة من مغبة المُضي قدماً في هذا الاتفاق، خاصة بعد سيناريو “المسارات” إلا أن تلك الأصوات تم قمعها والإنكار عليها، وتم وصف كل من ينادي بإعادة النظر في أمر المفاوضات بمعاداة السلام، وحينها كان معظم الناشطين يرددون في “دوغمائية” غريبة شعار “السلام سمح” والان وبعد عامين يبدو واضحاً أنه كان شعاراً خاوياً كانوا يرددونه نكاية في النظام السابق، لا أكثر ولا أقل، وأصروا على اعتباره إنجازاً لحكومة حمدوك التي فشلت في كل شيئ، ودونكم التصريح الذي أدلى به عضو مجلس السيادة السابق “محمد حسن التعايشي” عندما قال إنهم حققوا في ثلاث ساعات، ما فشلت فيه الإنقاذ لثلاثين عاماً .. فتأمل!
على أي حال، فإن مسارات التفاوض في جوبا، كانت تؤكد أن السلام ليس من أجندة أي من المتفاوضين في جوبا، بل هي المناصب والحقائب، لذلك لم يكن مُستغرباً أن يسارع قادة الحركات لدخول الخرطوم، بدلاً من مناطقهم التي يدعون أنهم “تمردوا” من أجلها، وأن يعملوا على تمكين انفسهم في المناصب والكراسي، وأن يحتفظوا بجيوشهم في الخرطوم، ويتخذوا موقف المتفرج تجاه الاقتتالات المتتالية التي شهدتها مناطقهم التي “حملوا السلاح” من أجلها.
مهما يكُن لا بد من الإشارة هنا إلى أن الوقائع التاريخية، بعد الحادي عشر من أبريل ٢٠١٩ توضح أنه لم تكُن لدى قادة الحركات المسلحة أو قيادات قحت، آنذاك، أدنى إرادة لتحقيق السلام، وإلا فكان الأولى بأولئك فتح صفحة جديدة غير مشروطة مع النظام الجديد، وكان الأجدر بهؤلاء عدم ممارسة الإقصاء والإستئثار بالحكم، بعد سقوط “الإنقاذ” التي يدّعي الجميع أنهم عارضوها وأسقطوها من أجل بناء “سودان جديد” لا من أجل مكاسب شخصية أو حزبية سياسية.
بقي أن نقول أن “العسكريين” يتحملون الوزر الأكبر في اتفاق سلام جوبا “الفاشل” فلولا موقفهم التفاوضي “المهزوز” والمتساهل لكان بالإمكان أفضل مما كان، وفي البال أنه ابان أيام التفاوض تلك لم يكن لأي من الحركات المفاوضة والتي وقعت بعد ذلك، لم يكن لها اي ثقل عسكري حقيقي يجعلها تفاوض من “موقع قوة” كما بالنسبة للجيش وقتها.
…
ودُمتُـم سالميـن